لا اخترع هنا العجلة من جديد بكلماتي. ولا أي مسؤول يخترع العجلة، بدءً من الرئيس، وحتى أصغر موظف، فلن نأتي نحن بجديد لأن العالم المتقدم سبقنا ووضع حلولا لمشاكله، ولما طبقها بشكل صحيح عالج المشاكل والأزمات، أو جعلها في الحد الأدنى. وما علينا إلا أن نستفيد من تجارب العالم الناجحة ونطبقها عندنا، ولو تطلب الأمر بعض التعديلات لتتناسب مع طبيعة البيئة المحلية والظروف المحيطة فهذا ضروري. الجديد فقط اليوم هو مايفعله الباحثون والمخترعون والمبتكرون في معامل البحث، ومعاهد العلم. والجديد خارج دائرة العلم هي الأفكار المبدعة في تطوير الحلول للمشاكل القائمة، أو المستجدة، السياسية أو الاجتماعية، أوغيرها في المجالات الإنسانية. العالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه لن نجده يختلف كثيرا في طرق النمو، وبناء النهضة، وأساليب العمل الخلاق، وخرائط التقدم، فمثلا المؤشرات الاقتصادية التي يتم تطبيقها على جميع البلدان لقياس مدى تقدمها واحدة، ما يعني أنه ليس هناك خلافات في أسس التقييم، وما يعني أن العالم صار قرية كونية واحدة، ليس في التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة فقط، إنما في الاقتصاد والسياسة والفكر والعلم والفن، لكن بالطبع هناك بعض الاختلافات في الجوانب الثقافية، وفي العادات الاجتماعية، وفي اللغات المحكية. سأدلل على ذلك كله بواحدة من أعقد مشاكلنا في مصر، وأكثرها دموية، ووجعا للقلوب، وإزهاقا للأرواح، وهي مذابح الطرق التي تحصد ألوف البشر سنويا، وتجعل الأسفلت والتراب مخضبين على الدوام بالدماء. هذه مشكلة ليست قاصرة على مصرفقط، بل هي عالمية، لكن العالم يتقدم في التخفيف من حدوثها، وآثارها، ونحن نتقدم في تزايدها، وتعميق آثارها، والعالم مهتم بأروح الناس، ولكن يبدو أننا نفرط في تلك الأرواح، ولا نقيم لها وزنا، وجذور المشكلة وحلولها واحدة في ميانيمار والهند، إلى غانا وموزمبيق، إلى البرازيل وبيرو، وصولا إلى فنلندا وفرنسا وأمريكا وكندا وأستراليا. هي مشكلة ذات 4 أضلاع : سائق، وسيارة، وطريق، وقانون. السائق في أي بلد بالعالم لابد أن يكون مؤهلا للقيادة فنيا وبدنيا ونفسيا وصحيا ومقاييس ذلك واحدة موحدة. والسيارة لابد أن تكون صالحة فنيا وقانونيا والمعايير عالمية أيضا. والطريق لابد أن يكون ممهدا معبدا وفق مقاييس الأمان والسلامة، وهي مواصفات عالمية معروفة ومتعارف عليها. وأخيراً القانون، والقانون هو الردع، وقد اعتبرته الضلع الأخير في المربع لأنه يأتي كنتيجة لعدم الالتزام بالأضلاع الثلاثة السابقة، فالأساس أن يكون السائق مؤهلا ، وسيارته صالحة، وطريقة ممهدا، ثم يكون القانون بعد ذلك لردع غير الملتزم، وإذا توفرت العناصر الثلاثة السابقة فلن نحتاج كثيرا لتغليظ العقوبات في قانون المرور، ولا في أي قانون آخر. تندهش للمصري الذي لا يحترم المرور وقوانينه وتعليماته في بلاده، وتجده الأكثر احتراما له في بلدان الخليج القريبة منا، وليست العقوبات فقط، ولا التزام الجميع بالقانون هو من يدفعه للرضوخ، إنما لأنه لايحصل على رخصة القيادة إلا إذا كان مؤهلا، ولا يتم إجازة سيارته في الفحص الفني الدقيق إلا إذا كانت صالحة فنيا وقانونيا، وأنا اتحدث عن تجربة، ثم هناك الطريق المعقول، ولا أقول النموذجي، وبالتالي تتوفر عوامل الأمان، ثم يأتي بعد ذلك الالتزام العام بقواعد السير على الطريق والالتزام من الجميع، والقدوة يكون ضابط المرور ابن البلد بسيارته المعروفة أمام الجميع المقيم العربي والأجنبي. ماذا عن مصر في تلك المنظومة الرباعية؟. إخفاق كبير، وعشوائية واسعة، وفوضى حقيقية، وغياب للسلطة والدولة والقانون، ولذلك تتوالى الحوادث ذاتها، وبالطريقة ذاتها، وبالدم ذاته، كما تتوالى التصريحات ذاتها، وبالكلمات ذاتها من حكومة لحكومة، ومن عهد لعهد. والحل ليس اختراعا ولا ابتكارا ننتظر خروجه من المعامل، بل هو معروف، ومطبق منذ عشرات السنين في كثير من دول العالم وبعضها أقل درجات منا. متى نكون جادين في إنجاز شيء، أو الالتزام بشيء، ولو صغيرا أو بسيطا ؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.