استخدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أحد أقوى الأسلحة الدبلوماسية بترسانته المحدودة، وذلك بعد توقيعه على مذكرة الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وتلك الخطوة تنم عن يأس من جانب قائد ليس لديه الكثير ليخسره .. بتلك الكلمات استهلت صحيفة الجارديان مقالها التحليلي تحت عنوان "عضوية الجنائية الدولية قد تكون سلاحا ذو حدين لفلسطين". إن التوقيع على معاهدة الانضمام للجنائية الدولية يفتح الباب أمام السلطة الفلسطينية لإجراء تحقيقات مستقبلية، وهو الموقف الذي خاضت إسرائيل من أجله حربا طويلة وشرسة خلف الكواليس لتجنبه، وقد يؤول ذلك بالجنود والمسئولين الإسرائيليين خلف قفص الاتهام على خلفية العمليات العسكرية وسياسة بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عضوية المحكمة الجنائية الدولية سلاح قوي لكنه ذو حدين، فهو يحدد معالم المنطقة الجغرافية التي يمكن التحقيق في الجرائم المرتكبة داخلها، وتستطيع القيادة الفلسطينية تحديد فترة زمنية لممثلي الإدعاء العام لفحص تلك المنطقة، غير أنها لا تستطيع في الوقت نفسه أن تفرض هدفا بعينه على تلك التحقيقات، فعلى سبيل المثال، إذا أراد عباس تحقيقا في أحداث غزة الدموية التي وقعت الصيف الماضي، وله الحق في ذلك، فسيتم إجراء تحقيقات مع قوات الاحتلال الإسرائيلية وحركة المقاومة الإسلامية حماس. وقد يكون سبب تأخير توقيع عباس على المذكرة هو حركة حماس، الذي كان يرغب في الحصول على موافقتها قبل أن يتخذ قراره الأخير حيال تلك القضية، وقد تكون هناك أسباب أخرى، فتلويح عباس بالانضمام للجنائية الدولية كان أحد ضمن أوراق المساومة على طاولة التفاوض مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن مثل تلك الأوراق تستخدم فقط في حال كان هناك حوار وعملية دبلوماسية، لكن الآن لا يوجد أي من الخيارين. وليست تلك المرة الأولى التي يلجأ فيها الفلسطينيون للمحكمة الجنائية الدولية، التي لطالما ترددت في الانخراط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ففي عام 2009، ذهب الفلسطينيون للجنائية الدولية بطلب لإجراء تحقيق حول جرائم حرب في أعقاب الهجوم الإسرائيلي في عام 2008 على قطاع غزة وهي العملية العسكرية المسماة ب "الرصاص المصبوب"، وقضى كبير ممثلي الإدعاء آنذاك لويس مورينو أوكامبو 3 أعوام للنظر في الطلب قبل أن يعلن في 2012 أن أي قرار يمكن اتخاذه فقط من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي نوفمبر عام 2012، صوتت الأممالمتحدة لصالح الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو بصفة مراقب، ما أعطاها الحق في الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية وإصدار طلبات بإجراء تحقيقات، وجاءت فاتو بنسودا خليفة أوكامبو لتقرر أن الوضع الحالي لفلسطين لا يمكن تطبيقه على الطلب المقدم في عام 2009 بإجراء تحقيق، وإذا أرادت القيادة الفلسطينية إجراء تحقيق، والكلام على لسان بنسودا، فعليها تقديم الطلب مرة أخرى، غير أن عباس لاحقا تعرض لضغوط شديدة من قبل إسرائيل وأمريكا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى بألا يقدِم على ذلك، خشية التعرض لتهديدات بفرض عقوبات اقتصادية ومالية على بلاده. إن قرار عباس ستتضح تداعياته جليا في إجراءات عقابية قد تعرقل السلطة الفلسطينية، وبعد رفض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أول أمس الثلاثاء لمشروع قرار يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بحلول عام 2017، سعى عباس قدر المستطاع لإرساء السيادة الفلسطينية التي تعد إرثا سياسيا. ووفقا لقوانين المحكمة الجنائية الدولية، سيكون على الفلسطينيين الانتظار 60 يوما من تاريخ توقيع مذكرة الانضمام قبل أن تقدِمرفع الدعاوى في المحكمة، وهي الفترة التي تتزامن مع خوض نتنياهو للانتخابات، حيث سيسعى للرد بعنف على التحدي الفلسطيني الأخير. وبعد انتهاء فترة ال 60 يوما، يكون لدى مجلس الأمن الدولي السلطة في وقف إجراء تحقيقات المحكمة الدولية ويمكن لمكتب المدعي العام اتخاذ قرار حول ما إذا كانت التحقيقات ستؤول إلى تقديم لوائح اتهامات ضد إسرائيل، ومن المتوقع أن تستخدم أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما قدراتهم على الضغط لمنع إدانة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.