رغم الغموض, الذي يكتنف استقالة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل, إلا أن تقارير صحفية كثيرة رجحت أن الأمر مرتبط تحديدا بالخلافات داخل إدارة الرئيس باراك أوباما حول مجريات الحرب على تنظيم الدولة "داعش", وتفاقم الأوضاع في الشرق الأوسط. وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن هيغل تعرض لضغوط من أجل تقديم استقالته في 24 نوفمبر, بعد مضي أقل من سنتين على توليه منصبه، وذلك بعد فقدانه ثقة الرئيس باراك أوباما، في ظل التحديات الدولية المتصاعدة, التي تواجه البلاد. وأشارت الصحيفة في تقرير لها في 27 نوفمبر إلى أن هيغل واجه انتقادات بشأن أزمات دولية كتلك التي تعصف بالعراق أو سوريا أو أفغانستان، وأنه واجه خلافات متزايدة مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ومع وزير الخارجية جون كيري، وخاصة في أعقاب إعداد هيغل تقريرا انتقد فيه السياسات الأميركية في سوريا ومناطق أخرى. ومن جانبها، نشرت صحيفة "واشنطن تايمز" الأمريكية مقالا للكاتب كين آلارد في 27 نوفمبر تساءل فيه عن ما قد يعنيه ترك هيغل لمنصبه. وأضاف آلارد " سواء كان خروج هيغل عن طريق استقالة أو إقالة، فإن ذلك يشير في الحالتين إلى أن أوباما غير راض عن أداء المؤسسة العسكرية, في ظل التحديات الدولية, التي تواجه الولاياتالمتحدة". وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية مقالا للكاتب ماكس بوت في 28 نوفمبر قال فيه إن إقالة أوباما لوزير دفاعه ليس من شأنه دعم السياسة الخارجية الأمريكية. وأشار الكاتب إلى الخلافات في أوساط الإدارة الأمريكية، وقال إن بعض مساعدي أوباما يتصرفون وكأنهم قادة ميدانيون، وأن هذا ما شكا منه وزراء دفاع سابقون. وبدورها، ذكرت صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية بافتتاحيتها في 27 نومفبر أن مغادرة هيغل لمنصبه تعتبر مؤشرا على فشل الإدارة الأميركية في مواجهة أعدائها، وأبرزهم تنظيم الدولة في الشرق الأوسط. ووصفت الصحيفة رفض أوباما إرسال قوات قتالية لمواجهة تنظيم الدولة بأنه يعيق الجهود العسكرية لدحر التنظيم, الذي أزهق حياة العديد من المواطنين الأميركيين. وأضافت أن أوباما قد يعتقد أنها سياسة جيدة أن يتفادى المواجهة العسكرية، لكن أعداء أمريكا من المرجح أن يعتبروا ذلك علامة على تزايد عجزها. كما ذكرت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية أن استقالة هيغل جاءت في وقت حرج, حيث تتعرض الإدارة الأمريكية لانتقادات متزايدة من اليسار واليمين لفشلها في معالجة تحديات الأمن القومي, التي تواجهها الولاياتالمتحدة. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 28 نوفمبر أن خروج هيغل لن يحل مشاكل السياسة الخارجية الأمريكية، وأن أوباما بحاجة إلى أكثر من فريق من الموالين. وتابعت "استبدال هيغل يبدو كأنه رد أوباما على هذه الانتقادات, لأن هيغل لم يكن وزيرا نشطا وكان لا بد من إيجاد بديل أكثر ديناميكية"، وأردفت "الإتيان بوزير دفاع آخر من غير المرجح أن يكون كافيا لأن مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية تعانيان أيضا من ضعف القيادة". وكان هيغل قدم استقالته من منصبه في 24 نوفمبر, ونقلت وكالة "رويترز" عن مسئولين أمريكيين قولهم إن هيغل (68 عاما) -وهو العضو الجمهوري الوحيد في إدارة أوباما- قدم كتاب استقالته بعد مناقشات مطولة مع أوباما بدأت في أكتوبر الماضي. ومن أبرز المرشحين المحتملين لخلافة هيغل, وكيلة وزارة الدفاع السابقة ميشيل فلورنوي، وآشتون كارتر النائبة السابقة لوزير الدفاع, اللذين سبق أن ترددت شائعات بأنهما من المنافسين على منصب هيغل قبل تعيينه. وقال مدير مكتب قناة "الجزيرة" في واشنطن عبد الرحيم فقراء إن استقالة هيغل لم تكن مفاجئة بالشكل الذي يصور، موضحا أن هناك العديد من الاختلافات السياسية التي بدت بين هيغل ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. وأضاف فقراء أن بعض المصادر نقلت عن هيغل امتعاضه من مجلس الأمن القومي لأن باراك أوباما يحيط نفسه بمن يوصفون بالموالين له تماما، ولفت إلى أن المصادر ذاتها أكدت أن هيغل كان "يعجز عن إيجاد صوته في مجلس الأمن القومي". كما ذكر مدير مكتب "الجزيرة" أن هيغل كان قد سئل قبل عشرة أيام من استقالته في لقاء صحفي عن هذه الاختلافات وإن كانت ستؤدي إلى استقالته, فأجاب حينها "عندما أستيقظ في الصباح, فإنني لا أشعر بالقلق حول منصبي بل أشعر بالقلق حول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وانعكاساتها على الولاياتالمتحدة". وفي أكتوبر الماضي, قال هيغل أيضا :"إن الحرب التي يقودها أوباما وتحالفه ضد تنظيم الدولة, ربما تقدم هدية على طبق من ذهب للرئيس السوري بشار الأسد". وقال فقراء إن الفترة الأخيرة شهدت خلافات بين أوباما وهيغل, خاصة فيما يخص مسألة تنظيم الدولة، وما إذا كانت الحرب ضده تخدم تنظيم الأسد, وتعد تلك أحد الفروق الجوهرية بين أوباما وفريقه من جهة, وهيغل من جهة أخرى, حيث يرى الأخير ضرورة التحرك عسكريا أيضا ضد نظام الأسد.