بتاريخ 9/12/2014 قام مجلس الشيوخ الأمريكي بنشر ملخص تقرير لجنة شئون المخابرات على الملأ، والتي اتهمت فيه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بارتكاب جرائم تعذيب "قذرة" ووحشية، ضد المعتقلين المشتبه بهم فى أحداث 11سبتمبر عام 2001. لذلك فإننا سوف نكتفي تحت هذه الزاوية، بالتعليق على بعض الجوانب الواردة بالتقرير، والتي قد نراها تتقاطع مع واقعنا العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة، ونحن نعيش فى عصر العولمة الصاخب بتفاعلاته وأحداثه، والذي يتعذر علينا تجاهله حتى لا نكون خارج التاريخ بمحض إرادتنا، وذلك على النحو التالي: 1 إن التعذيب من حيث المبدأ هو قرار "سياسي" يصدره رئيس الدولة، ويأمر مؤسسات الدولة بتنفيذه ضد المشتبه بهم، للحصول منهم على معلومات واعترافات لحماية الأمن القومي، ولهذا فإنه لا يشفع لأصحاب الفخامة والجلالة والسمو فى منطقتنا العربية – للإفلات من العقاب – التذرع بعدم العلم بقيام أجهزتهم بتطبيق وسائل تعذيب وحشية على المعتقلين أثناء الاستجواب، لأن القانون الدولي قد استقر على منع منح "الحصانة" للمسئولين الضالعين فى أعمال التعذيب، وعلى الأخذ بمبدأ " المسئولية القيادية" عند المحاسبة والعقاب. 2 أثبتت وقائع التقرير عدم جدوى استخدام التعذيب خلال التحقيقات، فى الحصول على المعلومات أو التعاون من قبل المعتقلين. 3 هذا التقرير بين خطورة السماح للأجهزة الإستخبارية بأن تكون دولة داخل الدولة،وأن لا تلتزم بأحكام الدستور ،وأن لا تتورع فى القيام بتضليل اللجان التشريعية والوزارات الحكومية، للتغطية على مخالفاتها القانونية والأخلاقية،وأن تعتبر نفسها فوق القانون والمراقبة والمحاسبة ،مما يعرض هيبة الدولة للضياع ،ويلطخ سمعتها فى العالم ، ويجعلها غير قادرة على مواجهة وهزيمة أعداء الداخل والخارج على السواء. 4 أغفلت اللجنة تضمين تقريرها التوصيات التي تراها كفيلة للحيلولة دون تكرار جرم التعذيب مرة أخرى فى مستقبل الأيام، والإلية القانونية الناجعة التي تمنع ذلك والغير قابلة للإلغاء أو التعديل، وإن كنت أظن..وبعض الظن إثم، أن اللجنة تعمدت ذلك لتفادى المطالبة بمحاسبة الرئيس السابق"جورج بوش" ونائبه "ديك تشينى" ووزير دفاعه "رامسفيلد" ،حتى لا يعتبرها الحزب الجمهوري مناكفة حزبية لصالح الحزب الديمقراطي ،لاسيما وأن اللجنة تعلم أن تقريرها مثل كرة الثلج التي سوف يكبر حجمها مع مرور الأيام داخل وخارج "أمريكا"، وأن محاكمة كل من أمر ونفذ عمليات التعذيب التي تناولها التقرير ،هي مسألة وقت ليس إلا. 5 أشار التقرير لأسماء الدول وأجهزة الإستخبارات العربية والأجنبية، التي مارست التعذيب بالوكالة عن المخابرات الأمريكية، باعتبارها تمتلك خبرة إجرامية فى هذا المجال، ومن بينها مصر فى عهد "مبارك" ووزير داخليته "العادلى"، وكانت نتيجة ذلك قيام مصر بتزويد "أمريكا" بمعلومات مغلوطة تحصلت عليها من"على محمد عبد العزيز الفخيرى" الليبي الأصل وهو تحت التعذيب، بأن نظام "صدام حسين" يمتلك أسلحة دمار شامل، وكانت تلك هي الحجة التي تذرعت بها "أمريكا" لغزو العراق وتدميره فيما بعد، مما مكن إيران وإسرائيل وتركيا من فرض هيمنتها على المنطقة العربية، والتلاعب بأمنها القومي على نحو ما هو حادث هذه الأيام العجاف، ولم تحاسب الدولة المصرية بعد ثورتي -25ينايرو30يونيو - "مبارك" و"العادلى" ومساعدوه عن هذا الجرم حتى تاريخه.! 6 صحيح أن "أمريكا" دولة إمبريالية متوحشة،وتريد فرض هيمنتها على العالم بالقوة، وأن قطاعات هامة من شعبها تعانى من التفرقة العنصرية،وأنها دولة اعتدت على المدنين، واعتقلت المشتبه بهم وعذبتهم ، واعتدت على حقوق الإنسان ،وفعلت كل ذلك وغيره الكثير، وبالمخالفة لأحكام القانون الدولي والقانون المحلى،إلا أنها بنشرها هذا التقرير الغير مسبوق ،والذي يدينها ويعرض مصداقيتها وأمنها القومي للخطر، تريد أن تقول للعالم أنها دولة واثقة بنفسها، وفى قدرة مؤسساتها على الاعتراف بخطاياها وجرائمها فى حق حقوق الإنسان ،وأنها ستشرع فى وضع تشريعات حازمة وملزمة على أرض الواقع ،تمنع مؤسسات الدولة الأمريكية من تكرار اللجوء للتعذيب مرة أخرى ، تحت زعم حماية الأمن القومي الأمريكي. عقبالنا يا رب.