في حياة الغابة وعالم الحيوان يكون البقاء للأقوى لكل نوع من أنواع الكائنات الحية، وغالبًا ما تعيش كل مجموعة من كائن معين في مجموعات كبيرة لتحمي نفسها من الحيوانات أو الكائنات الأخرى، ولتسهيل عملية البحث عن الطعام، وحماية الصغار من الأخطار التي تحدق بها للحفاظ على النوع، وحتى الحيوانات المفترسة تعيش في جماعات حتى لا تكون فريسة لغيرها من الحيوانات المفترسة، وتستطيع أن تقوم باصطياد فرائسها وهي في مجموعات تسّهل من مهمتها. لقد خلق الله كل هذه الكائنات على الأرض من دواب وغيرها لتكون في خدمة الإنسان ومن أجل الإنسان، ثم أن هذه الكائنات شأنها شأن الإنسان لها عمر محدد - وستموت بعدها ولن تعيش للأبد - وخلقت لفائدة الإنسان، أو الحيوانات الأخرى وأعطاها الله (غريزتها) - ولا أقول عقلها لأنها لا تفكر إلا في حدود ما يحفظ حياتها لتؤدي دورها المكتوب لها في هذه الدنيا - وإنها تتصرف بالغريزة التي منحها الله لها لتأكل عندما تجوع - وتبتعد عن الخطر عندما تشعر بذلك. كما أن الحيوانات من (آكلات العشب) التي تعيش في الغابة، منحها الله أيضًا للحيوانات الأخرى المفترسة التي لولا وجودها لماتت هي أيضًا - ثم أن الإنسان نفسه يموت ويصبح ترابا تنمو عليه النباتات الذي تعيش عليه كل الكائنات الحية بعد ذلك. وهكذا تبقى أقوى الكائنات من كل نوع، ويندثر الضعيف أو المريض منها ويصبح طعامًا للكائنات الأخرى من الحيوانات المفترسة أو الطيور الجارحة وديدان الأرض التي تتكفل بتنظيف الكرة الأرضية التي نعيش عليها وتطهيرها من العفن والفساد أولا بأول. ما أريد التركيز عليه هو حدوث نوع من الانتخاب الطبيعي في عالم الحيوان طبقًا للنظرية الشهيرة في علم الأحياء، وبحيث يبقى الأقوى والأكثر ذكاءً أو حرصًا، ويفنى الضعيف أو المريض بما يضمن أن تكون السلالات التي تليها أكثر قوة وقدرة على البقاء. وقد تذكرت كل هذا عندما خطر بذهني ما يحدث في مصر من توريث الأبناء في كافة الوظائف والمهن لتبقى بعض المهن مقصورة على فئة معينة، ومغلقة على غيرهم مما يمنع التطور في هذه المجالات لأنها أصبحت حِكّرًا على أنصاف العقول وأنصاف المواهب. فكما يحدث في عالم الحيوان، يجب أن يحدث مثيل له في عالم الإنسان فتتنافس العقول، وتتصارع القدرات العقلية أو الجسمانية، ليس للقتل أو الهلاك، ولكن ليصل الأفضل في كل مجال إلى قمة الهرم في تلك المهنة أو الصناعة سواء في مجالات السياسة، أو الطب، أو الهندسة، أو القضاء، وكافة المهن والوظائف الأخرى المرموقة وحتى في المجالات الرياضية، ودون أن يكون أي مجال حكرًا لفئة أو طبقة اجتماعية. فلا يمكن أن تجد أحد الأفذاذ في مهنته، وينبغ أولاده في نفس المهنة وبنفس الدرجة من النبوغ، وإنما يكون ظلا باهتًا له، أو يمكن أن يكون والده غير مذكور في تلك المهنة، ويحقق ابنه النبوغ والشهرة التي لم يصل إليها والده على الإطلاق. وبينما يمكن أن يحقق هذا الابن النبوغ في مجال آخر بعيدًا عن المجال الذي يعمل فيه أبواه، فإن بعض الآباء يحولون دون ذلك بأنانيتهم ونظرتهم الضيقة للأمور. والمجال الرياضي هو المجال الوحيد في مصر الذي تطبق فيه معايير العدالة لتكون طبقًا للموهبة والمقدرة، وليصبح هو المجال الوحيد المسموح فيه بالحراك الاجتماعي والانتقال من طبقة اجتماعية أدنى إلى طبقة اجتماعية أعلى. وهذا بالطبع – ليس تطبيقًا لمبادئ الحق والعدالة - ولكن فقط لأن الرياضة والمنافسات الرياضية لا تسمح بطبيعتها بالواسطة أو النفوذ وأتذكر هنا كمثال لذلك، نجل أحد النقاد الرياضيين الذي كانت الصحف تتغنى بعبقريته وهو في صفوف الناشئين في كرة القدم في إحدى الأندية الكبرى (وهذا بالطبع بفضل نفوذ والده)، ولكن لم يقدر له أن يلعب للفريق الأول الذي كان يشرف عليه مدرب أجنبي على الإطلاق وانطفأت شعلة الشهرة الكاذبة التي كانت تحيط به بنفس السرعة التي انطلقت بها. وقد تنبهت الأمم المتقدمة وغير المتقدمة لذلك لهذه البديهية الأساسية، فوضعت الأسس العادلة لتجعل القدرات العقلية والموهبة، والقدرات الأخرى أساسًا للوصول إلى المكان المناسب له، ومنحت الفرص المتساوية لجميع طوائف الشعب بصرف النظر عن أصولهم الاجتماعية، وبذلك تصل أرقى العقول، وأصحاب الإمكانيات الأفضل إلى قمة الهرم في كل مجال. وهكذا يسيرون إلى الأمام بينما نتراجع نحن إلى الوراء مع الأسف الشديد. ولم تصل هذه الأمم إلى هذه البديهية بثمن بسيط، بل دفعت لذلك ثمنًا باهظًا في الماضي، عندما أوصت بعض الطبقات الحاكمة في أوروبا على سبيل المثال بإهمال الفقراء وأنهم لا يستحقون البقاء على قيد الحياة، واعتبروا هلاكهم جوعًا تدبيرًا إلهيًا، وتركتهم فريسة للجوع والمرض، بل أن إنجلترا كانت تقوم بإجبار الأطفال دون العاشرة على العمل في مناجم الفحم وفي ظروف صحية بالغة السوء مما تسبب في هلاك الكثيرين منهم. كما اتخذتها بعض الدول الأوروبية مبررًا لاحتلال بعض الشعوب والأجناس الأخرى والقضاء عليها. وبدلا من أن نتعلم من أخطائنا وأخطاء الآخرين، فإننا نصر على تكرار تلك الأخطاء وعدم التعلم منها، كما تقول الحكمة "تعلم من أخطاء الآخرين، فلن يسعك العمر كله لارتكابها بنفسك". ويبدو أننا لم ولن نتعلم، إلا إذا دفعنا ثمنًا باهظًا لإقصاء شريحة مهمة من أبناء وطننا تحت دعاوي مختلفة ومتخلفة، وسوف يكون هذا الثمن الباهظ – ومع الأسف الشديد – على حساب حاضر ومستقبل أمتنا، وقدرتها على التقدم والرقي.