يسعى تنظيم "داعش" عبر تنفيذ عمليات إعدام علنية يتفنن بها في الموصل شمالي العراق إلى ترهيب سكان المدينة، وقمع أي تمرد قد يبادرون به بعد أن نفد صبرهم جراء تضييق الخناق عليهم في ظل تجويع، وحصار دخل شهره السابع، وتشريعات يرغمون على تنفيذها، وفي الوقت ذاته "يخطب ود" المتعاطفين معه، بحسب شهود عيان من أهالي المدينة وخبير في شؤون الجماعات "الإرهابية". ومنذ أكثر من 10 أيام، بدأ التنظيم المتطرف، تنفيذ عمليات إعدام علنية أمام جمهرة من الناس، ونشر صور للضحايا على حسابات تابعة له في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وفي يوم واحد من الأسبوع الماضي، أقدم التنظيم على إعدام 4 أشخاص دفعة واحدة، وسط حشد من الناس أمام مبنى محافظة نينوى بشارع الجمهورية وسط الموصل. واستغل عناصر التنظيم الارتفاع الشاهق (300 مترًا) لبناية شركة التأمين الوطنية المجاورة لمبنى المحافظة، لتنفيذ الحد بحق شخصين، أبلغ السكان في وقت سابق أنهما متهمين ب"اللواط"، واقتادوهما إلى أعلى سطحها قبل إلقائهما من أعلى. وفي الوقت ذاته أسفل البناية، نفذ عناصر من التنظيم عملية إعدام بالرصاص بحق شخصين آخرين، تلي في بيان أمام جمهرة الناس أنهما "انتحلا صفة جنود داعش وقاما بسرقة وابتزاز الناس". لكن ساري حميد (60 عاما)، لم ترعبه أفعال "داعش"، وحمل مسؤولية ما يجري في المدينة للتنظيم بسبب الحصار الذي يفرضه عليها. وفي حديث لوكالة الأناضول، قال "حميد": "لست مدافعا عن الشخصين اللذين أعدمها التنظيم بسبب السرقة، لكن ما فعلاه (هو) تداعيات احتلال داعش لمدينة الموصل، التي مات سكانها جوعا بسبب الحصار المفروض عليها، ما دفعهم إلى السرقة والسلب والنهب لكن داعش أعدمهما علنًا لترهيب الناس بعد أن طفح كيلهم". وخلال الفترة الأخيرة، ارتفعت معدلات الجريمة في الموصل التي عزلت عن باقي المحافظاتالعراقية، منذ سيطرة "داعش" عليها في 10 يونيو/ حزيران العام الماضي. ولجأ التنظيم إلى أسلوب تنفيذ الإعدامات العلنية في الفترة الأخيرة، بعد أن كان ينفذ أغلبها داخل محكمته الشرعية، بإطلاق الرصاص على الرأس أو الصدر، ويكتفي بتسليم جثث من أعدمهم إلى الطب العدلي. ولم تشهد الموصل قبل هذه الفترة سوى حالتي إعدام علنيتين قبل 3 أشهر، إحداهما كانت للعقيد عيسى الجبوري آمر (قائد) الفوج الخامس بشرطة نينوى، والأخرى لشخص أعدم بقطع الرأس أمام مبنى المحافظة بتهمة السحر والشعوذة. "بين الحين والآخر كانت تصلنا جثث قتلى أعدمهم التنظيم بإطلاق الرصاص على الرأس بينهم نساء".. هكذا استهل حديثه لوكالة الأناضول موظف في دائرة الطب العدلي بالموصل، أطلق على نفسه "أبو علي"، خشية بطش التنظيم. "أبو علي" الذي ما زال متواجدا في الموصل، أضاف: "البعض منهم في الجيش والشرطة أو مرشحين للانتخابات أو مسؤولين محليين في الموصل، كنا نستفسر من عناصر داعش بعد أن أصبحت تربطنا بهم علاقة بحكم عملنا، ويبلغونا بأنهم أعدموا من قبل المحكمة الشرعية." متحدثا بحذر تابع "أبو علي": "أكثر من 200 شخص تقريبا أعدمهم داعش، منذ سيطرته على المدينة لكن في الفترة الأخيرة أصبحت إعداماته علنية لكننا نجهل الأسباب". ولم يقدم التنظيم على إعدام امرأة من الموصل علنا، لكن صورا فوتوغرافية، نشرت على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا، أظهرت سيدة ترتدي نقابا، يقف بالقرب منها عناصر التنظيم، ويحملون علم الدولة الإسلامية. ثم قام عناصر التنظيم برجمها "بتهمة الزنا"، حسبما ذكروا، دون أن يفصحوا عن موقع الرجم، لكن الصور أوضحت أنها في منطقة "الغابات السياحية" شمالي الموصل حيث يعرفها سكان المدينة من أشجارها الكثيفة. والأسبوع الماضي، أعدم التنظيم أيضا 3 أشخاص شنقا في ناحية القيارة 60 كلم جنوبي الموصل، كانوا أفرادا بالجيش والشرطة بحسب شهادات أقرباء لهم، قالوا إن عناصر التنظيم تعمدوا تعليقهم من أرجلهم لأيام أمام المارة على جسر القيارة وهم يرتدون زيا موحدا باللون البرتقالي، ولم يتسن معرفة أسباب الإعدام. ويحاول التنظيم أن يطرح نفسه كدولة، ويبادر في أغلب الأحيان إلى تقديم أسراه، أو من ينفذ بحقهم الإعدام، ويظهرهم على وسائل الإعلام وهم يرتدون زيًا موحدًا، كاللون البرتقالي الذي يميز السجناء في بعض الدول المتقدمة. ويفسر الخبير في شؤون الجماعات "الإرهابية" هشام الهاشمي، أسباب الإعدامات العلنية بأن التنظيم يخاطب المتعاطفين معه، وليس خلاف ذلك. وأوضح الهاشمي، أن "المقصود من هذه الصور والأفعال هو للمتعاطفين معه، وليس للذين لا يتعاطفون مع تنظيم الدولة الإسلامية، لأن معظم سكان الموصل يرفض وجودهم وعرضه لهذه الصور يخاطب من خلالها الأفكار الجهادية وأفكار المؤيدين لخلافته ولحكم الدولة الإسلامية". وأضاف الهاشمي أن تنظيم داعش "يحاول أن يظهر نفسه المدافع عن الإسلام والمسلمين، ويكون منافسا لخصميه تنظيم القاعدة والجهاد". ولفت إلى أن داعش "سيظهر الكثير من هذه الصور، الخاصة بما يعرفه بإقامة الحدود الشرعية وما يعرف بحكم الله من الأحكام المتطرفة التي يؤمن بها هذا التنظيم". وتخوض قوات من الجيش والشرطة العراقية وميليشيات مسلحة موالية لها وقوات البيشمركة (جيش إقليم شمال العراق) الكردية معارك ضارية ضد تنظيم "داعش" في أغلب مناطق محافظات شمال وشرق وغرب البلاد التي وقعت تحت سيطرة "داعش" بعد سقوط الموصل 10 يونيو/ حزيران الماضي، بغية استعادة السيطرة عليها. ويشن تحالف غربي – عربي، بقيادة الولاياتالمتحدة، غارات جوية على مواقع ل "داعش"، الذي يسيطر على مساحات واسعة في الجارتين العراق وسوريا، وأعلن في يونيو/ حزيران الماضي قيام ما أسماها "دولة الخلافة"، ويُنسب إليه قطع رؤوس رهائن وارتكاب انتهاكات دموية بحق أقليات