المشهد الأول: بوادر توتر بين التيار الإسلامي والسلطة متمثلة في المجلس العسكري، زادت من حدتها وثيقة علي السلمي، تشاورت تيارات الإسلام السياسي التي كانت مجتمعة وقتها على قلب رجل واحد، وأخذوا القرار بالنزول في مليونية بميدان التحرير 18 نوفمبر لرفض الوثيقة، إلا أن الإخراج كان مغايرًا عن النص إلى حد ما، فأعلام "لا اله إلا الله محمد رسول الله" غضت الميدان، وهتافات إسلامية إسلامية، لإيصال رسالة تحذير مستتر إلى المجلس العسكري. المشهد الثاني: قوى تدعو إلى مليونية لم الشمل، لتحقيق الوفاق بين شركاء ثورة 25 يناير، التي تبلورت وتحولت إلى صراعات في لجنة الدستور، وشدة انتقاد القوى الثورية وصدامها مع المجلس العسكري بعد أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، إلا أن الإخراج يغاير النص المكتوب مرة أخرى، ليسيطر التيار الإسلامي على الميدان، وتعلو هتافات "إسلامية.. ويا مشير أنت الأمير"، وكادت تؤدي إلى اشتباكات بينهم والقوى الثورية المشاركة، وأعلن 34 حركة وائتلاف انسحابها من المليونية. المشهد الأخير: جلسوا على طاولة يبحثون سبل مواجهة ذلك النظام، بعد أكثر من عام تعرضوا فيها للاضطهاد، ومن معركة خاسرة إلى أخرى، فلم يجدوا سوى العودة من حيث بدؤوا "الإسلام والشريعة والهوية"، وبالفعل صدرت الدعوة إلى الانتفاضة تحت مسمى "انتفاضة الشباب المسلم"، مستشهدة بقائمة أسموها "أفعال النظام ضد الدين" من منع صلاة الفجر جهرًا وإغلاق أكثر من ألف مسجد، مستثيرين حب الدين لدى الشباب ومطالبهم بالخروج شاهرين مصاحفهم في وجه ذلك النظام. ما بين تلك المشاهد سنوات وأحداث، وظفت في سياقات مختلفة، فبينما اقترنت شعارات "إسلامية.. وتطبيق الشريعة" مع أخرى مسبحة باسم النظام وداعمة له ومبايعة "كما حدث فترة حكم المجلس العسكري"، أو بجوار أخرى تلعنه وتتحدث عن فجوره.
بينما ننتظر بقلق نهاية المشهد الأخير والذي توحي كل المقدمات إلى أنه "مرعب" سواء من حيث أعداد الضحايا والمعتقلين، لاسيما في ظل توعد وزارة الداخلية، أو استجابة الشباب لدعوات العنف التي جاءت من الخارج ومن ثم ستدخل مصر طورًا أكثر خطورة بنتائج كارثية، نتجه بنظره إلى الخلف على المشاهد السابقة والتي مثلت إرهاصات وبوادر لما نخشاه الآن. شهدت مصر خلال الثلاث سنوات الماضية العديد من التظاهرات التي رفعت شعارات دينية، وحذرت من الخطورة التي يواجهها الإسلام، فيلجأ الخائفون إلى الحشد والتهديد، بدرجة قد تصل إلى التشكيك في إسلام من يشهد " أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" لمجرد أنهم على مسافة ما منهم، وغير راضي عن ذلك الخط واصفه ب"الطائفية". لم يبدأ الحديث المدعم بتلك الشعارات بالتظاهر، ولكن مع أول استحقاق عبر ثورة 25 يناير، خلال استفتاء 19 مارس، والتي دعت فيها فصائل التيار الإسلامي إلى التصويت بنعم من أجل المادة الثانية في الدستور والخاصة بالشريعة الإسلامية، وأطلقوا عليها " غزوة الصناديق". أما ظهورها في التظاهرات "مظاهرة قندهار الأولى"، نسبة إلى مدينة قندهار في أفغانستان، كان 18 نوفمبر 2011 (المشهد الأول)، أعقبها أحداث محمد محمود، والتي أدت إلى شق الصف الإسلامي، فبينما رفضت الإخوان المشاركة، شارك فيها السلفيين سواء الجبهة أو الحركات الداعمة للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، إلا أن ذلك الشقاق لم يستمر طويلًا، فسريعًا عادوا للالتحام مع أحداث مجلس الوزراء خلال معركة مجلس الشعب. وبعد عام في 9 نوفمبر 2012 مع وضع الدستور عاد الحديث على السطح مرة ثانية، فمع دعوة بعض الفصائل إلى حذف نص تطبيق الشريعة الإسلامية، دعت القوى الإسلامية إلى مظاهرة في ميدان التحرير تحت شعار "تطبيق الشريعة"، والتي شهدت حشد كبير ومشاركة واسعة، وفيها تهكم "أبو إسماعيل" على وصف مليونياتهم ب"قندهار" قائلًا: "العلمانيون والليبراليون ظلوا طويلا يستفزون الإسلاميين، وصبر الإسلاميون، ولكن بعد أن خرج الناس للميادين، فلابد أن يعلم أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أننا أمام لحظة تاريخية، ولا يصح التنازل عن مطالبنا"، مضيفًا: "أنا عاجبني اسم قندهار وهاستعمله، قندهار الأولى والثانية وقندهار الصبح والليل وقندهار الشتاء والصيف".
وفي عام 2013 احتشد الإسلاميون في ميدان رابعة على الشعارات ذاتها بتكتل كل قواهم عدا حزب النور السلفي، إلا أن مليونية قندهار القادمة "انتفاضة الشباب المسلم" اختلفت حولها قوى الإسلام السياسي فبينما رفضتها الجماعة الإسلامية، وحزب الوسط وحزب مصر القوية، وحزب النور والدعوة السلفية، أعلن الاستجابة لها جماعة الإخوان المسلمين ومن تبقى من أحزاب في التحالف الوطني لدعم الشرعية وبعض الحركات الشبابية. وأرجع خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الإسلام السياسي، إعلان جماعة الإخوان المشاركة الرسمية في انتفاضة الشباب المسلم رغم المطالبات بعدم المشاركة حقنًا للدماء راجع إلى فشل الجماعة في الحشد الفترة الماضية وانخفاض أعداد المشاركين في المتظاهرات وفشل الشعارات التي كانت تحشد بها من الشرعية و أهداف الثورة وغيرها فلجأت إلى شعارات الإسلام والإيحاء بأنه يتعرض لخطر لاستفزاز الجمهور السلفي الذي كان قد اقلع عن مشاركتها واعتزل الحياة السياسية في مجمله.