الاستقامة هي لزوم سلوك الصراط المستقيم وهو الدين القيم من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة، والتمسك به كله صغيره وكبيره ، قليله وكثيره، ظاهره وباطنه، والثبات عليه حتى الممات.. الاستقامة طريق إلى محبة ورضا الله والانقياد له وعبوديته للفوز بالجنة ونعيمها والنجاة من النار وجحيمها.. فهي من أعظم المسؤوليات وأوجب الواجبات التي كلفنا الله تعالى بها حيث نسأله سبحانه الهداية إليها في كل ركعة بقولنا: {اهدنا الصراط المستقيم}، الفاتحة 6 وعلى الإنسان أن يبذل قصارى جهده ويسأل ربه العفو والمغفرة إذا ما قصر أو أخل في حياته بشيء منها
قال الله عز وجل على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه} فصلت: 6
وقد تنوعت أقوال سلف هذه الأمة في تعريفها وما المراد منها فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "الاستقامة أن لا تشرك بالله شيئا".. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب".. وقال ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "استقاموا أي أدوا الفرائض". أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".. ومما يعين على لزوم طريق الاستقامة ونيلها ما يلي:
أولًا: الإخلاص لله عز وجل: الإخلاص لله هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام.. قال تعالى: {وما أُمِروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} البينة: 5 وهو مما ينبغي للعبد المجاهدة فيه حتى يرزق تمامه.
ثانيا: اتباع المعصوم صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته: لاشك أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره في الأقوال والأفعال والأحوال عظيم وطريق جليل لنيل الاستقامة والثبات عليها ، فلا يكمن حب المسلم لرسوله عليه الصلاة والسلام إلا باتباع هديه ، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم}، آل عمران: 31
ثالثا: فعل الطاعات واجتناب المحرمات: محافظة المرء على أداء الطاعات فرائض كانت أو نوافل تعينه على تحقيق الاستقامة والثبات عليها ، وتَجَنُّبه المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها جليها وخفيها، له عظيم الأثر في تحقيق معنى الاستقامة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"، رواه أحمد.
رابعًا: مصاحبة الصالحين: صحبة أهل الخير والصلاح دواء وخير معين على سلك طريق الاستقامة، وصحبة أهل الشر داء وسبب في الضلال والانحراف عن الطريق المستقيم، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة"، متفق عليه. والإنسان بفطرته يتأثر بسلوك خليله ويكتسب من أخلاقه:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، رواه أبو داود.
خامسًا: الدعاء: ليس شيء أكرم على الله من الدعاء الذي يعتبر سلاح المؤمن الخفي الذي يظهر به افتقاره وشدة احتياجه لخالقه سبحانه وتعالى، فهو من أعظم وأهم الأسباب الجالبة للاستقامة والهُدى، رحم الله إمام أهل البصرة الحسن البصري، كان إذا قرأ هذه الآية {فاستقم كما أُمِرت} كان يقول : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.