يستغرب المرء التخبط والالتباس الذي تسير به السياسة التركية، وحجم الإشادة بها من أنها سياسة ناجحة في المنطقة العربية، بينما المتفحص لها في الفضاءات العراقية والليبية والآن السورية وحتى الفلسطينية يلمس أن عنوانها العريض هو صفر مشاكل مع الأنظمة فقط وليس كما أعلن صناع الساسة الأتراك بأنهم يسعون إلى صفر مشاكل مع الدول العربية وغير العربية، فكلنا رأى كيف أن الساسة الأتراك دعموا القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي، والتي كان لها الأغلبية في البرلمان العراقي، ثم أغضبوا أغلبية الشعب العراقي من خلال مسايرة الإيرانيين والسوريين ومن خلفهم الأميركيين في الانقلاب مائة وثمانين درجة بدعمهم المالكي رجل إيران في المنطقة، على حساب الأغلبية العراقية وعلى حساب العمق التركي في العراق، فاسحين المجال للعمق الإيراني في العراق على حساب الأتراك وحساب هوية المنطقة بشكل عام.. تكرر الأمر في الحدث الليبي حين اصطف أردوغان مع النظام الليبي المجرم وبعد مظاهرات عتابية ليبية للأتراك، ثم بيان لاتحاد علماء المسلمين يدين موقف أردوغان تراجع الأخير ووقف إلى جانب الشعب الليبي بعد أن فتك العقيد القذافي بشعبه، نفس الأمر يتكرر في سورية اليوم، فالأتراك رغم كل الصلف والعنجهية والغرور للنظام السوري تجاههم إلا أنهم يواصلون التزلف له على حساب دماء الشعب السوري،وهم يعرفون أكثر من أي جهة أخرى أن هذا النظام لا يجدي معه إلا القوة وقد جربوها يوم تسليم أوجلان ونجحوا، ونجحت في طرده من لبنان بفضل الضغوط الدولية .. لا نريد أن نتحدث عن الموقف التركي إزاء الكيان الصهيوني وسعيه إلى الحصول على اعتذار وربط أردوغان الاعتذار بالتوقف عن زيارة غزة، ولكن كل ما نريد قوله أن السياسة التركية محصلتها في هذه الأيام هي صفر علاقات مع الشعوب على حساب صفر مشاكل مع الأنظمة، والدائم الوحيد في المنطقة هي الشعوب، فمتى تنحاز تركيا إلى الشعوب العربية وإلى منهجها الديمقراطي والمؤسساتي الحاكم فيها وليس إلى أنظمة الاستبداد والشمولية والديكتاتورية .