حث الكاتب الصحفي "محمد حسنين هيكل"، العرب، على استخدام ما أطلق عليه مصطلح (القوة السائلة)، عند تعاملهم مع دول العالم الخارجي، والتي عرفها بأنها ليست قوة صلبة، وليست قوة ناعمة، ولا تقف عند قوة المال، لأنها أكبر من "السيولة المالية"، وأنها إذا ما استطاع العرب توظيفها وضبطها، يكون فى إمكانهم لعب دوراً هاماً فى شئون العالم المعاصر، وكتابة تاريخ أخر لمنطقتهم الملتهبة والمستباحة من الغرب. وحيث أن "الأستاذ" قد طالب كل من يناقش رأيه أو يعلق عليه بشأن القوة السائلة، أن لا يقف طويلاً عند التعريف أو التسمية، وأن يتطرق إلى صلب الموضوع، سواء اتفق مع رأيه أو اختلف معه. ولهذا وتمشياً مع رغبة "الأستاذ" عند تناول رأيه بالتعليق أو المناقشة، فإننا سوف نتطرق لصلب الموضوع مباشرة وبدون لف أو دوران، وذلك من خلال محاولتنا الإجابة على ثلاثة تساؤلات حيوية وهامة ومشروعة تبدأ بماذا، وكيف، وما هي؟وجميعها تدور حول جوهر القوة "السائلة العربية"، حتى نقف على أهدافها المأمولة، وكيفية استحداث آلية فعالة ومعتبرة، ونظام مالي جديد يعبر عنها عند التعامل مع كل الدول بالصراع أو التعاون، وحتى نحدد متطلبات الاستخدام المأمون والأمثل لها، لنتفادى المحظورات المفروضة عليها من قبل الغرب، والى جعلتها نقمة على المنطقة بدل أن تكون نعمة عليها، وبذلك تنجلي أمامنا ليس فقط حقيقة واقعنا العربي المعاش والدولي المحيط بنا، ولكن أيضاً لكي نضمن لنقاشنا أكبر قدر من الإنصاف والموضوعية، ونحن نتناول رأى "الأستاذ" بماله وما عليه، بشأن ما طرحه بخصوص القوة العربية السائلة. أولها:ماذا يعود على العرب من جراء استخدام قوتهم السائلة ؟ تتوحد إرادات الأمة العربية المتفرقة، فى إرادة واحدة، غير متنافرة، أو متصادمة، وهذا يحقق لها الخروج من أسر السيطرة والهيمنة الغربية، المرتبطة بعلاقات مصالح حيوية وإستراتيجية مع الكيان الصهيوني الدخيل على منطقتنا، ومن ثم يستطيع العرب استخدام قوتهم السائلة، لتنفيذ برامج تنموية هائلة، تمكنهم من إنشاء قاعدة علمية راسخة ومتطورة، تخرج لنا مجتمعات زراعية وصناعية قوية وحديثة، تديرها كوادر فنية وإدارية عربية، تم إعدادها وتدريبها وفق أحدث النظم العلمية، وساعتئذ سوف تشعر دول الغرب لأول مرة، بأن أمنها القومي مهدد بسبب انحيازها السافر والغير أخلاقي لإسرائيل، على حساب الحقوق العربية المشروعة. وثانيها: كيف نستحدث آلية ونظام مالي جديد يسمح بتوظيف القوة السائلة العربية؟ يكون ذلك من خلال نظام مالي عربي جديد، لا يتقيد بنظام "الدولار"، ويعتمد على عملة عربية موحدة، تضمنها أرصدة كل العرب، وتكون قيمتها مقياساً لكل العملات الأجنبية، وأن تنشأ الأقطار العربية السوق العربية المشتركة التي طال انتظارها ، وبذلك تزداد حركة التجارة البينية بين كل الأقطار العربية، ويتحقق لها التكامل الإقتصادى العربي الحقيقي والفعال، وبذلك تتخلص كل الدول العربية من النظام "الدولارى" المفروض عليها، والذي تم استغلاله واستخدامه الغرب لنهب عائدات الدول العربية النفطية، بالتلاعب فى سعر عملات الدول الغربية، من خلال سلسلة متتابعة من التخفيضات، التي حرمت العرب من قدر "مهول" من قيمة عملتها المودعة ببنوك دول الغرب، والمحظور عليهم استخدامها فى امتلاك المصانع والموانئ، المتواجدة بالقارة العجوز وأمريكا، على نحو ما هو ثابت بالوقائع والمستندات المنشورة والغير مخفية. وثالثها: ما هي المتطلبات العربية الواجب توافرها قبل استخدام "القوة السائلة "؟ لابد أن تمتلك الأمة العربية قوة صلبة ،قاعدتها صناعة عسكرية متطورة، وجيش قوى ،ونظام إقتصادى قوى ،حتى تستطيع حماية رصيدها من القوة السائلة، وتستطيع أيضاً حماية منابع "البترول" . بدون ذلك لا يكون للقوة العربية السائلة، أي وزن سياسي، أو مالي، على الصعيد الدولي، وتظل ثروة العرب وقوتهم السائلة، تحت رحمة شركات البترول الأجنبية، إتقاء لشر عدوان حكوماتها العسكري، وتواصل إسرائيل لعب دورها المعتاد فى حراسة "الكنز" البترولي، الذي استأمنها عليه الغرب، وجعل لها أهمية حيوية وإستراتيجية، تجعله يتغاضى عن كونها كياناً عنصرياً، لا يحترم قرارات الأممالمتحدة، وقواعد القانون الدولي المعمول بها، عند محاولة البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية. من كل ما تقدم يتضح لنا أن القول باستخدام القوة السائلة العربية وحدها، لحل معضلة تخلفنا وعدم استقلالية قرارنا السياسي والإقتصادى والثقافي، هو قول يحمل الأمور بأكثر مما تحتمل، وقد يبسطها بطريقة مخلة، تتعارض مع واقع أمتنا العربية، التي أصبحت فضاءً مباحاً، لكل من يمتلك القوة الخشنة بشقيها العسكري والاقتصادي، للتدخل فى شئونها، ونهب ثرواتها، والتلاعب بهويتها، والتحكم فى حاضر ومستقبل شعوبها المغلوبة على أمرها.