الثورة كلمة عربية قديمة, من ثار يثور ثورة, ويقال فلان ثائر أى متمرد على شئ ما, وغير راض عنه, فيحاول تغييره بعدم السكوت عليه, ومحاولة تغيير هذا الشئ بالفعل لا بالقول, وقد يكون هذا الثائر على حق فى ثورته, كما فى ثوار مصر الأبطال, الذين قاموا بتحطيم كل القيود والأغلال, التى كانت تكبل الشعب منذ عقود, وغيروا النظام بهدير ثورتهم, وقلبوا كل الأمور الراسخة فى الأذهان رأساً على عقب, ونجحوا فى تحقيق ما أرادوا, بفضل الله أولاً, وبفضل ايمانهم بمبادئ ثورتهم, واتحادهم على قلب رجلٍ واحد ثانيا, وبنبذ الخلافات السياسية والدينية والطئفية ثالثاً. وقد يكون الثائر على غير حق, مثل المجموعات المُضِلة والمُضَللة, التى قامت بتأييد النظام البائد, على طول الخط, ومهاجمة الثوار الأشراف فى ميدان التحرير, صاحب الشرارة الأولى لانتفاضة الشعب المصرى, أو بالتظاهر يوم محاكمة الفرعون, وتأييده هو ومن معه من قتلة الثوار, ومن سفك دم الشعب, واستحل دمائه وثرواته. هؤلاء الثوار أصحاب الثورة الكاذبة, من قيادات وأنصار الحزب الوطنى, فى محاولة منهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه, تجمعوا وقاموا بحشد عدة مئات من أنصار الحزب, منددين بمن يحاول أن يمس النظام, أو يحاكمه على ماجنته يداه من ظلم وقهر وفساد, متهمين الشعب بالجهل وعدم فهم السياسة الحكيمة, التى كان ينتهجها الرئيس المخلوع وحكوماته المتعاقبة, وأنه شعب ناكر للجميل, لم يحفظ لرئيسهم المخلوع كرامته وهيبته, وأن مصر بكل شموخها وتاريخها, غير قادرة على انجاب شخص يمكنه أن يحل محل رئيسهم المبجل. لقد قام رموز النظام الفاسد, ووأتباعه من كدابين الزفة, بالتظاهر يوم محاكمة رموز الفساد, وعلى رئسهم زعيمهم المخلوع, والاحتكاك بأسر الشهداء الذى وصل للسباب والتراشق بالطوب, ليس حباً فى النظام وقياداته, ولا إيماناً بمبادئ الحزب الحاكم -التى سمعنا عنها و لم نعرف عنها شئ فى الواقع- ولا تفضيلاً لمبارك وأركان نظامه على أنفسهم, بل قاموا بجعجعتهم وهرتلتهم, حزناً على مصالحهم واعمالهم وامتيازاتهم وصلاحياتهم, التى كانوا يحصلون عليها من النظام, تلك المميزات التى لن يجدوها مع أى نظام اخر مهما بلغ فساده وطغيانه. انظر لثوار مصر وثورا النظام, ثوار مصر, كان هدفهم التغيير ومصلحة الوطن, لم يكن لهم طلب شخصى أو غرض خاص, كانت مطالبهم عامة لمصر, كلهم تخلصوا من الأنا التى كانت تلازمنا قبل الثورة, نبذوا الأحقاد والخلافات جانبا, وتوحدوا تحت علم مصر لم يكن لهم قائد, ولا محرض لم يتجمعوا إلا لهدف واحد هو مصر. ثم انظر لمؤيدى النظام ما هى أهدافهم, هل كان الصالح العام هو محرضهم على التحرك؟ كلا كانت لهم أغراضهم وأطماعهم الشخصية, لم يفكروا إلا فى أنفسهم ومناصبهم ومصالحهم فقط, وكان المال والعطايا التى أغدقها أصحاب المصالح والأهواء عليهم, هى المحرك والدافع لخروجهم, منددين بالثوار ومؤيدين للنظام السابق. لم يعلموا أو يتعلموا – جهلاً أو تجاهلاً - أن التاريخ لا يعرف التزييف أوالتزوير, الذى تعودوا عليه طيلة وجودهم فى الحياة السياسية, ولكن مهما فعلوا سوف يقول التاريخ كلمته فى النهاية, ويضعهم فى حجمهم الحقيقى دون تفخيم أو تملق, لو أنهم تعلموا من تجارب الطغاة الذين سبقوهم, ولو تعلم مبارك وفهم دروس كثيرة لحكام كانوا أعتى منه قوة وبطشاً, وأقوى منه جمعاً وأكثر منه مالاً, لم ينفعهم شئ عندما ثارت عليهم شعوبهم, ضد طغيانهم وظلمهم. لو فهم مبارك الدرس من نهاية أمثاله السلبقيين, واخذ العظة والعبرة منهم لم تكن هذه نهايته, هذه النهاية التى أذلته وأجبرته على التنحى , والظهور بهذا المظهر المشين, خلف القضبان, ليكتب نهايته المهينة بيده, وبيد أعوانه والجوقة المحيطة به. لو تعلم مبارك وأعوانه وفهموا الدرس, لتنازل عن السلطة طواعيةً, منذ أول أيام الثورة حفظاً لدماء وأرواح الاف المصريين وحقناً لدمائهم الطاهرة, لكنه أصر على عناده وجهله, لم يدرك أركان النظام السابق أن النهاية صارت على الأبواب وأن الزحف قادم مهما حدث. لو تنازل مبارك طواعيةً وبادر إلى ترك الحكم, لتغير الموقف تماماً, ولحفظ له الشعب هذه المبادرة, ولظل سليماً فى سمعته, وكرامته التى أهدرها بمساعدة من يبكون على أيامه الخوالى, ممن تجمعوا أمام أكاديمية الشرطة لتأييده, وربما ظل محفوظاً عن الملاحقة القضائية, ولما وقف هذا الموقف, داخل قفص الاتهام مثل اللصوص والسفاحين من مصاصى الدماء. لقد اعتمد مبارك على زكريا, سرور, وصفوت, وحبيبه العادلى, وابنيه جمال وعلاء, فأوردوه موارد الهلاك, وحجبوا عنه كل الحقائق, وعزلوه طواعيةً, عن الشعب الذى رفعه ووضعه على رأس السلطة, فجمعهم الله جميعاً, خلف القضبان, وكان مشهدهم داخل قفص الاتهام, أكبر دليل على ماوصلوا إليه من ذل وهوان, وأصبحوا مثل فئران التجارب, الكل ينظر إليهم غير مصدق مايحدث. لقد عزل مبارك نفسه عن الشعب وظل بعيداً عن الناس لم يحس بهم ولا بمشاكلهم, لم يتابع الحكومة وادارتها الفاشلة للبلاد, لم يشعر المصريون بأن مبارك ينصت إليهم, ولا يعنيه متابعة ما هم فيه من فقر ومرض وضياع للحقوق, كان قاسياً فى غربته فى وطنه وغربته عن الشعب الذى نصبه حاكما, لذا كان الشعب قاسياً معه, ولم ترق قلوب الناس له بل طالبوا بمحاكمته ومحاسبته على كل ذنوبه وذنوب من كان حوله من أفراد أسرته وحاشيته, جزاءٍ لما اقترفته يداه. بقلم عبدالباقى الدوِّى كاتب مصرى