اليوم : يكون قد انقضى ستون عاما ً ، بالتمام والكمال ، على يوم من أعظم الأيام فى تاريخ مصر وشعبها ، يوم 21 فبراير 1946 ، الذى شهدت ساعاته سلسلة من التطورات والتداعيات ، جعلته واحدا ً من الأيام الخالدة ، وعمّدته فى مجرى الصراع ضد الاحتلال والاستبداد ، ومن أجل بناء مصر الحرة والمستقلة ، وكواحدة من اللحظات المجيدة التى صاغت وجدان شعبنا ، وحفرت ذكراها عميقة فى روحه ووعيه . كانت النخبة الحاكمة من أحزاب الأقلية تحكم مصر بالحديد والنار ، وتتحدى رغبة شعبها وإرادته ، ونداءاته التى كانت تطالب بإيقاف المفاوضات الدائرة مع المستعمر ، وإلغاء معاهدة 1936 ، ولعبت الحركة الطلابية والعمالية دورا ً رائدا ً فى مواجهة مؤامرات الاستعمار وأعوانه ، وتشكلت فى أوائل عام 1946 " اللجنة التنفيذية العليا للطلبة " ، قادت التحركات الطلابية فى مظاهرة حاشدة ، أبرزها حادثة " كوبرى عباس " ، ( 9 فبراير 1946 ) التى ُفتح فيها الكوبرى على جموع الطلاب ، وأدى هجوم قوات البوليس عليها إلى جرح أكثر من 200 طالب منهم 84 أصيبوا بإصابات خطيرة ، وقد رد عليها الشعب المصرى بانفجارات جماهيرية فى الإسكندرية والزقازيق والقاهرة طوال اليوم التالى ، وأحرقت صور الملك فى الجامعة ، وولدت فى 18 و 19 فبراير ، من رحم هذا الوضع الثورى : " اللجنة الوطنية للعمال والطلبة " ، ك " جبهة وطنية " تضم كل القوى الأساسية المطالبة بالتغيير الوطنى ، وكقيادة شرعية للكفاح الشعبى فى سبيل الاستقلال والدستور ، وهو ما مهد لوقائع يوم 21 فبراير 1946 المجيد . ويصف المفكر الراحل عبد المنعم الغزالى ، أحد المشاركين فى وقائع هذا اليوم المشهود ، أحداث هذا اليوم ، فيقول : " مع فجر يوم الخميس 21 فبراير 1946 كانت القاهرة كلها تتجمع ، وانتشر مندوبو اللجنة الوطنية للعمال والطلبة فى كل مكان لتنظيم الإضراب والمظاهرات ، وانطلقت المظاهرات فى مسيرتها الكبرى حيث حدد ميدان إبراهيم باشا " الأوبرا " لتجمع كل المظاهرات ، ولعقد المؤتمر الكبير لتعلن فيه القيادة الجديدة قراراتها ، وتحركت المظاهرات من الجيزة وكلية الطب والجامع الأزهر والسيدة زينب والعباسية ومن شبرا الخيمة ، وقد اشترك فى هذه المظاهرات أكثر من 150 ألفا . وتحركت مظاهرة الجامعة والمدارس من كلية الطب ، ومن أضخم مظاهرات ذلك اليوم كانت مظاهرات عمال شبرا الخيمة ، وقد بدأت تحركها فى الساعة السادسة صباحا ً ، واشترك فيها أكثر من 15 ألف عامل ، وما أن وصلت ميدان المحطة حتى أصبحت تقدر ب 40 ألفا ً ، والتقت بالمظاهرات القادمة من العباسية ومصر الجديدة والزيتون والمطرية . وفى ميدان الأوبرا عقد المؤتمر التاريخى حيث ألقى ممثلو الهيئات والقوى المختلفة فى " اللجنة الوطنية العليا للعمال والطلبة " كلماتهم ، واتخذ المؤتمر قراراته بضرورة قطع المفاوضات ، باعتبارها طريق المساومة والمهادنة ، والتمسك بالجلاء التام عن وادى النيل ، وإلغاء معاهدة 1936 ، واتفاقيتى 1899 ، وعرض قضية المطالبة بجلاء قوات الاحتلال البريطانية عن مصر والسودان على مجلس الأمن . وفى ميدان قصر النيل تجمعت المظاهرات فى مواجهة ثكنات قوات الاحتلال ، وكان الحماس عاليا ً والنظام رائعا ً . وفجاة اقتحمت المظاهرات من ناحية شارع القصر العينى أربعة سيارت بريطانية مصفحة ، فسقط عدد من الشهداء والجرحى ، فهاجمها المتظاهرون وقلبوها وأشعلوا النيران فيها ، وانطلق الرصاص من داخل الثكنات وتساقط الشهداء والجرحى ، فخلع المتظاهرون ملابسهم وغمسوها فى بنزين السيارات المصفحة وقذفوا بها الثكنات ، وأشعلوا النار فى الأكشاك الخشبية المحيطة بها ، كما حاولت الجماهير اقتحامها للإستيلاء على السلاح . وقد بلغ عدد شهداء ( ذلك اليوم التاريخى ) 23 شهيدا ً ، وعدد الجرحى 123 ، ومن ميدان قصر النيل تحركت مظاهرات إلى كل أنحاء القاهرة تحمل قمصان الشهداء المعطرة بدمائهم ، وأخذت الجماهير تهاجم المؤسسات العسكرية البريطانية المنتشرة فى المدينة ببطولة فائقة ، فأحرقت أجزاء من عمارة الطيران القريبة من شارع الساحة ، وجراجا ً عسكريا ً انجليزيا ً خلف ( كلوب محمد على ) . واستمرت المظاهرات وعلت الهتافات بسقوط الطاغية إسماعيل صدقى ، وسقوط الخونة عملاء الاستعمار و" الكفاح بالسلاح " و " المفاوضة طريق الخيانة " ، وأعلنت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة يوم 4 مارس 1946 يوما ً للحداد الوطنى العام على شهداء 21 فبراير ، حيث أعلن الإضراب العام ، واحتجبت الصحف ، واغلقت المتاجر والمقاهى والمحال العامة ، وأضربت المدارس ، وتعطلت المصانع ، وزحفت جماهير الإسكندرية كزحف يوم 21 فبراير فى القاهرة ، واستشهد فيها 28 ، وجرح 342 متظاهرا ً . وقد نجحت الحركة الشعبية الثائرة فى أن تجبر قوات الاحتلال على الجلاء عن المدن الرئيسية ، وبدأ جلائها فى يوليو 1946 وانتهى فى شهرى فبراير ومارس 1947 عن الإسكندريةوالقاهرة ، ( ولم يمر إلا بضعة سنوات حتى اضطر الاستعمار البريطانى – إزاء عنف المقاومة الشعبية – إلى أن يحمل عصاه ويرحل نهائيا ً عن بلادنا ) . وفى نفس ذلك اليوم ، 21 فبراير 1946 ، كانت الهند تفجر نفس البركان حيث أعلن شبابها العصيان ، وبدأ شعب الهند معركته ضد الاستعمار واستشهد فى نفس اليوم 25 هنديا ً ، وجرح أكثر من خمسمائة . وفى الاجتماع التأسيسى ل " اتحاد الطلبة العالمى " ، فى اغسطس 1946 ، والذى شارك فيه الطلبة المصريون ، اتخذ قرارا ً باعتبار يوم 21 فبراير 1946 يوما ً عالميا ً يرمز للنضال ضد الاستعمار ، واتخذ " اتحاد الشباب العالمى " نفس القرار فى نفس العام ، وبذا أصبح يوم 21 فبراير يوما ً عالميا ً فى حياة شباب العالم ، يرمز إلى التضامن بينهم فى كفاحهم من أجل القضاء على الاستعمار . وتمجيد ا ً لذكرى هذا اليوم التاريخى الذى يحتفل به العالم كله ، عدا مصر ، ولنضال شعبنا ، وفى مقدمته الشباب والطلاب ، دعت حركة " كفايه " ، اليوم 21 فبراير 2006 ، إلى مظاهرة حاشدة أمام النصب التذكارى لشهداء طلاب مصر وشبابها ، على مدخل جامعة القاهرة ، إحياء ً للذاكرة الوطنية ، وحفظا ً لتاريخ كفاح شعبنا من الاندثار ، وتأكيدا ً على استمرارية نضال أمتنا فى سبيل الحرية والاستقلال . من 21 فبراير 1946 إلى 21 فبراير 2006 كفاح ممتد ضد العسف والاستبداد و ضد القهر والعبودية جيل فى إثر جيل يحمل الراية ويكمل المسيرة . [email protected]