حزب "الحركة الوطنية" يختار الفريق أحمد شفيق رئيسًا بالتزكية. تقديري أن هذا الحزب سيحصل على نسبة جيدة في البرلمان القادم، قد تصل للأكثرية، فهو وعاء للقوى القديمة. وتقديري أن شفيق سيكون رقما مهما في معادلة الحكم، فهو يمكن أن يؤلف حكومة ما بعد انتخابات البرلمان، أو يختار هو من يؤلفها، ويكون محركا للأحداث ومشاركا في صناعة القرار. شفيق سيكون صانعا للملوك بعد عودته لمصر التي ربما باتت قريبة، وربما يتم ذلك بدفع إقليمي، والإمارات التي يقيم فيها الجنرال منذ عامين ونصف العام هي في قلب هذا الترتيب، فالوضع في مصر غير مستقر بما يكفي، وعلى عكس ما كان متوقعا بعد 3 يوليو، ويُراد لمصر أن تستقر لأن حجم المخاطر التي تهدد الأنظمة الداعمة لها، وتهدد مصر نفسها، والمنطقة كلها في غاية الخطورة من "داعش" والجماعات المرتبطة بها، والحوثيين، وإيران، والاقتتال في سوريا وليبيا، وانقسامات لبنان، وتمزق العراق، وتدهور سعر البترول، وغيرها من التحديات التي تمثل تهديدا وجوديا حقيقيا للمنطقة لم يحدث منذ "سايكس بيكو"، وهذا يتطلب خروج مصر سريعا من أزمتها وتخبطها لتكون مع السعودية قدمي الارتكاز في المحيط العربي لمواجهة كل تلك المخاطر والتحديات. هناك مساحة معتمة في علاقة شفيق بالنظام الجديد الذي بدأ في مصر بعد عزل مرسي في 3 يوليو 2013، وشفيق أحد الصناع والمحركين الكبار لما جرى في 30 يونيو، والإعداد له تمهيدا لإنهاء وجود الإخوان في السلطة، وهو إنهاء ليس آنيا، فلا عودة لهم إليها قريبا وإذا سُمح لهم بالتواجد فسيكون ذلك بشكل محدود، وضمن شروط قاسية. كان الطبيعي أن يعود شفيق لمصر فور إطاحة الإخوان بعد بقائه في الإمارات لأكثر من عام، لكنه لم يعد، وقيل إن هناك قضايا يجب أن تنتهي، وانتهت القضايا كلها، وحصل على البراءة، وكانت الأخيرة في ديسمبر 2013، لكن مر عام 2014 كاملا ولم يعد شفيق، وقيل إن هناك ذيولا قانونية تمنع عودته مثل وضع اسمه على قوائم الترقب، وهذا أمر غير مفهوم، فهو حصل على البراءات، وهو من رجال المرحلة الجديدة، وهو ليس خصما ولا معاديا لذلك النظام، وهو قمع ذاته ورغبته وحلمه وطموحه وما يعتبره حقه الشرعي في الترشح للانتخابات الرئاسية، فلا ينكر أحد أن له شعبية واضحة، ومع ذلك يُقال إن هناك موانع قانونية تعرقل عودته، كان منطقيا أن تبقى تلك الموانع لو كان الإخوان هم من لازالوا يحكمون ، ما هي تلك الموانع الخفية التي تظل قائمة أو معلقة كالسيف المسلط على رقبته؟، وماهو المطلوب منه أكثر من عدم ترشحه للرئاسة وخروجه أكثر من مرة ببيان داعم للسيسي وخصوصا بعد التسريب الشهير له عن "توضيب الصناديق"، من لا يريد رؤية شفيق في مصر؟، من ربما يقلق منه؟. هناك شيء ما غامض ومعتم في علاقة شفيق بالنظام الذي هو منه ومن أركانه وصناعه، لكن بعد اختياره مرة أخرى رئيسا للحزب الذي أسسه، هل نعتبر أن تلك إشارة على أن هذا الشيء الغامض قد شارف على النهاية؟. اتصور ذلك، واتصور قرب عودة شفيق وقيادته لحزبه في الانتخابات حيث سيكون فرس الرهان فيها، فهذا الحزب هو تجميع لأنصار ومحبي شفيق، وهو وعاء لقادة ونواب وأعضاء الحزب الوطني المنحل، وغالبا هو أكثر الأحزاب موثوقية ممن يهندس المشهد السياسي والبرلماني عن الأحزاب والكتل والائتلافات الحزبية الأخرى، ومنها الوفد الذي كان يخطط ليحصل على أكثرية البرلمان ويشكل الحكومة باعتراف رئيسه رجل الأعمال السيد البدوي، لكني أزعم أن حلم البدوي صار بعيدا عن التحقق كما أن نيله أكثرية البرلمان صار أملا صعبا. انتقدت الفريق شفيق مرارا ، لكن مع مرور الأيام، وتبدل وتغير الظروف والأوضاع نكتشف أن شفيق قد يكون أكثر قبولا، لأنه يتمتع بالحس والخبرة السياسية أكثر من جنرالات آخرين، فهو مارس السياسة عبر وجوده في الوزارة لأكثر من عشر سنوات، كما تولى رئاسة الحكومة في أصعب فترات مصر خلال ثورة 25 يناير، وخرج سريعا منها تحت ضغط الثورة، لكنه لم يتوقف عن العمل العام حيث دخل انتخابات الرئاسة وحقق اختراقا مهما وحل ثانيا، وبالطبع فقد تحلق حوله رجال النظام القديم، بل وسانده في الإعادة علنا وسرا كل الكارهين للإخوان من قوى سياسية كانت تعارض مبارك، وقوى تقليدية مرتبطة بالنظام الرسمي التقليدي وبالثقة في الجنرال أيا كان اسمه، وقوى شبابية وثورية رأت أنه أرحم من وصول الإخوان للسلطة، ورغم إعلان فوز مرسي رسميا بالرئاسة، وممارسته السلطة فعليا لمدة عام إلا أن شفيق وتياره مازالوا مصرين على أنه هو الفائز، وأنه حصل تزوير، وهناك لجنة تقصي حقائق لا يُراد فتح صندوقها، فهل يعني ذلك أنه حتى باعتبار شفيق هو الفائز فإن ورقة مرسي سقطت وانتهت، وفُتحت صفحة جديدة تماما، ولا ينبغي العودة للماضي بكل ما كان فيه؟. اتصور أن جنرالا مسيسا أكثر أمانا عمن لم يمارس السياسة، عبد الناصر كان ضابطا، لكنه كان معجونا بالسياسة منذ صغره، وكذلك السادات، وخالد محيي الدين، وغيرهم من الضباط الذين حكموا مصر في مواقع عديدة، هم حكموا بالأمن والسياسة معا، وليس بالأمن فقط. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.