عاد الجدل بشأن ما إذا كان تنظيم "داعش" موجودا في مصر.. ولكن بشكل يعكس ولأول مرة قلقا رسميا يمكن ملاحظته من خلال ما يطلق عليه الآن "الإعلام الأمني".. وهو غالبا ممثل في معظم الفضائيات المملوكة لرجال أعمال مصريين على علاقات وثيقة بأخطر رجل استخبارات عربي موجود في الإمارات الآن وهو الجنرال الفلسطيني الهارب محمد دحلان.. والذي أسند إليه مشايخ الإمارات ملف اجهاض الثورات في دول الربيع العربي. لقد تواترت النداءات عبر هذه الفضائيات تستجدي من الإعلاميين عدم طرح سؤال داعش.. وتطالبهم بتسريب ما يفيد بأن مصر "خالية من التنظيم".. وعلينا أن ننام قريري الأعين.. لأن الأمن عندنا "مصحصح" وأنه "لن يعطي شرف لأي إرهابي من داعش أن يوجد على أرض مصر أو يعبر الحدود".. بحسب ما قاله إعلامي "زاعق" في إحدى هذه الفضائيات. والمدقق في مثل هذا الخطاب الإعلامي.. يكتشف لتوه بأنه طبعة مستنسخة من إعلام الستينيات الذي جلب النكسة وأضاع عام 1967 فلسطينوسيناء والقدس والضفة الغربية والجولان.. أمام مليشيات إسرائيلية كانت تشبه في ذلك الحين "داعش" في صورتها الحالية. غير أن السؤال الذي يزعج المصريين يتعلق بشأن الضمانات.. وبمعنى آخر: من في الدولة بإمكانه تقديم "شهادة ضمان" بخلو البلد من داعش؟! مصر بفضل سياساتها الحالية باتت محاطة بسياج إقليمي يحمل لها إما عداءا تاريخيا "إسرائيل". وإما كراهية النظام وعلاقات ثأر معه قد تكون مطمورة مؤقتا "حماس" في الشمال.. والسودان في الجنوب.. وليبيا في الغرب.. وكلها مناطق مكتظة بنشاط غير مسبوق للجماعات السلفية والجهادية المقاتلة. ومن الواضح أن مصر لا تملك خرائط دقيقة لعدد تلك الفصائل وأنواعها وجيناتها التنظيمية والأيديولوجية.. لا في سيناء ولا في ليببا ولا في العمق الإفريقي المتماس جنوبا مع الحدود المصرية.. في ظل توالد بكتيري يومي لتنظيمات جديدة تربك أي جهاز أمني وتنهك قدراته على فهم ما يحدث حوله من أنشطة. المخابرات الأمريكية ذاتها مرتبكة الآن ومصابة بالضبابية في فهم معنى "القاعدة".. بعد أن ظهرت عشرات الطبعات المستنسخة منه.. ولا يدري المهتمون بملفها ما إذا كانت تتنمي إلى القاعدة الام.. أم تحمل جينات خططية واستراتيجية مغايرة لها. وتعتبر "داعش" أفضل نموذج لاكتشاف تخلف الأنظمة الأمنية عالميا ومحليا وعجزها عن تكوين صورة تقربها من حقيقة التنظيم.. فلا يزال السؤال مطروحا بلا إجابة حول ما إذا كانت "داعش" قاعدية أم حالة مغايرة ومختلفة تماما. أضف إلى ذلك الارتباك الواضح في تحديد تاريخ نشأة التنظيم وأسباب وجوده، ولا زالت هذه الأسباب تراوح مكانها بالاعتماد على التفسيرات الكسولة والتي ربما تكون جزءا من الحقيقة ولكن تتعامى عن أجزاء أخرى أكثر أهمية: إذ لا يوجد حتى الأن تفسير يجعل المراقبين يقبلون بما يتردد بشأن دور المخابرات السورية والإيرانية في تأسيس التنظيم في الوقت الذي تستولي فيه داعش على المناطق ذات الثقل المالي والاقتصادي وبقوة السلاح في سوريا.. وتهديدها القوي والخطير للنظام الشيعي الموالي لإيران في بغداد واستيلائها على أراض عراقية وسورية تعدل مساحة لبنان خمس مرات.. فيما لا يجزم أي خبير في حركات "الإسلام السياسي".. ما إذا كانت "داعش" العراق خلاف "داعش" سوريا.. وطبعاتها المختلفة التي أعلن عنها مؤخرا في لبنان والأردن ومصر وليبيا وفي غيرها من بلدان عربية. فأي كلام عن خلو مصر من "داعش".. سيكون محض "رطرطة" لا علاقة له بأي كلام موضوعي وعلمي.. وهو في النهاية تخدير للرأي العام.. وتضليل للأجهزة والمؤسسات المصرية المناط بها مكافحة الإرهاب. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.