وزير الأوقاف يؤكد على التعامل بحسم مع أي مخالفة لتعليمات خطبة الجمعة    رئيس الوزراء يلتقي «البلشي».. ويؤكد احترامه لمهنة الصحافة ولجموع الصحفيين    جامعة أسيوط: نشرنا 2320 بحثا دوليا خلال 2023 أغلبها في مجلات المربع الذهبي (Q1 وQ2)    وزير الري: نبذل جهودا كبيرة لخدمة ودعم الدول الإفريقية    رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024.. الموعد وطريقة حساب الدرجات    "البنك المركزي المصري" يتجه نحو استقرار سعر الفائدة.. توقعات لاجتماع مايو 2024    8 اختصاصات ل "الجمعية العامة العادية" لصندوق التأمينات الخاصة بالقانون الموحد    سعر العنب والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 23 مايو 2024    الأزهر يرحب بإعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية    ابنة قاسم سليماني تقدم خاتم والدها ليدفن مع جثمان وزير الخارجية عبد اللهيان    قطر تصدر سندات خضراء بقيمة إجمالية بلغت 2.5 مليار دولار    تشكيل فيوتشر لمواجهة الزمالك في الدوري المصري    من الجمعة للثلاثاء | برنامج جديد للإعلامي إبراهيم فايق    الجودو المصري يحجز مقعدين في أولمبياد باريس 2024    بعد اتفاقه مع يوفنتوس.. بولونيا يعلن رحيل تياجو موتا رسميًا    حقيقة العثور على هياكل عظمية يشتبه في كونها للحمير بقنا    "انخفاض 5 درجات".. بيان سار من هيئة الأرصاد بشأن طقس نهاية الأسبوع    فيديو أشعل السوشيال ميديا.. ضبط شابين عذبا كلبًا بطريقة بشعة في عابدين    استعدادًا لانطلاقه قريبًا بدور العرض السينمائية.. إطلاق البوستر الرسمي للفيلم الكوميدي العائلي جوازة توكسيك    أجمل عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024 قصيرة وأروع الرسائل للاصدقاء    أحمد الفيشاوي في مرمى الانتقادات من جديد.. ماذا فعل في عرض «بنقدر ظروفك»؟    بالفيديو.. ماريتا الحلاني تلعب دور جاسوسة تلاحق فرقة أدونيس في «حفضل أغني»    بمناسبة أعياد ميلاد مواليد برج الجوزاء.. 6 أفكار لهداياهم المفضلة (تعرف عليها)    محافظ أسوان يكلف السكرتير العام المساعد بتفقد أعمال القافلة الطبية المجانية بعرب سهيل    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    صعود الأسهم الأوروبية ومؤشر التكنولوجيا يقود مكاسب القطاعات    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    «يرجح أنها أثرية».. العثور على مومياء في أحد شوارع أسوان    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    امتحانات الثانوية العامة 2024.. ماذا يحدث حال وجود فراغات بإجابة أسئلة «البابل شيت» وعدم تظليلها جيدا؟    موسم الحرب والغناء و303 على مسرح قصر روض الفرج.. الليلة    محافظ أسيوط يناشد المواطنين بالمشاركة في مبادرة المشروعات الخضراء الذكية    زغلول صيام يكتب: من فضلكم ارفعوا إعلانات المراهنات من ملاعبنا لحماية الشباب والأطفال وسيبكم من فزاعة الفيفا والكاف!    حسين لبيب: اتحمل مسؤولية إخفاق ألعاب الصالات فى الزمالك    الأزهر للفتوى يوضح فضل حج بيت الله الحرام    وزير الدفاع: القوات المسلحة قادرة على مجابهة أى تحديات تفرض عليها    الكشف على 1021 حالة مجانًا في قافلة طبية بنجع حمادي    أكرم القصاص: لا يمكن الاستغناء عن دور مصر بأزمة غزة.. وشبكة CNN متواطئة    الملك تشارلز يوافق على حل البرلمان استعدادا للانتخابات بطلب سوناك    مع عرض آخر حلقات «البيت بيتي 2».. نهاية مفتوحة وتوقعات بموسم ثالث    ننشر حيثيات تغريم شيرين عبد الوهاب 5 آلاف جنيه بتهمة سب المنتج محمد الشاعر    أيام قليلة تفصلنا عن: موعد عطلة عيد الأضحى المبارك لعام 2024    هل يجوز شرعا التضحية بالطيور.. دار الإفتاء تجيب    رئيس وزراء أيرلندا: أوروبا تقف على الجانب الخطأ لاخفاقها فى وقف إراقة الدماء بغزة    أوستن يدعو وزير دفاع الاحتلال لإعادة فتح معبر رفح    تريزيجيه: أنشيلوتي طلب التعاقد معي.. وهذه كواليس رسالة "أبوتريكة" قبل اعتزاله    تاج الدين: مصر لديها مراكز لتجميع البلازما بمواصفات عالمية    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين بجنوب سيناء    تعاون بين الجايكا اليابانية وجهاز المشروعات لتطوير المشروعات الصناعية بمصر    جامعة النيل تستضيف ورشة عمل حول «الظاهرة الثقافية لجمع المقتنيات»    «مش عيب والله يا كابتن».. شوبير يوجه رسالة لحسام حسن بشأن محمد صلاح    المراكز التكنولوجية بالشرقية تستقبل 9215 طلب تصالح على مخالفات البناء    أمين الفتوى يوضح ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تعليم القاهرة تعلن تفاصيل التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الأبتدائي للعام الدراسي المقبل    جوزيب بوريل يؤكد استئناف جميع الجهات المانحة بالاتحاد الأوروبي دعمها لوكالة الأونروا    الداخلية تضبط 484 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1356 رخصة خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة الأزهر ومخاض الإخوان المسلمين–ريتا فرج
نشر في المصريون يوم 28 - 06 - 2011

لم يشهد تاريخ الأزهر الحديث، هذا التحول النوعي في رؤيتة لجدلية الدين والدولة، كما يحدث الآن إثر إصدار الوثيقة التأسيسية التي تضمنت سياقاً تجديدياً لم يأخذ حقه من الدرس في ظل انشغال العالم العربي بحركاته الاحتجاجية الواعدة.
أربعة مفاصل أساسية ركزت عليها الوثيقة: دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة؛ عدم خوض الإسلام التاريخي لتجربة الدولة الدينية الكهنوتية كما حدث في الثقافات الأخرى؛ اعتماد النظام الديموقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر؛ الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية. والحال ما أبرز المؤشرات التي يمكن استنتاجها من هذه الوثيقة؟
النقطة الأولى، تتعلق بدعم الدولة الوطنية، ما يعني قبول الدستور الوضعي والقوانين الوضعية وربطهما بتطور مفهوم الشورى في الإسلام، أي إن مبدأ الشورى الذي أقره القرآن «وأمرهم شورى بينهم» لا ينفصل عن التطور التاريخي، الذي يستدعي مواءمة النص المقدس مع متغيرات العصر؛ وحين نفت الوثيقة وجود الدولة الدينية، فإن هذه الخلاصة صحيحة لعدة أسباب، أولها، أن الخلافات التي تعاقبت على ديار الإسلام لم تحكم باسم الدين، بل وظفت المعطى الديني لصالح الدنيوي؛ ثانيها، بعد استيلاء معاوية على السلطة، والتأسيس للملك العضوض، وللتوريث السياسي، عرف الإسلام تجربة من نوع آخر، أشار إليها محمد أركون في معالجته لمسألة «الإسلام والعلمانية» إذ قال «إن الإسلام بذاته ليس مغلقاً على العلمانية، عندما استولى معاوية على السلطة السياسية، تشكلت عن ذلك إيديولوجيا التدبير التي تعطي للحاكم الحق في كل شيء باسم الدين، هذا الأمر وغيره من الخلافات حول السلطة ليست إلا عملاً واقعياً لا علاقة له بأية شرعية غير شرعية القوة»؛ ثالثها غياب الكهنوت المؤسساتي في الإسلام مقارنة بالمسيحية الغربية التي خاضت هذه التجربة قبل اجراء الفصل القاطع بين السياسي والديني.
النقطة الثانية، تؤكد فيها الوثيقة على اعتماد النظام الديموقراطي والإقرار بالتعددية. ثمة جوانب حداثوية مهمة يمكن قراءتها على هذا المستوى؛ متعلقات الديموقراطية والتعددية بحد ذاتها تستبطن بعداً نقدياً جاداً، فهي من جهة تنادي بنظام ديموقراطي، ومن جهة أخرى تدعو إلى اعتماد الأسس المعاصرة للعملية الانتخابية، ما يؤدي إلى توسيع دائرة التعددية، ويدشن لقيام الدولة المدنية، من دون أن يسمح ذلك بتكريس «الشورقراطية»، أي أسلمة الديموقراطية على اعتبارها من وحي الشورى، كما فعل الكثيرون من المفكرين العرب ومن بينهم توفيق الشاوي.
النقطة الثالثة، والأهم، احترام الحريات والرأي الآخر والديانات السماوية. على شاكلة مجمع الفاتيكان الثاني، الذي انعقد ما بين عامي 1962- 1965 والذي حدد موقف الكنيسة الكاثوليكية من القضايا المستجدة، وفي طليعتها حقوق الإنسان والحرية وتطوير علاقات الكاثوليكية مع متطلبات العالم الحديث، دلت وثيقة الأزهر الشريف على نظام دلالي، يتمثل بصيانة حرية الآخر، السياسي، والديني، ورغم أن الإسلام يعترف بالديانات الإبراهيمية الثلاث على مستوى النص المقدس، فإن أهمية هذا المعطى تنبع من راهنيته، خصوصاً أن مصر قبل ثورة يناير وبعدها عانت الكثير من إثارة المسألة الطائفية، ووثيقة الأزهر إن دلت على شيء، فعلى المساواة أمام الله والدولة.
ولكن أين هي جماعة الإخوان المسلمين من كل ذلك؟ خطاب الإخوانية المصرية يبدو حتى اللحظة شديد الالتباس، وقبل إعلانهم عن تأسيس حزب الحرية والعدالة، رفعوا شعار «الإسلام هو الحل» تحديداً في الانتخابات التي خاضوها العام 2005؛ الشعار الذي أرعب الأقباط، وتخوف منه العلمانيون، أتاح للجماعة تحقيق انتصار غير متوقع في مجلس الشعب، قطفت ثماره من إمبراطورية الرعاية الاجتماعية، عند الطبقات الفقيرة والمهمشة. كعادتهم يبدي الإخوان الكثير من البراغماتية، على مستوى الأداء السياسي، من دون أن يحددوا موقفهم الواضح تجاه مفاهيم مختلفة من بينها الديموقراطية والدولة الحديثة وحقوق المرأة وطبيعة المجتمع المدني الذين ينادون به. الإخوان اليوم يسعون إلى تلميع صورتهم، في الداخل وأمام الغرب، لكن رهانهم على صانع القرار الغربي لا سيما الأميركي، لا يبدو حتى الوقت الراهن متاحاً، ولعل الشهادات التي أدلت بها مجموعة من الخبراء في قضايا الحركات الإسلامية أمام الكونغرس الأميركي في 13 نيسان/ أبريل الماضي تشير إلى صحة هذه الفرضية، ومن بين هؤلاء روبرت ستالوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، فقد خلص إلى أن الإخوان أدركوا أن مصر ما بعد مبارك توفر لهم فرصة استئناف نشاطهم السياسي بعد عقود من العلاقات المتوترة مع القيادة العسكرية، وأن هناك ما يبرر القلق العميق بشأن الظهور المحتمل لجماعة الإخوان المسلمين كلاعب رئيسي أو حتى منظمة سياسية تسعى إلى إعادة تنظيم المجتمع المصري بطريقة إسلامية. ويضيف ستالوف أن الجماعة سوف تستغل أي فرصة تسنح لها رغم تخليها عن العنف، نتيجة صراعها مع النظام السابق، لكنها في حال حققت قوة سياسية كبيرة الأكيد أنها ستستخدمها لتحويل مصر لمكان مختلف. ويقارب ستالوف نظريته من التجربة التركية التي تتحول تدريجياً عن الدولة العلمانية إلى الدولة الإسلامية، وفي نهاية شهادته دعا ستالوف واشنطن إلى الحذر من دمج جماعة الإخوان في الحياة السياسية المصرية. إلى ذلك يعاني الإخوان من صراع داخلي بين الجيل القديم وجيل الشباب؛ والصراع يدور حول الموقف من حرية الرأي ومرجعية الدولة المدنية والمساواة. ولا نعلم إذا كان الطاقم القديم يسير فعلاً على هداية حزب العدالة والتنمية، ولا نعلم إذا كان بإمكانهم إجراء مراجعة مؤلمة تحدد طبيعة أولوياتهم بعد سقوط النظام السابق. ومعلوم أن حزب العدالة والتنمية وصل إلى السلطة من دون أن تحل كارثة تهدد علمانية الدولة، على عكس ما حذر منه ستالوف. الواقع الجديد يحتم على الاخوانية المصرية الإصغاء للمستجدات، وهم يبدون بعض المرونة ويحاولون التماهي مع الأنموذج التركي ولكن بحذر شديد. الاخوان تراجعوا عن رفع شعار الإسلام هو الحل، فما الذي حتمّ عليهم نسف خطابهم التقليدي؟ يرى صادق جلال العظم في مقاربته لتحول الاخوانية المصرية، أن الحداثة الأوروبية المنشأ فرضت نفسها عليهم، ولكنها أدت إلى ظهور الحركات السلفية على السطح في مصر بعد ثورة يناير، «والسلفية تحاول استعادة المواقع التي خسرها الإسلام السياسي لصالح الحداثة»، وهذا ما يطلق عليه صاحب «ذهنية التحريم» «الديالكتيك النازل».
ربما تكون وثيقة الأزهر التأسيسية بمثابة الرد على الإخوان المسلمين، خصوصاً أن الخطوط العريضة للوثيقة تمّ صوغها من قبل مثقفين مدنيين وعلماء الأزهر، وهذه هي المرة الأولى التي تشترك فيها المؤسسة الدينية الرسمية مع مدنيين لتحديد مستقبل مصر، وطبعاً لم تشارك قيادات الجماعة في إعدادها. يبقى أن الاخوانية المصرية أمام تحديات مفصلية، فهي أولاً، الحركة الأم لبقية التيارات الإسلامية التي تؤمن بالعملية السياسية، وبالتالي فإن أي مراجعة نقدية قد تجريها ستؤثر في بقية فروعها، ولا بد لها ثانياً، من تحديد خارطة طريق واضحة، تقارب فيها بشكل دقيق رؤيتها حول الديموقراطية والدولة المدنية وحقوق المرأة وتداول السلطة والموقف من الأقباط ومن الغرب.
نقلا عن السفير:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.