أثارت مبادرة محمد العمدة، البرلماني السابق، المفرج عنه منذ أيام، التي دعا فيها إلى "ضرورة إجراء مصالحة وطنية بين السلطة الحالية وجماعة الإخوان المسلمين"، والاعتراف برئاسة عبدالفتاح السيسي كمرحلة انتقالية وتعديل قانون التظاهر، الجدل فى الأوساط السياسية. وفى الوقت الذى اعتبرت الأحزاب الليبرالية والمدنية المبادرة، تعكس تراجع جماعة "الإخوان" وأنصارها من الإسلاميين، رفض إسلاميون المبادرة، واصفين إياها بأنها "مبادرة المذبحة وليست المصالحة". واعترض السفير إبراهيم يسري، رئيس جبهة الضمير، على مصطلح "مصالحة" قائلاً: إنه لفظ دارج خاطئ والأصح هو "تسوية"، نافيًا أى تفاهمات تجرى حاليًا بين الإسلاميين والنظام الحالي، موضحًا أن التسويات التي تجرى بين الطرفين يفوز فيها الطرف القوى على الضعيف. وأضاف ل"المصريون"، أن "السلطة الحالية لا تقبل أى تسويات فى الوقت الراهن"، مشيرًا إلى أنه قدم شخصيًا ثلاث تسويات قوبلت بالرفض من جانب النظام الموجود، واصفًا العمدة بأنه "رجل طيب ونقى ولكن مبادرته لن يقبلها الطرفان". من جانبه، رحب الدكتور خالد سعيد، رئيس "الجبهة السلفية"، والقيادى ب "التحالف الوطنى لدعم الشرعية"، بأي مبادرة صادقة تكون فى مصلحة الوطن، قائلاً: "المصلحة الوطنية هي مقصدنا ولكن هذه مبادرات مذبحة وليست مصالحة". مع ذلك وصف مبادرة العمدة بأنها "محترمة لأنها صادرة من رجل محترم، لكن لن تُقبل لوجود شهداء وقتلى ومصابين ولم يقتص لهم إلى الآن"، مشيرًا إلى أنه "لايمكن القبول بأي مبادرات أو مصالحات مع الظلمة"، بحسب تعبيره. فيما اعترض يسرى حماد، نائب رئيس حزب "الوطن"، والقيادى ب "تحالف دعم الشرعية" على توقيت المبادرة التي تقدم بها العمدة، قائلاً: "كنت أود لو سألت إخوانك أولاً عما تم بخصوص المبادرات التي قُدمت من قبلُ، قبل أن تطرح مبادرتك، وكنت أتمنى أن تنتظر فترة من الزمن لتستعيد عافيتك". وأضاف: "لمن لا يعرف، الرجل ليس قياديًا بالإخوان، بل هو رجل، متدين، مصري، صعيدي، بسيط". فى نفس الإطار، قال محمد محسوب، وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية السابق، إن "كل مصرى يسعى لمصالحة أيا كان رأيى فيها.. لا يسعنى أن أشكك بنيته.. لكن كثرة الحديث عن المصالحة لن يحققها وإنما ما يقربنا إليها هو الإجابة على أسئلة أعرف أنها صعبة لكنها علاج مر لابد من تناوله للتخلص من مرض عُضال". السؤال الأول: من سيدير إجراءات ومرحلة المصالحة؟ هل هو نفسه من اتخذ قرارًا بقتل آلاف أو على الأقل مئات المصريين فى سويعات؟ وهل يمكن أن يُساعد ذلك على تحقيقها أم يؤدى لدفنها؟! السؤال الثانى: هل ستشمل المصالحة تعويضًا للشعب المصرى عما فقده – ليس فقط من شهداء ومعذبين – لكن أيضًا نزيف أمواله وثرواته التى بلغت – خلال 14 شهرًا – حوالى ترليون جنيه مصرى (مائة وثلاثين مليار دولار تقريبًا)؟! هل ستلتزم الدول التى دعمت الانقلاب ورجال الأعمال الذين مولوه، مثلاً، بأن يتضامنوا معًا لوضع خطة لتعويض الشعب عما فقده من خيراته؟! أم المصالحة ستعنى استمرارهم فى استرداد فاتورة دعمهم للانقلاب بغض النظر عن المخاطر الكارثية التى تحيق بعيش المصريين؟! السؤال الثالث: كيف تمكن محاسبة الإعلاميين الذى أداروا ماكينة الكراهية وأحلوا لمصريين قتل مصريين؟! هل سيُترك لهم مهمة الترويج للمصالحة؟ وهل لديهم المصداقية لذلك؟ وهل من ضمانات لعدم استعمالهم لقتل أى احتمال للمصالحة؟ هل يضمنهم أصحاب مبادرات المصالحة؟ السؤال الرابع: إذا كان القضاء سيتحمل الجانب الأكبر فى التسويات الضرورية للمصالحة؛ كيف يمكن إعادة ترتيب البيت القضائى بحيث لا يتحكم فى مصائر الناس من صنع خصومة بينه وبين جزء من الشعب، ومن أشعر الكثير من المصريين بأنهم خصومه لا قضاته؟ السؤال الخامس: كيف سيكون وضع القيادات العسكرية الذين أعطوا أوامر بالقتل والجرح والتعذيب؟ هل سيُتركون يكملون عملهم أم ستتم محاسبتهم أم سيتم الاستغناء عنهم؟! لا أسأل عن الضباط والجنود من الدرجات الأقل وإنما عن عدد معيّن من القادة أصبح الشعب يعرفهم بالأسماء وتضمهم التقارير الدولية فى اتهاماتها؟ السؤال السادس: ما أدوات التحول من الحالة الدكتاتورية والفوضوية التى تحياها الدولة إلى حالة استقرار وحرية وضمان للحد الأدنى من حقوق المصريين (سياسية واقتصادية)؟! هل باستمرار المسيرة الحالية التى خلقت هذه الفوضى أم بالاتفاق على مسيرة جديدة بإجراءات جديدة؟! لم يسمع أحد بأن أى مبادرة للمصالحة تضمنت (خارطة طريق) جديدة يمكن مناقشتها بعقلانية. السؤال السابع: هل يمكن أن تنجح المصالحة بمجرد دعوة الضحايا للقبول بالأمر الواقع؟! وهل من ضمانات (لدى من يطرح المبادرات) بأن من يُمسك بزمام السلطة ويستخدم القوة سيجيب على أى من الأسئلة السابقة؟ أم أن هذه الأسئلة ليس وقتها.. وأن المطلوب الآن هو فقط القبول بالأوضاع القائمة المختلة والتى لا تُبشر بأى خير فى أى مجال؟! وعلق محسوب "بالتأكيد هناك أسئلة أخرى يمكن طرحها ومناقشتها سويًا.. لكن الإجابة على تلك الأسئلة السبعة ربما تجعل كثيرين يُنصتون للمبادرات.. أما الحديث عن مبادرات بينما السلطة المتحكمة فى رقاب الناس ومعاشهم ماضية فى طريق فرض نفسها بقوة السلاح لن يكون سوى إهدار للوقت وحديث طرشان"، وفق تعبيره. وبحسب بيان أصدره البرلماني السابق محمد العمدة، أمس، أرجع أسباب تقديم مبادرته إلى أن "السياسة تقتضي قدرا من المرونة"، فيما قال مصدر مقرب من العمدة إن "المبادرة ستقدم الأسبوع المقبل للإخوان ومؤسسة الرئاسة بمصر". ودعا العمدة في بيانه السلطة الحالية، إلى "ضرورة إجراء مصالحة وطنية تتضمن 7 مطالب يرفعها المعارضون من جانب أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي والتيارات المعارضة بمصر". والمطالب السبعة، بحسب العمدة، هي "(تحقيق) حقوق الشهداء، والإفراج عن المعتقلين، والاعتراف بشرعية جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للجماعة)، وتوفير المناخ الديمقراطي للعمل السياسي، وتعديل قانون التظاهر، وإدخال تعديلات على قانون الانتخابات تكفل إجراء انتخابات برلمانية نزيهة، والاتفاق على آلية لتعديل الدستور تكفل التوافق الشعبي حول نصوصه".