سيطرت حالة من الصدمة على تعليقات الصحف الفرنسية, فيما يتعلق بالهجوم الدامي على صحيفة "شارلي إيبدو" الأسبوعية الساخرة, الذي أوقع 12 قتيلا, بينهم كبار رساميها ورئيس تحريرها. وتحت عنوان "الهجوم على تشارلي إيبدو.. ذهول ودعوة إلى التضامن"، نشرت صحيفة "لوموند" على موقعها الإلكتروني بعد الهجوم مباشرة, رسوم كاريكاتير تدعو إلى التضامن مع "شارلي إيبدو", تحت عنوان "أنا شارلي"، كما أبرزت المسيرات, التي خرجت على الفور تنديدا بالحادث, بالإضافة إلى نشر مقالات سابقة للرسامين القتلى. وبدورها, نقلت صحيفة "ليبيراسيون" عن ريشارد ملك, وهو محامي "شارلي إيبدو", قوله :"إنه لم يتصور أنه يمكن الموت هكذا في فرنسا،" كما نشرت الصحيفة صورا لمحتجين على عملية القتل في شوارع باريس, وأبرزت أيضا شعار "أنا شارلي", الذي ظهر في المسيرات ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي السياق ذاته, نقلت صحيفة "لونوفال أوبزرفاتور" عن الخبير الفرنسي في شئون الإرهاب جون شارل بيزار قوله إن الهجوم على الصحيفة من النوع, الذي كانت السلطات تخشى حدوثه. وأضاف بيزار أن الاستخبارات الفرنسية كانت تنتظر هجوما من هذا النوع، خاصة مع التهديد, الذي يمثله الشباب "المتطرفون" الذين سافروا إلى الخارج للقتال مع "داعش" ، لكن السؤال الذي بقي معلقا, هو أين ومتى سيحصل ذلك؟. وفيما يتعلق بتعليقات القراء على الهجوم, الذي تعرضت له الصحيفة الساخرة، ذكرت صحيفة "لوموند" أن معظم هذه التعليقات جاءت تحت مسمى "الإرهاب الإسلامي", وأبرزت تعليقا لقارئة, تدعى ميري كلير, قالت فيه :"إذا تأكد أن هذا العمل هو فعلا من تنفيذ إسلاميين صاحوا الله أكبر، فأنتظر أن ينزل كلّ الذين يؤمنون بنداء الله أكبر إلى الشوارع, للتنديد بما حدث". وقال قارئ آخر "مات كابو (أحد رسامين الكاريكاتير المشهورين في فرنسا وقد قتل في الهجوم)، إنني أشعر بالحزن", فيما دعا قارئ ثالث إلى تجنّب إلقاء الاتهامات، قائلا :"إن التحقيق سيحدد أيضا مسئولية بعض المثقفين والسياسيين, الذين اُشتهروا مؤخرا بخطابهم المعادي للمسلمين، ومنهم إيريك زمور, الذي أوقفت محطة "إي.تيليه" التليفزيونية تعاملها معه قبل أيام من وقوع الهجوم, بعد مطالبته بترحيل المسلمين من فرنسا. وكانت فرنسا فوجئت في 7 يناير بهجوم دموي على مقر صحيفة "شارلي إيبدو" بشرق العاصمة باريس, ما أودى بحياة 12 شخصا, بينهم ثمانية صحفيين, بالإضافة إلى إصابة 11 آخرين بجروح. وقد وصف بأنه الحادث الأكثر دموية في فرنسا منذ أربعة عقود على الأقل. وكان المهاجمون فاجأوا أسرة تحرير "شارلي إيبدو" أثناء اجتماعها, وتمكنوا من القضاء على معظم أعضائها، وبينهم خمسة من كبار رسامي الكاريكاتير, ونقلت الشرطة الفرنسية عن أحد الناجين من الهجوم قوله :"إن المهاجمين ظهروا في قاعة اجتماع أسرة تحرير الصحيفة, وهم يهتفون: انتقمنا للنبي محمد, الله أكبر". يشار إلى أن "شارلي إيبدو" أسبوعية فرنسية ساخرة ذات اتجاه يساري، تركز بشكل أساسي على رسوم الكاريكاتير, وتنشر أحيانا تحقيقات عن المجموعات الدينية واليمين المتطرف. وسبق أن نشرت الصحيفة في أكثر من مرة "رسوما مسيئة للإسلام وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم", أثارت ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي. وأعلن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازانوف أن ثلاثة مسلحين نفذوا الهجوم، وأن المسلحين كانوا مزودين برشاشات كلاشنكوف وقاذفة آر بي جي, وأن تبادلاً لإطلاق النار وقع مع قوات الأمن, فيما قال أحد الناجين لوكالة الصحافة الفرنسية :"إن أربعة من أشهر مصوري الكاريكاتير بالصحيفة لقوا حتفهم بالهجوم، وهم بوولنسكي وشارب وكابو وتيغنوس". ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن كازانوف قوله إنه تم اعتقال سبعة أشخاص, على خلفية الهجوم الدموي, على "شارلي إيبدو"، بينما تواصل السلطات بحثها عن شقيقين مشتبه بتنفيذهما الهجوم, هذا فيما أفاد مصدر قضائي فرنسي بأن المعتقلين, وبينهم رجال ونساء, من أوساط الشقيقين , اللذين يشتبه بأنهما منفذا الهجوم. والشقيقان المشتبه بهما, سعيد كواشي (34 عاما), وشريف كواشي (32 عاما), وهما من أصول مغاربية, ويحملان الجنسية الفرنسية, ويسكنان بمنطقة باريس. وذكرت قناة "الجزيرة" أن الشرطة الفرنسية نشرت صورة للشقيقين المطلوبين في الهجوم, ونبذة عن حياتيهما، وطلبت تزويدها بأي معلومات عنهما عبر خط هاتفي مجاني. وسبق أن أدين شريف في عام 2008 بسبب مشاركته في شبكة لإرسال مقاتلين إلى تنظيم القاعدة في العراق، وهو معروف لدى أجهزة مكافحة الإرهاب بفرنسا. ومن جهتها، أوضحت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أن المحققين عثروا على بطاقة هوية سعيد في السيارة, التي تخلى عنها المتهمون الهاربون بشمال شرق باريس. ولفتت الصحيفة إلى أن المتهمين تركوا خلفهم عددا من الأغراض في السيارة, التي تخلوا عنها، من ذلك, شاحن لسلاح كلاشينكوف وكيسان لملابس رياضية. وأشارت إلى أن الأصغر سنا بين المشتبه بهم الثلاثة, الذين تلاحقهم أجهزة الأمن الفرنسية, واسمه حميد مراد (18 عاما), سلم نفسه إلى مركز للشرطة في مدينة شارلفيل ميزيير في شمال شرق فرنسا, وتابعت أن حميد سلم نفسه, بعدما تبين له أن اسمه يتداول في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتهم حميد بمساعدة الشقيقين. وكان ناشطون قالوا إنهم رفاق لمراد ذكروا عبر موقع "تويتر" أن الأخير كان يحضر دروسا معهم في المدرسة لحظة وقوع الهجوم، مؤكدين براءته, حسب وكالة الصحافة الفرنسية. ويرى مراقبون أن هذا الهجوم الدموي سيضاعف من ظاهرة الخوف من الإسلام في الغرب "الإسلامو فوبيا", بل ويدعم بقوة دعوات اليمين المتطرف في فرنسا وفي أوروبا, لطرد المسلمين.