في مصر ما بعد الثورة يجب أن نحرص على التخلص بشكل نهائي من سمة مذمومة نمت وترعرعت وتبوأت مكانة عالية ، خلال العقود الماضية وهي ما يمكن أن نطلق عليها ثقافة "التطبيل". والمقصود بثقافة التطبيل التي اشتهرت خلال العقود الماضية ، تمجيد وتأليه المسئول أو المدير أو كل من يسلط عليه الضوء من أعلام المجتمع في مختلف المجالات والتسبيح بحمده والتصفيق والتهليل له عند كل حركة وكلمة عند كل مناسبة والحرص على تملقه بل وحشد الحشود لاستقباله عند وصوله إلى احتفال أو إلى مطار ناهيك عن كتابة المقالات وإعداد اللقاءات التلفزيونية وغيرها التي ترفع هؤلاء إلى السماء والسبب في ذلك يكون في أغلب الأحيان وجود مصالح مشتركة بين "المطبلين" و"المطبل لهم" . وهناك محترفون للتطبيل وهم المنتفعون الذين لا يملكون المؤهلات الكافية لتسليط الأضواء عليهم مع علمهم بذلك جيدا ولذلك فهم يلجأون لهذه السياسة أملا في تلميع الآخرين لكي يستفيدوا من صعودهم ،والاستفادة تكون عن طريق العديد من الصور سواء مادية أو غيرها ويكونوا كالطفيليات التي تعيش وتتغذى على مجهود الآخرين ، وهناك "مطبلون" غير محترفين وهم السائرون في الركب الذين يرون الآخرين يمارسون التطبيل فينضمون إليهم إتباعا لسياسة القطيع فلا هم استفادوا بشكل شخصي ولكنهم بشكل عام يضرون بالصالح العام وهم لا يدرون . وللأسف بعد انهيار النظام السابق فلازالت سياسة التطبيل هي السائدة وتبدو بشكل صارخ في وسائل الإعلام وفي المجالات الأخرى أيضا ، فما زال الكثيرون من مدمني التهليل والتصفيق يطبلون لأي قرار سواء كان صحيحا أم خاطئا من أجل مجرد التملق ،ولا تزال هذه الثقافة أيضا منتشرة على المستوى الفردي ،فمثلا الندوة التي عقدها الدكتور أحمد زويل في الجامعة الأمريكية،عقب الاعلان عن تأسيس مدينة زويل العلمية ، رأينا من يطالب بلا استحياء باستبدال اسم مراكز أبحاث " سوزان مبارك " بمراكز "أبحاث احمد زويل " ،ورأينا من هتف لزويل لمطالبته بالترشح للرئاسة ، إلا أن الرجل الذي لم يعتد على هذه الثقافة رد بحزم وحسم على هذه المحاولات التطبيلية .وكما كنا نرى من يخرج لاستقبال الفرق الرياضية الخاسرة في المطار بزفة ويحمل المدرب الفاشل على الأعناق رأينا من يخرج إلى المطار ليستقبل مذيعة كانت قد خرجت من البلاد بفضيحة وكأنها عادت لتفتح عكا . خلاصة القول ، في مصر الجديدة ، يجب أن نغير ثقافتنا ونقضي على تأليه الرموز ،فسياسة التطبيل يجب أن تنتهي ، فمن أحسن في شيء فمن حقه أن نقول له أحسنت ولكن بطريقة لائقة لا تثير الشبهات ومن اخطأ يجب أن نقول له أخطأت ، ولا نحاول مداراة خطأه وتزيينه مهما اشتبكت وتداخلت المصالح ، ولنضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الجميع .