حرارة اغتيل سياسيًا.. صاحب الجرافيتى الأشهر عثر على جثته مقتولاً.. معوض الشهيد الحي "عالية الرايات يا مْزَيِّفِين عَلَمِى، يالّلى تاجِرْتُوا فى دمّى وفى ألمى، ياللى طفيتوا الشمس فى عيونى وِوَاصِلْتُوا سِكِّتْكُم على قدمى!! والغنوة دايرة والفَرح حافِل، و«شارع الحريّة» مِش قافل، لسه الدِّما مزوَّقَة الأسفلت، يا غفلانين.. الدمّ مِش غافِل!!" لم تكن كلمات الشاعر عبدالرحمن الأبنودى التى كتبها تخليدًا للملحمة الوطنية التى شهدها شارع محمد محمود فى 19 نوفمبر 2011، تختلف كثيرًا عن حال الشارع بعد مرور ثلاثة أعوام، فلازال الشارع ينزف جراح أبطاله الذين فقدوا أعينهم وتوارت عنهم وسائل الإعلام ليعانوا وحدهم فى صمت وأنين. "المصريون" فتحت ملف أبطال محمد محمود الحقيقيين أين ذهبوا؟ وماذا حل بهم بعد أربع سنوات مضت على ذكرى الملحمة التى لا تنسى؟
الشهيد الحى.. معوض عادل يصارع الموت "معوض أخويا ربنا يشفيه أتحسن الحمد لله عن الأول والوعى عنده زاد شوية بس لسه مافقش الفوقان اللى زينا كلنا، ادعوا له ربنا يتم شفاه على خير"، بتلك الكلمات أعاد شقيق معوض عادل، الشهيد الحى، كما يلقبه أصدقاؤه، الأمل مرة أخرى لمحبيه ومتابعيه قبل أيام قليلة من الذكرى الثالثة لأحداث محمد محمود التى أصيب فيها "معوض" إصابة بالغة فقد على أثرها فقد الوعى ليدخل فى غيبوبة تامة منذ يوم 20-11 وحتى الآن، معوض الذى لازال يتمسك بالحياة كان طالبا فى الفرقة الرابعة بكلية الصيدلة، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وبحسب شقيقه فإنه بدأ يستجيب نسبيًا إلا أنه لم يفق كليًا حتى الآن، مؤكدًا أنه أصيب حينما كان يسعف أحد المتظاهرين الذى سلط على وجهه شعاع ليزر ليركض نحوه ويدفعه على الأرض لإنقاذه إلا أن رصاصة القناص أصابته فى رأسه وأدخلته فى غيبوبة تامة حتى الآن، أدت إلى كسر عظام الجمجمة وارتشاح بالمخ، وشلل كامل بالأطراف والدخول فى غيبوبة. والدة معوض أكدت ل "المصريون" أن حالته الصحية تحسنت كثيرًا عن ذى قبل، حيث بدأ يستجيب وتظهر علامات الإفاقة التدريجية عليه قائلة: "أتمنى من الله أن يمن علينا بشفاء معوض الذى لا أنتظر أى شىء فى الدنيا سواه".
رسام جرافتيى محمد محمود.. الراحل الحاضر على أسوار الشارع وكأن لعنة الموت ورائحته تأبى أن تترك أبطال محمد محمود الناجين من لهيب المعركة وشأنهم، حيث راحت تطارد الشاب الصغير رسام الجرافيتى الذى لا يعرفه الكثيرون صاحب أشهر لوحات الجرافيتى بشارع "عيون الحرية" محمد محمود الذى عثر عليه ميتًا بمشرحة زينهم بعد رحلة شاقة من البحث من قبل أصدقائه ليخرج التقرير الطبى "مات غرقاً بالنيل"، ليلحق رزق برفاق الثورة الذين شاركهم ذكريات أحداث أليمة عاشوها بشارع محمد محمود، ترك رزق لمسته الفنية على جدران الشارع حينها، رزق الذى وصف نفسه بكلمات مؤثرة قال فيها "سأبقى أرسم وإن انتهت ألوانى سأرسم بدمى.. لى الفخر أننى أنتمى لتلك الطبقة الكادحة فى مجتمعنا المصرى.. لا أخجل من كونى أعيش فى مكان فقير أو من كونى فقيرًا ماديًا، ولكننى معنويًا من أغنى الأغنياء، لأننى أمتلك الحب لذلك الوطن، لا يهمنى قشورى الشكلية بل أحاول أن أسمو بذاتى إلى الكمال الإنسانى.. "لعلنى أكون ذلك الرجل المنتظر"، كان عضو رابطة فنانى الثورة وكان يحلم بمستقبل حالم إلا أن القدر لم يمهله تحقيقه، حيث نعى نفسه على حسابه الشخصى ب "فيس بوك" قائلا: "لا تحزنوا يا رفاق إن كنت من الشهداء، فإننى اصطفيت لأكون من أهل الجنة.. عنوانى حب بلادى وحب شهيد روى السنابل بدمه"، إلا أن أصدقاء هشام أصيبوا بالصدمة البالغة، مرجحين أن يكون صديقهم تعرض للقتل لموقفه السياسى فى ثورة يناير.
رضا عبدالعزيز مسعف الموتوسيكلات.. فقد نور عينيه "ليه الحقيقة اللى فى عينيا ضايقتك، ما كنش فيها إلا صورتك بالسلاح، جدع يا باشا كسرت صورة حضرتك، بس الحقيقة عاشت أكتر فى الجراح"، ليس كلمات أغنية تحمل فى طياتها جراح مصابين فقدوا نور أعينهم فى أحداث محمد محمود، وإنما هى كلمات رثاء قالها رضا عبدالعزيز فى نفسه حينما أفاقه الأطباء بعد جراحة غير مجدية لإعادة البصر لعينيه التى راحت على أيدى قناص العيون فى أحداث محمد محمود ليحفر اسم رضا من نور فى سجل فاقدى العيون كأحد أشهر المسعفين وسائقى الموتوسيكلات الشهيرة التى كانت مهمتها نقل المصابين وإسعافهم بميدان التحرير بالمستشفى الميدانى، يقول رضا: "ما زلت أذكر الأحداث وكأنها أمس فكل ما كنت أقوم به يومها هو محاولة نقل المصابين وإسعافهم، كما اعتدت أن أفعل منذ بداية ثورة يناير، حيث كنت أقود الموتوسيكل بسرعة كبيرة لإرسال المصابين إلى المستشفيات الميدانية إلا أن فى هذا اليوم تحديدًا اشتعلت مدرعة بوسط شارع محمد محمود، وتعالى الدخان الكثيف وسط إطلاق وابل من النيران من قبل الشرطة، وسمعنا لأول مرة المقولة الشهيرة (اضرب يا باشا جت فى عينه)، حتى شعرت بألم بعينى بعد أن تلقيت ضربة من خرطوش بها ولم أشعر بالدنيا حينها إلا عندما أفقت وأخبرنى الأطباء أننى فقدت بصرى نتيجة لتمزق شبكية العين بعد أن خضعت لعدة عمليات جراحية فشلت تمامًا حتى راودنى الأمل مجددا عندما سافرت لألمانيا وفرنسا، إلا أن العمليات لم تلق نجاحًا فحمدت الله على كل حال".
أحمد حرارة.. أيقونة الثورة يغرد بعيداً عن السياسة لا تصالح.. لو منحوك الذهب أترى حين أفقأ عينيك.. ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى..؟ هى أشياء لا تشترى، لم يكن يعلم الناشط السياسى أحمد حرارة أن مقولة أمل دنقل ستنطبق عليه فى يوم ما حين فقد كلا عينيه فى أحداث محمد محمود الأولى والثانية، ليصبح أيقونة الثورة المصرية وبطلها المثابر، إلا أن اللافت هو ابتعاد حرارة عن الوسط السياسى مؤخراً، خاصة بعد الثلاثين من يونيو، حتى أنه لم يشارك فى ذكرى محمد محمود العام الماضى، وقال حينها: "لن أشارك فى فى دعوات النزول التى أطلقها النشطاء للمشاركة فى إحياء ذكرى أحداث محمد محمود يوم 19 نوفمبر الجارى عند وزارة الداخلية لتخوفى من سقوط دماء جديدة"، مفضلًا الانسحاب من المشاركة السياسة بالنظام الحالى الذى اعتبره "نظامًا لا يختلف كثيرًا عن جماعة الإخوان المسلمين"، مؤكدا فى الوقت نفسه، رفضه للأنظمة العسكرية والملاحقات الأمنية التى يتعرض لها النشطاء فى الفترة الأخيرة، حيث ظهر حرارة منفعلًا بآخر المؤتمرات التى حضرها مؤخرًا بنقابة الصحفيين المنددة بمحاكمة النشطاء عسكرياً، قائلا: "أنا مش هأقف أقول أغيثونا، أنا هعمل بالظبط زى ما عملت فى الميدان، هأقف وراسى مرفوعة وأقول بأعلى بصوت أنا عاوز عدل فى البلد دي، لازم يبقى فى عدل فى البلد دي، وزى لما مكنش فيه عدل والناس نزلت فى 25 يناير ونزلت تانى فى محمد محمود وتالت فى 30 يونيو، أنتوا اللى بتجيبوه لنفسكم".