القائد المتهور، هو الوصف الذي خلعته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في افتتاحيتها يوم الأربعاء الماضي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعليقا على الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها بلاده. الصحيفة حملت بوتين المسؤولية عن تلك الأزمة، وعن انهيار سعر صرف الروبل، وهو العملة الوطنية لروسيا. الأربعاء كان يوم أسود على الروبل، حيث فقد نصف قيمته. الدولار الأمريكي الواحد صار يشتري 72.2 روبل. في يناير الماضي كان الدولار يشتري 32.9 روبل. والبنك المركزي الروسي أنفق أكثر من 80 مليار دولار لدعم الروبل هذا العام، كما رفع أسعار الفائدة إلى 17 % في إطار محاولات الإنقاذ بعد أن كانت 10.5 %. إذا قاربنا ذلك على الوضع في مصر فإن هناك تشابه حيث ينخفض سعر الجنيه أمام الدولار، وتتدخل الحكومة بضخ الدولارات لإيقاف تدهور قيمة الجنيه، كما ترفع البنوك أسعار الفائدة على الودائع بالجنيه، وتخفضها على الدولار لإغراء من يحتفظون به على التخلص منه، لكن وضع الجنيه أفضل إلى حد ما من الروبل رغم توالي انخفاض قيمته مقتربا اليوم من حاجز ال 8 جنيهات للدولار الواحد، وحتى لانخدع أنفسنا فإن الاقتصاد المصري لا يُقارن بضخامة الاقتصاد الروسي، ولا بحجم الناتج القومي الروسي، فالروس لديهم دخل كبير من النفط والغاز، واحتياطات مالية تصل الى 419 مليار دولار، وبالتالي فهم قادرون على تحمل تداعيات الأزمة رغم خطورتها وعدم التهوين من شأنها. لماذا تلك الأزمة التي تحاصر روسيا؟. الأزمة لا تحاصر روسيا وحدها، بل تأخذ معها إيران، وتؤثر على السعودية، والبلدان المنتجة للنفط بعد تدني سعره لمستوى قياسي لم يحدث منذ سنوات حيث نزل عن 60 دولارا للبرميل بعد أن كان فوق المائة في يونيو الماضي. مؤشرات الأزمة تظهر في روسيا أكثر بسبب ضخامة خسائرها في عملتها، وفي الدخل القومي حيث فقدت خلال 2014 نحو 140 مليار دولار من دخلها باعتراف وزير ماليتها بسبب انخفاض سعر النفط والعقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة عليها. إيران متضررة أيضا، وهي في وضع اقتصادي صعب، ويزداد صعوبة مع التطورات الحالية، بسبب إنفاقها العسكري الكبير على مشروعاتها النووية وعلى التسليح التقليدي، وتمويلها لمغامراتها الخارجية للهيمنة في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبحرين وغيرها. والسعودية متضررة في عوائدها من النفط، لكن يمكن أن تتحمل ذلك في سبيل أهدافها السياسية التي تعتبرها تعويضا عن أي خسارة مالية لارتباطها بأمنها القومي، وهي لديها موارد وقدرات واحتياطات مالية تجعلها في مأمن، لكن ليس لمدى بعيد. الرابح الأكبر هنا هو أمريكا التي توجه ضربات عنيفة لخصمها الروسي، وتبعث له برسائل تأديبية بألا يتجاوز الحدود المرسومة له في الساحة الدولية، وما يتعرض له هو عقاب مباشر على دوره في أوكرانيا، وضمه شبه جزيرة القرم، وتحدي الغرب في هذا البلد، والأمريكان يلقنونه درسا ليس بالبوارج الحربية، ولا بالطائرات العسكرية، إنما بالعقوبات الاقتصادية، أي بالضغط على الأعصاب الحساسة له، وكل ذلك بدأ يؤتي أكله في انهيار الروبل، والخسائر المالية الكبيرة ، والأزمة الاقتصادية التي تحتاج عامين على الأقل للتعافي منها كما يتمنى بوتين، واتصور أن عامين مدى زمني متفاءل لأن أوباما سيوقع قرارا جديدا خلال أيام بعقوبات أخرى على روسيا، وميركل مستشارة ألمانيا تحدثت عن عقوبات أوروبية جديدة، أي تشديد الحصار الاقتصادي، ومع استمرار انخفاض أسعار النفط، وهو أحد مداخيل روسيا الأساسية، فإن الأزمة ستتعمق أكثر ما لم تدخل موسكو في تفاوض سريع مع الغرب لحل أزمة القرم، والتوقف عن دعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وعدم اللعب في بلدان أوربا الشرقية، هنا يمكن أن يكون هناك كلام آخر، كما سيكون مطلوبا من روسيا دورا إيجابيا، وليس معطلا في ملفات مهمة على رأسها نووي إيران، وتسهيل التوصل لحل سياسي في سوريا. ما دور السعودية هنا؟. هي لا تريد تخفيض إنتاجها، ولا إنتاج أوبك، وهو 30 مليون برميل يوميا، وهي توافق على تحمل خسائر مقابل محاصرة الغرب لروسيا التي تدعم نظام الأسد، والضغط على إيران. والسعودية تدخل مع إيران في حرب باردة بسبب تمددها في المنطقة ومحاصرتها للسعودية عبر دعمها للحكومات التابعة لها والكيانات المذهبية التي تدين لها بالولاء في دول الجوار، والسعودية لا ترضى عن دعم روسياوإيران وميليشياتها العسكرية مثل حزب الله اللبناني لنظام الأسد بينما هي تريد استبدال الأسد وإيقاف سيل دماء الشعب السوري. أمريكا تثبت أنها القوى العظمى الوحيدة حتى الآن ، وتؤكد أن العالم مازال محكوما بسياساتها، وها هي تقوم مع حلفائها بتقليم أظفار الدب الروسي بهدوء وذكاء وتخطيط عميق. وبوتين يدرك ذلك، لكنه لا يريد الإقرار صراحة أمام الإعلام، مكتفيا بتلك الإشارة الدالة في مؤتمره الصحفي يوم الخميس حيث قال : "كلنا نرى تراجع أسعار النفط، وهناك الكثير من الأقاويل حول الأسباب التي تقف خلف ذلك، هل هناك اتفاق بين أمريكا والسعودية لمعاقبة إيران والتأثير على الاقتصادين الروسي والفنزويلي؟ ربما". حسنا أنه يفهم، وحسنا أكثر لو أوقف تهوره. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.