التقديرات حول الجالية المصرية في البحرين تذكر أن عددهم يتراوح بين 20 – 25 ألف مقيم، كان أغلبهم من المعلمين والمهنيين قبل حدوث تحول ملحوظ في الأعوام الأخيرة بإقبال الشباب المصري على وظائف متدنية الأجر في المطاعم والمولات والأمن، إلا أن الجميع يشعرون بالأمن والراحة ولا ينخرطون في أى أعمال سياسية إلا بطريقة غير مباشرة تتمثل في المشاركة في الفعاليات والاحتفالات الخاصة بالأيام الوطنية، تقديراً للقيادة السياسية من جهة وإنعكاساً للعلاقات الاجتماعية والسياسية الأخوية من جهة أخرى. وقبل ثورة 25 يناير كانت هناك محاولات لإنشاء "النادي المصري" الذي يجمع الجالية في أنشطة رياضية وثقافية واجتماعية على غرار أنديةلجاليات أخرى ولكن دبت الصراعات بين أعضاء مجلس الإدارة فلم ير النور، ولم يرغب هؤلاء في التخلي عن مناصبهم وصراعاتهم لخدمة الجالية، واستمر بعضهم في إدعاء تمثيل الجالية لدى السفارة والأوساط البحرينية. ثم أنشئت جمعية أهلية بمبادرة من متطوعين من ذوي الخلفية الإسلامية، ونجحت في أن يكون لها حضور لافت بفضل تعاونها مع السفارة والأوساط الحكومية والأهلية البحرينية، ولكن مجلس إدارتها لم يعالج التحديات التي كانت تزيد يوما بعد يوم وفي مقدمتها: الإصرار على التمثيل الحصري للجالية وعدم قبول أى مبادرات تطوعية جديدة لخدمة الجالية، الإدارة الاحترافية الداخلية التي حالت دون تصعيد كفاءات جديدة قادرة على خدمة الجالية، غياب القدرة على مواجهة الدعايات الموجهة من الخصوم السياسيين بأن الجمعية تخلط بين العملين السياسي والاجتماعي وخصوصاً في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها د. محمد مرسي والتصويت على الدستور. ***** وبالرغم من أن الجمعية تبنت نهجاً سياسياً قريباً من إخوان البحرين والتي تعتبر أحد أكبر قوى الموالاة للحكم في البلاد، وخصوصاً فيما يتعلق بمعاداة المكون الشيعي، واستمرت في التواصل مع السفارة لتأكيد التمثيل الحصري للجالية دون القدرة على التفريق بين العمل السياسي والعمل الاجتماعي في أوساط الجالية، فإنها لم تحصل على أى تعاطف من الطرفين، وذلك عندما قدم مقيمون مصريون بلاغات كيدية ووشايات ضدها وضد أعضاء مجلس إدارتها بأنهم يمارسون العمل السياسي كخطوة أولى لسحب رخصتها القانونية. وهو ما ردت عليه الجمعية بتقديم تقرير مفصل من عشرات الصفحات بأعمالها وإنجازاتها التي قدمتها للجالية المصرية بكافة شرائحها، غير أن ذلك لم يحل دون صدور قرار من وزارة التنمية الاجتماعية بحل الجمعية، وكان ذلك في سياق سياسي مؤيد لسلطة الأمر الواقع في مصر وفق حسابات بحرينية وخليجية، لا يتسع السياق لذكرها. بالتزامن مع ذلك كان هناك مبادرات تطوعية أخرى تتحرك في وسط الجالية، وسط إستقطاب سياسي بين المبادرات التي تؤيد سلطة الأمر الواقع بعد إنقلاب 3 يوليو، وبين غيرها من المبادرات التي لها مواقف سياسية مختلفة، مستقلة أو مؤيدة للشرعية، حيث اتهمت الأولى الثانية بأنها امتداد لجمعية المصريين، وبذلك انتقلت إلى الجالية المصرية نفس أجواء الاستقطاب السياسي التي تتسم بالكيدية والوشايات والتهديد وشعور أحد الأطراف بأنه الأحق بتمثيل الجالية لأنه مؤيد لما يسميه ثورة 30 يونيو، وشعور الطرف الآخر بإنتهاك حقه في العمل التطوعي وتهديده في رزقه بالوشايات والإتهامات. ومن هذه المبادرات: جروبات على فيس بوك وواتس آب تقوم بأعمال اجتماعية وترفيهية ورياضية لأبناء الجالية، بعضها له علاقة بالسفارة المصرية وربما أوساط استخباراتية (أحد المقرات الرئيسية لما يسمى جيش مصر الإلكتروني يقع في البحرين) وبعضها الآخر وثق علاقته بالسفارة المصرية وطرح نفسه كبديل أقوى وأنجح من النادي المتصارع والجمعية المنحلة، فيما ظهرت جروبات ثالثة قوية ولكنها تفتقد لدعم السفارة ورابعة تريد العمل ولكنها تخشى من الوشايات والأجواء السياسية غير المواتية لعملها. وفي هذا الإطار تناقل أبناء الجالية معلومات عن إتجاه السفارة المصرية بتبنى أحد الجروبات والتوافق معها لتحويلها إلى كيان قانوني مسجل بوزارة التنمية الاجتماعية، وقادتها من الشباب الذين يتسمون بالكفاءة والقدرة على الحشد وكذلك تأييد سلطة السيسي. ***** وهكذا التقت إرادتين، أولاهما يعمل في ظل توجيهات سياسية بملاحقة الإخوان المسلمين في المهجر وتوثيق العلاقات السياسية مع البحرين، والثاني: يسعى لرد إعتباره واقتناص الفرصة لتمثيل الجالية وعدم السماح لأى طرف بمنازعتهم رغم أن الآخرين لا يريدون الإقتراب من السفارة بقدر ممارسة العمل الخدمي والتطوعي لأبناء الجالية. وهكذا فإن كل الظروف مهيأة لكي تنزوي جميع المبادرات إلا واحدة بعد تقنينها، رغم أن الواقع اليومي يؤكد إمكانية إستمرار العمل الاجتماعي والخدمي سواء مستقلاً أو إطار جمعية بحرينية تقبل بذلك، طالما أنه ليس مسيساً، لكن يبدو أن المتطوعين الربعاويين والمستقلين قرأوا ذلك الواقع بطريقة مبالغ فيها، أو تأثروا بدعايات ووشايات الطرف الآخر ضدهم. وربما سيكتب النجاح للمبادرة الجديدة، عاماً أو عامين، وذلك فيما يتعلق بحشد الجماهير في احتفالات وطنية أو فعاليات ترفيهية ورياضية، لكنها ستواجه نفس المصير وفقاً لمقولة " كما تدين تدان"!، حيث إنها كانت تشكو في السابق من إحترافية جمعية المصريين بالبحرين التي تم حلها، فمن المتوقع للجمعية الجديدة أن تدار بطريقة إحترافية تجعل نفس الوجوه مستمرة في مجلس إدارتها، بما يحول دون تجديد الدماء أو الإدارة بطريقة ديمقراطية. وكذلك، فإن طريقة نشأتها تؤكد غياب مفهوم "خدمة الجالية" من أدبياتها، إذ أن المصريين المغتربين لا يريدون فعاليات ترفيهية ورياضية واجتماعية فحسب، بل ينتظرون من يحمل همومهم ولا يعتبرها هماً على كتفه، أو آخر مهمة يمكن التفكير فيها، كما تفعل السفارة، بل يريدون من يعالج مشكلاتهم المهنية والحياتية ومشكلات أبناءهم أيضاً. بكلمات: إن ملاحقة الإخوان في الخارج ولعبة القط والفأر تحرم الجالية من ظهور كفاءات حقيقية وتمهد الأجواء للمنتفعين والباحثين عن الجاه والامتيازات، وتقضي على مفهوم التعددية وخصوصاً في المبادرات التطوعية، كما تحرم المتطوعين من تطوير مفهوم "خدمة المجتمع" في وقت نحن في أمس الحاجة إليها خصوصاً مع ظهور فئات مهاجرة جديدة تواجه مشكلات متصاعدة، بما تؤثر حتماً على صورة المصريين في أذهان المجتمع البحريني، وهي الصورة التي لا تغيرها مئات الاحتفاليات الغنائية والترفيهية.