البابا تواضروس الثانى يصلى الجمعة العظيمة فى الكاتدرائية بالعباسية..صور    500 جنيه بالمدن و125 جنيها بالقرى، اللائحة التنفيذية لقانون التصالح في مخالفات البناء    وزير الخارجية الأمريكي: لم ولن نؤيد أي هجوم إسرائيلي كبير على رفح    كهربا يهدد بالرحيل عن الأهلي بسبب موديست، وكولر كلمة السر    توخيل يلمح لإمكانية استمراره مع بايرن ميونخ    انتشال جثتي شخصين غرقا في نهر النيل بالمنيا    فتح البوابة الإلكترونية الخاصة بالتعليم الفني للطلبة المتخلفين عن تسجيل بياناتهم    غلطت إني صورت الحلقة، تعليق صادم من حورية فرغلي على أزمتها مع بسمة وهبة    أبرزها فريد خميس.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدا في الجمعة الأخيرة من شوال    الذهب يرتفع 15 جنيها في نهاية تعاملات اليوم الجمعة    محافظ المنوفية: مستمرون في دعم المشروعات المستهدفة بالخطة الاستثمارية    حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    عضو «ابدأ»: المبادرة ساهمت باستثمارات 28% من إجمالي الصناعات خلال آخر 3 سنوات    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    نعم سيادة الرئيس    السفارة الروسية بالقاهرة تتهم بايدن بالتحريض على إنهاء حياة الفلسطينيين في غزة    المحكمة الجنائية الدولية تفجر مفاجأة: موظفونا يتعرضون للتهديد بسبب إسرائيل    حاكم فيينا: النمسا تتبع سياسة أوروبية نشطة    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    أمين اتحاد القبائل العربية: نهدف لتوحيد الصف ودعم مؤسسات الدولة    نشرة الحصاد الأسبوعي لرصد أنشطة التنمية المحلية.. إنفوجراف    تونس تدخل تعديلات على قوانين مكافحة المنشطات بعد صدور عقوبات ضدها    الغندور: حد يلعب في الزمالك ويندم إنه ما لعبش للأهلي؟    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    تشافي: نريد الانتقام.. واللعب ل جيرونا أسهل من برشلونة    "لم يحدث من قبل".. باير ليفركوزن قريبا من تحقيق إنجاز تاريخي    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    وزارة الصحة توضح خطة التأمين الطبي لاحتفالات المصريين بعيد القيامة وشم النسيم    كشف ملابسات واقعة مقتل أحد الأشخاص خلال مشاجرة بالقاهرة.. وضبط مرتكبيها    إعدام 158 كيلو من الأسماك والأغذية الفاسدة في الدقهلية    خلعوها الفستان ولبسوها الكفن.. تشييع جنازة العروس ضحية حادث الزفاف بكفر الشيخ - صور    برواتب تصل ل7 آلاف جنيه.. «العمل» تُعلن توافر 3408 فرص وظائف خالية ب16 محافظة    تعرف على توصيات مؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته ال90    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" يتراجع ويحتل المركز الثالث    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    عمر الشناوي ل"مصراوي": "الوصفة السحرية" مسلي وقصتي تتناول مشاكل أول سنة جواز    مواعيد وقنوات عرض فيلم الحب بتفاصيله لأول مرة على الشاشة الصغيرة    دعاء يوم الجمعة المستجاب مكتوب.. ميزها عن باقي أيام الأسبوع    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة.. فيديو    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    مديرية أمن بورسعيد تنظم حملة للتبرع بالدم بالتنسيق مع قطاع الخدمات الطبية    بعد واقعة حسام موافي.. بسمة وهبة: "كنت بجري ورا الشيخ بتاعي وابوس طرف جلابيته"    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    قوات أمريكية وروسية في قاعدة عسكرية بالنيجر .. ماذا يحدث ؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام المُفْترى عليه
نشر في المصريون يوم 01 - 08 - 2011

(1) هناك فريقان من الناس يبدو لنا ظاهريا أنهما متعارضان متخاصمان.. ولكن بقليل من التحليل يتضح لك أنهما متوافقان (ضمنيًّا) على شيء مشترك بينهما وهو: العداء للديمقراطية وعلى تشويه وجه الإسلام: الفريق الأول يتمثل فى الغالبية العظمى من العلمانيين، والفريق الثانى يتمثل فى بعض القيادات المنتسبة إلى التيارات الإسلامي.. يفعل الفريق الأول هذا عن وعْيٍ وقصد، ويفعله الفريق الثانى عن سذاجة وجهل.
أنهما يقفان واقعيا فى صدام مع الإسلام ومع الديمقراطية كليهما، وإن اختلفت أسبابهم؛ فبينما يكره العلمانيون الديمقراطية لأنهم أقلية مكروهة.. لذلك يحاولون جهدهم أن يعوقوا العملية الديمقراطية ويضعوا العراقيل أمام الانتخابات الوشيكة.. باختلاق قضايا ومعارك جانبية.. أما لماذا لا تريدهم الجماهير المسلمة..؟؟ فلأنهم لا يخجلون فى خطابهم من استخدام أساليب مكيافيلية فى تشويه وجه الإسلام وتاريخه ورموزه وحضارته..
ومن ناحية أخرى نرى فى خطاب بعض الإسلاميين وسلوكهم ما يعزّز موقف العلمانيين.. ويمنحهم مبرّرات مجانية لترويج شبهاتهم ضد الإسلام وضد تطبيق الشريعة فى المجتمع، يفعل بعض الإسلاميين هذا عن جهل وحماقة.. وقد حذّرت من هذا و ضربت بعض الأمثلة عليه فى المقال السابق..
(2) أود أن أنبّه -قبل أن أستطرد- إلى أنه من الخطأ البيّن محاسبة السلفيين وبعض التيارات الإسلامية الأخرى على أنهم غيّروا موقفهم من المشاركة فى العمل السياسي، وقد نأوْا بأنفسهم عنه قبل الثورة .. بل هاجموا التيارات الإسلامية الأخرى ممن سبقوهم للمشاركة فى الانتخابات والمنافسة فى العملية الديمقراطية.. وأسرفوا على أنفسهم بالهجوم على الديمقراطية نفسها واعتبروها رجسا من عمل الشيطان.. فهذه أخطاء فكرية يمكن مراجعتها وتصحيحها، مع الوقت والممارسة والاحتكاك بالواقع..
إنما يحاسبُ فقط بعض القيادات من الذين ساندوا الطاغية بفتاويهم وأعلنوا تأييدهم له وذهبوا إلى حد اتهام المعارضين له و المتظاهرين ضده بانهم من مثيرى الفتن العمياء.. ويبدو أن السلفيين قد أسقطوا هذه القيادات المتطرّفة.. واستقاموا على طريق تيار الوسطية والاعتدال..
(3) من خلال تحليلى لتعليقات القراء على مقالى السابق لا حظت أن الانغلاق الفكرى لا يزال مسيطرا على بعض الناس الذين لم يتنبّهوا بعدُ إلى أن شيوخهم قد غيروا توجّهاتِهم ومواقفَهم.. بينما هم لا يزالون أسرى لبعض الأفكار والكتابات التى تأثروا بها فى الماضى.. مثل هذا الكتاب الذى أمامى الآن.. والذى يتكوّن من 444 صفحة تحت عنوان: " حكم الإسلام فى الديمقراطية والتعددية الحزبية" .. إسم المؤلف لا يهمّ فهو غير معروف ولكنه اختار لنفسه لقب " أبو بصير ".. قرأت الكتاب سنة 2003م، و دوّنت ملاحظات كثيرة على هوامشه.. ولخّصت رأيى فيه على الصفحة الداخلية للغلاف الأمامي، لأنبّه من يقرأه بعدى إلى تقييمى له...
كتبت في هذه الخلاصة المختصرة ما يأتى: "هذا كتاب سيئ.. وكاتبه جاهل بموضوعه جملةً وتفصيلَا.. فهو لم يفهم الديمقراطية ولا التعدّدية ولا الإسلام.. ويستشهد بنصوص من القرآن والحديث النبوي فى غير مواضعها الصحيحة.. وليس له فهم يُعوّل عليه فى الشخصيات والأفكار.. ويسئ العرض والاستدلال.. وندعو الله له بالفهم والهداية"...!
يعلم الله وحده كم من من المسلمين قرأ هذا الكتاب وتشوّش به فكره.؟! وكم واحد من أعداء الإسلام استخدمه ضد الإسلام والمسلمين...؟! وهكذا ترى أن عمل رجل واحد أحمق يمكن أن يضلل أجيالا من المسلمين.. وينفّرغير المسلمين من الإسلام: فلا يقتربون منه أو يحاولون فهمه فى مصادره الصحيحة.. فالمؤلف قد وضع الإسلام فى عداء مع الديمقراطية والحرية.. واعتبر الديمقراطية دينا يُراد له أن يحل محل الإسلام.. يقول: " إن الديمقراطية لا تنطوى إلا على الشر المحض وهى –قلبا وقالبا- تخالف وتضادّ شرع الله..." وكفّر التعددية الحزبية .. واعتبر الذين يرشحون أنفسهم فى الانتخابات مشركين مؤيدين للشرك بالله.. وهاجم البطل الشهيد الشيخ أحمد ياسين لأنه قال ردّا على سؤال صحفي: " أنا أيضا أريد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب والسلطة فيها لمن يفوز فى الانتخابات".. ثم انظر صفحة 80 من الكتاب إلى تعليق المؤلف الغبيّ ينسب إلى الشيخ الشهيد كلاما لم يتفوّه به.. يقول: " فتأمل، فهو (يقصد الشيخ ياسين) يحترم رغبة الشعب الفلسطيني إذا ما اختار الشيوعية والكفر والإلحاد..."
ثم ينتهى المؤلف من تحليلاته إلى النتيجة الحتمية فى نظره حيث يقول: "إذا كانت الديمقراطية وجدت لنفسها بيئة تلائمها وتناسبها فى بلاد الغرب فإنها لا مكان لها أبدا بين المسلمين وفى بلادهم" ...!!
وهنا بيت القصيد.. ففى هذه العبارة المكتوبة بالبنط العريض يكمن السر فى حماس المؤلف ضد الديمقراطية.. التى يخشاها الطغاة والمستبدون من حكام العرب.. الذين يتربّعون على عروش المال والسلطة المطلقة.. بلا حسيب ولا رقيب ولا ضمير.. ومستعدون لإنفاق الملايين على كتب مصقولة الإخراج، وعلى مؤلفين مجهولى الهويّة، يلوون أعناق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتوائم تزييفهم وتضليلهم .. وتخدم أهداف الدكتاتوريات المستبدة.. هذا النوع من الثقافة المغشوشة لا يصح أن يكون له مكان بين أبناء التيارات الإسلامية فى صحوتهم الثورية الجديدة.. لقد انقضى زمن الفرية التى نُسبت إلى رسول الله زورًا.. وروّج له فقهاء السلطان: "أطع وليّ الأمر ولو جلد ظهرك وأخذ مالك"...!
(4) أقول -وللأسف الشديد- أن هذه الثقافة المغشوشة لها أتباع متعصبون قد تحجّرت عقولهم على مجموعة من القوالب الفكرية والعبارات النمطية، يطبقونها بلا فهم ولا وعْي.. فى غير مواضعها.. بلا منطق.. ولا يشعرون بتناقضهم.. ومن خصائص هؤلاء أنهم لا يقرأون قراءة صحيحة ولا يستوعبون ما قرأوا .. ويخلطون بين أصدقاء القضية وخصومها.. ويميلون إلى التعميم فى الأحكام بلا مبرر..!
لقد حاولت فى مقالى السابق "نظرات نقدية ..." أن أوجه إلي بعض الدعاة الإسلاميين نصيحة أخوية: فيما يتعلق بمنهج خطابهم السياسي [بالذات] وكان تركيزى بصفة خاصة على أخطاء فى طريقة العرض والاستدلال.. ولم يكن لكلامى أي علاقة بمحتوى الخطاب وما ورد فيه من حقائق.. فقد نبّهت بوضوح شديد إلى أن بعض العبارات التى استخدموها قد تكون كل واحدة بمعزل عن الأخرى صحيحة فى سياقها.. ولكن [ربْطها] فى بعض السياقات هو الخطأ..؟؟ فجاءنى قارئ بهجوم على المقال.. ما كنت أعبأ به لولا أنه أَلْحَقَ إسمه بلقب أكاديمى .. يعلم الله كيف تحصّل عليه، فهو لا يتقن المنهج العلمى فى الفهم ولا فى البيان و التعبير.. ويتناقض مع نفسه دون وعي منه..
(5) تساءلت فى مقالى المذكور: لماذا تخافون عرض تطبيق الشريعة على الشعب المصري المسلم فى استتفتاء عام..؟ وبينت أن الشعب لا يمكن إلا أن ينحاز إلى الشريعة..؟ فانظر كيف فهمها القارئ الغاضب .. إنه يقول:
"... أن نقول أن تطبيق الإسلام يحتاج أن استفتاء الناس عليه فتلك كارثة ورب الكعبة ولاأعلم من أين لكم بمثل هذه الأفكار.. الأصل فيمن يعطى رأياً إسلامياً ألا يأتى بالرأى من عند نفسه بل عليه بمانزل به الوحى".
وأقول متعجبا: هل ذكرتُ الإسلام مطلقا..؟؟ أو طلبتُ الاستفتاء عليه..؟! لماذا يخلط القارئ بين مصطلح الإسلام ومصطلح الشريعة..؟؟ ويضع هذا مكان ذاك دون أن يدرك الخلط الذى يتورط فيه بلا وعي..؟! ثم يتحدث عن الرأي.. وأعجب مرة أخرى: لأن الرأي دائما لا بد أن يكون من عند صاحبه.. ولكن القارئ يخلط بين الرأي المنسوب إلى البشر وبين الاستدلال عليه بما نزل من الوحي..
يؤكد القارئ أن الاستفتاء باطل وأن الرجوع إلى الشعب المسلم وإرادته باطل.. فيقول ساخرا:
"...وأين كان صوتكم حين طبّق الحكام الخونة العلمانية علينا لمدة 100 عام ، أليست هذه الديمقراطية ومدعومة بديمقراطية الغرب أيضاً لماذا يكون تطبيق الإسلام على الناس بدون أن يصوتوا على ذلك ديكتاتورية ؟ هل أنت أعلم من الله الذى أنزل الإسلام وقال لنبيه " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ"..
وأقول: هذه مهاترات لا تصلح للنقاش.. ومع ذلك إذا كنت لا تعلم ماذا قلتُ أنا فى العلمانية وفى الأنظمة التى قامت عليها فاقرأ (على شبكة الإنترنت) أكثر من مائة مقالة لى أتحدى فيها النظم العلمانية.. ثم تأمل فى سوء فهمك للآيات القرآنية والاستدلال بها فى غير موضعها.. وأظن أنك لم تبحث فى مناسبة نزول هذه الآية .. ولا فى معناها لذلك استدللت بها فى غير موقعها الصحيح.. هذا بالإضافة إلى الخلط البائس بين العلمانية والديمقراطية.. وبين الديمقراطية المغشوشة فى بلادك وبين الديمقراطيات فى بلاد الغرب...! وأعجب أكثر أن يفهم إنسان هذه الآية بأنها تبرير للدكتاتورية بفرض الإسلام قهرا على الناس.. مع أن المبدأ القرآني الحاكم هو: أنه لا إكراه فى الدين...
(6) يقول القارئ: "... الديمقراطية ومانتج عنها من حريات هى المسؤولة عن سلوك المجتمعات الغربية وليس للأمر أى علاقة بأى إنتخابات ولاحسابات سياسية ! لا نعرف من أين تأتى بهذا الفهم ؟ إن الحروب التى شنها الغرب على بلادنا دون تفويض من شعوبه هى أكبر دليل على أن الديمقراطية التى تعجبك هى [وَهْمٌ وليس لها وجود] فى الحياة السياسية"
وأقول: إقرأ عبارتك مرة أخرى لترى كيف تناقضت مع نفسك بين السطر الأول الذى تثبت فيه وجود الديمقراطية وتنسب إليها مانسبت.. ثم تزعم فى السطر الرابع مباشرة أن الديمقراطية [وَهْم وليس لها وجود] ...! قد تزعم أنك أسأت التعبير عما تريد أن تقول.. وهذه مشكلتك أنت لا تلزمنا فى شيء...
وحقيقة الأمر أن هذا الخلط غير المنطقي فى الأفكار.. وسوء التعبير فى الخطاب.. هو الخطر الذى حاولتُ تنبيه الدعاة إليه فى مقالى السابق: الخطأ فى المنهج والأسلوب والطريقة.. وليست الحقائق كما فهمتَ أنت.. ولو أنهم على شاكلتك ولم يفهموا ما قلتُ فتلك مصيبة حقيقية...
(7) يقول القارئ: "الإسلام [لم يأتى] بأى معنى للحرية سوى معناها اللغوى وهى عكس العبودية"... وأقول: يا أخى ألا تعرف التواضع أبدا..؟! فهذه العبارة الحصرية الجازمة تدل على فهم لا أحب أن أصفه بما يستحق.. إلا أنه إساءة بالغة للإسلام.. فهذا الكلام يحط من قدر الإسلام الذى ميّزه الله بأعظم وأرقى معانى الحرية الإنسانية، مما لا يمكن حصره فى أي قاموس .. أنظر وحاول أن تفهم ما يقوله الدكتور محمد عمارة وهو واحد من أبرز المفكرين الإسلاميين فى هذا الزمن .. فتحليلات الدكتور محمد عمارة لفكرة الحرية فى مجالاتها وتطبيقاتها الإسلامية تكشف لنا عن مدى الثراء والمكانة الرفيعة للحرية فى الإسلام وكيف تميّزت بعبقريتها الخاصة مقارنة بمفهوم الحرية فى الفكر الغربي سواء فى جوانبها الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية أو الدينية جميعا.. فهى تنطوى على كل السمات الجوهرية الإيجابية فى الفكر الغربي.. ولكنها تتميز بسماتها الخاصة التى تسمو بها فى آفاق عالم الأخلاق وفى تجاوبها وتحقيقها لمتطلبات الإنسان المادية وأشواقه الروحية فى آن واحد ..
وليس أدل على المكانة المتميزة للحرية فى الفكر الإسلامي من أن الإسلام يبيح حرية الخطأ للعلماء المجتهدين .. ولكنه لا يتوقّف عند مجرد الإباحة فحسب، بل يثيب على الخطأ فى البحث والتفكير.. ويؤكد الدكتور عمارة موقف الإسلام من حرية الفكر و يربط بينها وبين حرية التعبيرربطا جوهريا: فحرية التعبير هى المظهر العملي التطبيقي لحرية الفكر والتفكير...
(8) يتحدث الدكتور عمارة عن حرية التفكير والإبداع.. والحرية السياسية.. والتعددية.. والتسامح.. والقبول بالاختلاف.. وبالرأي الآخر.. مستندا إلى أصول وقواعد فى الشريعة الإسلامية.. ويتناول جوانب من الحرية الأصيلة فى الإسلام مما لا يخطر على بال صاحبنا (الذى قصر الحرية فى الإسلام على معناها القاموسي):
أنظر إليه وهو يؤصّل فكرة حرية الهجرة السياسية وحرية الاستجارة وهى حريات وحقوق كفلها الإسلام لكل مضطهد أو مظلوم.. وإذا كنا نتحدث عن الثورات الشعبية التى تجتاح البلاد العربية فى الوقت الراهن، وهى ثورات ضد القهر والظلم والفساد والاستبداد السياسي فإننا لا نبتعد كثيرا عن فكرة الحرية فى الإسلام، فقد وجد الدكتور عمارة بين الآراء الكثيرة فى هذا المجال سندا قويا وأصيلا لمشرعية الثورة على الظلم والاستبداد مادامت أساليبها سلمية وأخلاقية، وليست بابا من أبواب الفتنة العمياء.. فالثورة على الظلم والاستبداد جزء لا يتجزأ من الحرية التى كفلها الإسلام للإنسان..
وليس كلام الدكتور عمارة عن الحرية فى الإسلام بدعا من الكلام، وإنما هو نموذج من نماذج عديدة تمثل تيار الفكر الوسطي السائد فى العالم الإسلامي عند أكبر علمائه وأرسخهم مكانة فى عقول المسلمين وقلوبهم .. أذكر من هؤلاء العلماء: القرضاوي والغزالي ومالك بن نبي وعلى عزت بيجوفيتش .. وغيرهم من كبار العلماء والمفكرين الاسلاميين فى العالم...
(9) هكذا نرى الفرق الهائل بين صورة الحرية الإسلامية وثرائها و سعة مجالاتها التطبيقية فى حياة البشر، مما يدعو إليه علماء الإسلام والفقهاء الكبار المستنيرين، وبين الصورة العجفاء القميئة الجرداء، التى يتصورها بعض الجامدين الذين يحصرونها فى معناها القاموسي.. وتتمعّر وجوههم إذا ذُكرت أمامهم...!
ولذلك أدعو هؤلاء إلى أن يعيدوا النظر فى أفكارهم ويبدأوا فى تعليم أنفسهم قبل أن يتصدّوْا لتعليم الناس.. ففى هذا الزمن لم يعد يكفى فى الثقافة الإسلامية أن تتقن حفظ بعض الكتب القديمة ولا الأراجيز التى تختصر العلوم الإسلامية فى برشامات من النظم الشعري.. هذا زمن تحديات النهضة الإسلامية التى تطرق الأبواب.. حيث تتركز أنظار العالم عليها.. زمن لا ينفع فيه الإعتماد على الكتب المغشوشة مثل كتاب "أبو بصير" الذى تعرضت له آنفًا.. ولا الكتيبات الصغيرة الواردة من خلف الحدود من بيئات فكرية مجدبة عقيمة.. ماتت فيها حيوية الإنسان وحريته وانتُهكت كرامته..
نعم عندنا فئات من الناس متقوقعين فى قوالب فكرية قمعية.. وإلى هؤلاء أوجه خطابي فأقول لهم: لا تستهينوا بهذا الشعب العظيم الذى انطلق فى أفق الحرية الثورية.. إنه شديد الحساسية ضد ثلاثة: الاستعلاء والخداع والوصاية.. إنه يرفض الخضوع لإملائات المتعصبين العلمانيين الذين يريدون قهره بالخديعة، وصرفه عن مسيرته الديمقراطية التى كسبها بدمائه وشهدائه.. و صرفه عن إسلامه الذى يعتز بالانتساب إليه .. كما يرفض الخضوع للأقلية الجاهلة من المنتسبين للدين .. الذين يريدون قهره بلا إرادة منه على تطبيق الشريعة.. لعيب فيهم أنفسهم: فهم يفتقرون إلى الفقه الصحيح وإلى المنطق الصحيح.. وعلى وجه الخصوص يفتقرون إلى الرغبة أوالعزيمة على سلوك طريق الجهاد الشاق الطويل مع الجماهير.. طريق التحاور والإقناع والتربية الإيمانية والتعليم وإيقاظ الضمائر وإحياء القلوب... وهذا هو الطريق الوحيد الصحيح نحو تطبيق الشريعة الإسلامية لو كنتم تعلمون...!
(11) لا بد لى أن أختم بالكشف عن نقطة جوهرية فى قضية تطبيق الشريعة، وهى نقطة ربما تكون غائبة تماما عن الوعي العام لدعاتها.. أقول: إن تطبيق الشريعة فرضًا فوقيًّا من أى سلطة كانت: حكومية أو انقلابية أو دينية، هو محاولة أو تجربة ثبت فشلها على مر التاريخ.. والتفكير بهذه الطريقة سذاجة سياسية قد تؤدى إلى كارثة.. وأصحاب هذا النوع من التفكير فى حاجة إلى أن يفهموا آليات الصراع السياسي للقوى، سواء فى العالم الخارجي أوفى الإطار الداخلي .. فأنت فى معركة تطبيق الشريعة -وقد طرحتها على الرأي العام- لا تملك سوى قوة واحدة هى قوة الشعب وإرادته.. ولا يكفى فى إثبات هذا أن تجادل بالإحصاءات السكانية أوالفروض والتوقّعات.. ولا حتى بالمظاهرات المليونية وحدها.. وإنما لا بد أن تبرز الحجم الحقيقي لقوة الأغلبية التى ستختار الشريعة.. والتى ستتحمل مسئولية الدفاع عنها أمام خصومها السياسيين فى الداخل.. ومستعدة للدفاع عنها أمام أى عدوان خارجي، لأنها حينئذ ستدافع عن شريعتها وكيانها وهويتها التى ارتضتها وتحمّلت مسئولية الدفاع عنها.. وهذه هو قيمة طرح تطبيق الشريعة فى استفتاء عام.. وهذا درس فى آليات الصراع السياسي، لامناص منه، ولا بد أن تقع عليه أذن صاغية وعقول واعية.. فليس بالحماس وحده ولا بالشعارات تُكتسب المعارك السياسية المصيرية...!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.