فى زمن تختلط فيه القيم والمبادئ, وتتوه فيه الحقيقة وسط السراب, ويشيع فيه الكذب وقول الزور, وتضيع فيه الكرامة, هذا الزمان الذى اُبتلينا فيه بمن يرفعون فيه شعار الدنيا مصالح ياعم صالح, فى زماننا هذا تقزمت مكانة الدول العربية وتراجعت فيه رؤاها الاستراتيجية, وماتت عند حكام العرب إرادتهم السياسية, وتولى سياستهم الخارجية رجال ليس لهم دور فعال ولا رأي مسموع. سياساتها الخارجية أصبحت تحكمها الأهواء والمصالح الشخصية, تلك السياسة التى أوصلتنا لأن نكون ملطشة الغرب, حتى دول أوروبا التى لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرر, وليس لها مع الولاياتالمتحدة رأى ولاكلمة, إلا ماتراه أمريكا وتأمر به سيدتها, أصبحت دول غرب أوروبا تتحكم فى مصائر العرب, وتمن عليهم كلما قدمت لهم أية مساعدات, وتريد أن توجه دول الربيع العربى, كما شائت ملوحة لها بالمنح والمساعدات, تريد أن تكمم أفواه الثورا العرب, وتجرهم إلى بئر التبيعة والخضوع, تريد من الحكام الجدد أن ينهجوا نهج سابقيهم, من الحكام المخلوعين, وتهددهم بصورة غير مباشرة, مشيرةً بحزمة المساعدات التى لم تقدم منها شئ حتى الآن, تناست دول الاتحاد أن تلك الدول خلعت قياداتها العميلة, وجاءت بقيادات جديدة بإرادة شعبية, تلك الإرادة التى تنفست نسيم الحرية, وذاقت طعم الكرامة والعزة, ولن تقبل أن تصير تابعة ذليلة كما كانت أو تترك سياستها الخارجية تحركها الأهواء. ففى تصريح مستفز لديفيد لدينجتون - وزير أوروبا فى الحكومة الإنجليزية - يبين مدى الصلف والغرور الذى تتعامل به دول الاتحاد مع العرب, يقول أن الاتحاد الأوروبى يجب أن يوقف المدفوعات لدول الربيع العربى التى لاتنفذ اصلاحات سياسية واقتصادية, ونسى الرجل أن يوضح نوعية الاصلاحات التى يتكلم عنها, هل هى الاصلاحات التى تخدم مصالح دول الاتحاد وأمريكا أم الاصلاحات التى تصب نتائجها فى اقتصاد بريطانيا أم هى الاصلاحات التى تخدم هداف وطومحات الدول المعنية وهو رأى مستبعد تماما. الوزير البريطانى نسى أن يحدد هل الإصلاح المرغوب يمكن أن يؤدى لتقدم الدول العربية, ويضعها على الطريق الصحيح للتنمية والاستفادة القصوى من خيراتها وثرواتها, بدلاً من تصديرها لدول الاتحاد كمادة خام بأرخص الأسعار ثم إعادتها لدول جنوب المتوسط بأعلى الأسعار, نسى الوزير أن يخبرنا هل هذا الإصلاح الغربى سوف يؤدى للإكتفاء الذاتى والاعتماد على النفس فى إنتاج الغذاء, ويؤدى لتطوير منظومة الصناعات العربية ويحولها من دول مستهلكة زراعيا وصناعياُ وتكنلوجيا لدول مصدرة لنفس المنتجات التى يصدرها الاتحاد, أم أن هذا الإصلاح لن يؤدى إلا إلى فتح المزيد من الأسواق العربية للمنتجات الأوروبية. يقول أن دول الاتحاد كانت تنفق حوالى 1.5مليلر يورو سنويا لمساعدة دول فى العالم العربى وشمال أفيقيا, وهو مبلغ لايذكر إذا أراد إصلاح سياسى واقتصادى حقيقى, وليس إصلاح شكلى لا يؤدى لأى تطور أو تقدم ملموس للدول العربية. الوزير لم يقل لنا إنّ الإصلاح الذى يريده الاتحاد, هو إصلاح يؤدى لرجوع الأنظمة الجديدة لأحضان الدول الغربية, إصلاح يغير الشكل لكن المضمون كما هو, إصلاح يعود بنا لتبعية سياسية واقتصادية من دول جنوب المتوسط لدول الغرب المتحفز. هذا الإصلاح الذى يريده الغرب, إصلاح خالى من الإرادة والقدرة على التغيير, هم يردوا الإصلاح لكن من منظور أوروبى, منطلق من الحاجة إلى الثروات الطبيعية التى تتمتع بها الدول العربية, والتى تعودت دول الغرب على الحصول عليها والاستئثار بها, دون أن يشاركهم فى تلك الثروات دول أخرى خصوصا دول شرق أسيا, دول أوروبا لا يحركها الحب والخوف على مستقبل العرب, ولكن ما يحركها هو المصلحة والمنفعة التى تعود من العرب عليها. عبدالباقى الدوى كاتب مصرى