إسمه خالد بن زيد بن كليب, من بني النجار (أصحاب طلع البدر علينا) وكنيته هي أبو أيوب ونسبته إلى الأنصار. أي فرح لبشر يمكن أن يعدل فرح أبي أيوب الأنصاري بعد أن رفع الله في الخافقين ذكر وأعلى في الأنام قدره حين إختار بيته من دون بيوت المسلمين جميعاً ليُنزل فيه أكرم خلقه لمّا حل في المدينة مهاجراً وحسبه بهذا فخراً. لنزول الرسول صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيوب قصة يحلو تردادها ويلذ تكرارها. حين بلغ النبي عليه الصلاة والسلام المدينة تلقته أفئدة أهلها الكرام بأكرم ما يُتلقى به وافد ... وتطلعت إليه عيونهم تبثه شوق الحبيب لحبيبه وفتحوا له قلوبهم ليحل منها في السويداء وأشرعوا له أبواب بيوتهم لينزل فيها في أعز منزل. قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قباء أربعة أيام بنى خلالها مسجد قباء هذا الذي هو أول مسجد أسس على التقوى. خرج الرسول الكريم من قباء راكباً ناقته فوقف سادات يثرب في طريقها كل يريد أن يظفر بشرف نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وكانوا يعترضون الناقة سيداً إثر سيد ويقولون: أقِم عندنا يا رسول الله في العدد والعدة والمنعة فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوها فإنها مأمورة - "متحدثاً عن ناقته القصواء") وتظل الناقة تمضي إلى غايتها تتبعها العيون وتحف بها القلوب إن جازت منزلاً حزن أهله وأصابهم اليأس بينما يشرق الأمل في نفوس من يليهم. لبثت الناقة على حالها هذه والناس يمضون في أثرها حتى بلغت ساحةً خلاءً أمام بيت أبي أيوب الأنصاري فبركت فيه مدة دون أن ينزل عنها رسول الله ثم قامت ودارت دورة وبركت أمام بيت أبي أيوب الأنصاري فغمرت الفرحة فؤاده وبادر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل متاعه بين يديه وكأنما يحمل كنوز الدنيا كلها ومضى به إلى بيته. ***** كان منزل أبي أيوب الأنصاري يتألف من طابقين (طبقة فوقها عُلَّيَّة) فأخلى العُلَية من متاعه ومتاع أهله لتكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكن النبي عليه الصلاة والسلام أثر عليها الطبقة السفلى فإمتثل أبو أيوب وأنزله حيث أحب. جن الليل وأوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فراشه وصعد أبو أيوب إلى العلية مع زوجته حتى إلتفت إلى زوجته وقال لها: ويحك ماذا صنعنا؟ فقالت له: ماذا صنعنا!؟ فقال لها أيكون رسول الله عليه بأسفل ونحن أعلى منه؟ أنصير بين الوحي والنبي؟ إنا إذاً لهالكون. فلما أصبح أبو أيوب قال للنبي عليه الصلاة والسلام: والله ما غمض لنا جفن في هذه الليلة يا رسول الله, لا أنا ولا أم أيوب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (ومم ذاك يا أبا أيوب؟) فقال أبو أيوب: ذكرت أني على ظهر بيت أنت تحته وإذا تحركت تناثر عليك الغبار فأذاك. فقال عليه الصلاة والسلام: (هون عليك يا أبا أيوب, إنه أرفق بنا أن نكون بأسفل لكثرة من يغشانا من الناس.) يقول أبو أيوب: فإمتثلت لأمره حتى كانت ليلة إنكسرت لنا جرة ماء فبتنا نجففها بلحاف ليس لنا غيره ولما كان الصباح أخبرته صلى الله عليه وسلم بالخبر وما زلت به حتى إنتقل إلى العلية وإنتقلت وأم أيوب إلى الأسفل. أقام عليه الصلاة والسلام في بيت أبي أيوب نحواً من سبعة أشهر حتى تم بناء مسجده في الأرض الخلاء التي كانت أمام بيت أبي أيوب (وكانت ليتمين من بني النجار وإشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال أبي بكر) ثم إنتقل إلى الحجرات التي أقيمت حول المسجد له ولأزواجه فغدا جاراً لأبي أيوب, أكرم بهما من متجاورين. أحب أبو أيوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً أزال الكلفة فيما بينه وبينه وجعل ينظر إلى بيت أبي أيوب كأنه بيته. حدث ابن عباس قال: خرج أبو بكر رضي الله عنه بالهاجرة (الظهيرة - كناية عن شدة الحر - وكان يربط حجراً على بطنه) فرآه عمر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر ما أخرجك في هذه الساعة!؟ فقال أبو بكر: ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع. فقال عمر: والله ما أخرجني إلا هذا! فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (والذي نفسه بيده ما أخرجني إلا ما أخرجكما (وكان يربط على بطنه حجرين)) فإنطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وكان أبو أيوب يدخر كل يوم طعاماً لرسول الله وأهله فإذا أبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع به إلى أهله. فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب وقالت: مرحباً بنبي الله وبمن معه فقال لها عليه الصلاة والسلام: (أين أبو أيوب؟) فسمع أبو أيوب صوت النبي وكان يعمل في نخل قريب فأقبل يسرع وهو يقول: مرحباً بنبي الله وبمن معه ثم قال: يا رسول الله ليس هذا بالوقت الذي كنت تجيء فيه, فقال عليه الصلاة والسلام (صدقت) ثم إنطلق أبو أيوب إلى نخيله فقطع منه عذقاً فيه تمرٌ ورطبٌ وبُسْرٌ (البسر هو التمر غير الناضج) فقال عليه الصلاة والسلام (ما أردت أن تقطع لنا هذا, ألا جنيت لنا من تمره؟) فقال أبو أيوب: يا رسول الله إنما أردت أن تأكل من تمره ورطبه وبُسْره ولأذبحن لك أيضاً. أخذ أبو أيوب جدياً له فذبحه ثم قال لإمرأته إعجني وإخبزي لنا وأنت أعلم بالخبز, ثم أخذ نصف الجدي فطبخه وعمد إلى نصفه الثاني فشواه ثم وضع الطعام أما رسول الله عليه الصلاة والسلام فبادر رسول الله إلى قطعة من الجدي ووضعها في رغيف ثم قال له: (يا أبا أيوب - إذهب بها إلى فاطمة فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام) فلما أكلوا وشبعوا قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (خبزٌ ولحمٌ تمرٌ ورطبٌ وبُسْرٌ) ودمعت عيناه ثم قال (والذي نفسي بيده إن هذا لهو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة - فإذا أصبتم مثل هذا وضربتم بأيديكم فيه فقولوا: بسم الله فإذا شبعتم قولوا: الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا من فضله.) ثم نهض رسول الله وقال لأبي أيوب: (إئتنا غداً) وكان عليه الصلاة والسلام لا يصنع له أحدٌ معروفاً إلا أحب أن يجازيه عنه - غير أن أبي أيوب لم يسمع ذلك فقال له عمر رضي الله عنه: إن رسول الله يأمرك أن تأتيه غداً فقال أبو أيوب: سمعاً وطاعة لرسول الله. لما كان الغد ذهب أبو أيوب إلى رسول الله فأعطاه جارية صغيرة كانت تخدمه صلى الله عليه وسلم وقال له (إستوص بها خيراً - يا أبا أيوب - فإنا لم نر منها إلا خيراً ما دامت عندنا) فلما عاد أبو أيوب إلى زوجته ناقش زوجته وقال لها: أمرنا رسول الله أن نستوصي بها خيراً. فقالت: وكيف ذلك؟ قال: ما أرى إلا نعتقها. فقالت: هديت إلى الصواب, فأنت موفق .... ثم أعتقها. ***** هذه بعض صور حياة أبي أيوب الأنصاري في سِلمه فلو أتيح لك أن تراه وتقف على بعض صور حياته في حربه لرأيت عجباً ... عاش أبو أيوب رضي الله عنه طول حياته غازياً حتى قيل: إن أبا أيوب لم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد معاوية رضي الله عنه إلا لأنه كان مشغولاً عنها بأخرى. كانت أخر غزواته حين جهز معاوية رضي الله عنه جيشاً بقيادة إبنه يزيد لفتح "القسطنطينية" وكان أبو أيوب انذاك شيخاً طاعناً في السن يحبو نحو الثمانين من عمره فلم يمنعه ذلك من أن ينضوي تحت لواء يزيد وأن يمخر عباب البحر غازياً في سبيل الله. لكنه لم يمض وقت غير قليل على منازلة العدو حتى مرض أبو أيوب مرضاً أقعده عن مواصلة القتال, فجاء يزيد ليعوده وسأله: ألك من حاجة يا أبا أيوب؟ فقال أبو أيوب: أقرأ عني السلام على جنود الله وقل لهم: "يوصيكم أبو أيوب أو توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية, وأن تحملوه معكم وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية* - ثم لفظ أنفاسه الطاهرة. إستجاب المسلمون لرغبة أبي أيوب - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكروا على جند العدو الكرة بعد الكرة حتى بلغوا أسوار القسطنطينية وهم يحملون أبا أيوب معهم وهناك حفروا له قبراً وواروه فيه. رحم الله أبا أيوب الأنصاري فقد أبى ألا يموت إلا على ظهر الجياد الصافنات غازياً في سبيل الله وسنه تقارب الثمانين. --------------------------------------- *) هل كانت نبوءة منه رضي الله عنه أنهم لن يفتحوها في هذا العصر!؟ فتحت القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح (وهو يقارب العشرين من عمره) بخطة عسكرية بارعة المصادر: - صور من حياة الصحابة: عبد الرحمن باشا - الإصابة - أسد الغابة مصادر أخرى Masry in USA [email protected]