لماذا الدستور أولا؟ لماذا تصر النخبة العلمانية على أن يكون وضع الدستور قبل أي انتخابات برلمانية أو رئاسية؟ هذا سؤال يدور في رؤوس كثير من الذين لا يفهمون؟ ويطرحه ويكرر الكلام فيه ويستغله في الدعاية ضد النخبة كثير من المغرضين ؛ لذا سنقوم بالإجابة عليه ليتعلم الجاهل ويموت المُغرِض بغيظه!! إن النخبة العلمانية اللبرالية التنويرية المتحضرة حريصة كل الحرص على مصلحتها ، ولا ريب أن مصلحة مصر داخلة في مصلحة النخبة دخولا أوليا ، فكل مصلحة للنخبة هي مصلحة لمصر ، وكل هزيمة للنخبة هي هزيمة لمصر. قال الشاعر: إنما مصر النخبة ما بقيت // فإذا هي ذهبت نخبتها ذهبت وبيان ذلك: أن النخبة متحضرة متنورة ، فإن مشت مصر وراء النخبة فستصبح متحضرة متنورة ، ومتى ما فارقت مصر نخبتها فارقت التحضر والتنوير والرقي الاقتصادي والانتعاش في جميع جوانب الحياة ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها وجليلها، حتى مشكلة الخبز وأزمة السولار حلها رهن بسمع مصر وطاعتها للنخبة ، فلو أن مصر كلها أطاعت النخبة وتبنت أفكارها بليل ، فستُحَل مشكلاتها جميعا في أول بزوغ لفجر اليوم الذي يليه. نعود للسؤال المُلح الذي يوجهه المغرضون والسذج للنخبة اللبرالية : لماذا تصرون على أن يكون وضع الدستور سابقا على الانتخابات ؟ لماذا لا يكلف المجلس النيابي الذي سينتخبه الشعب لجنةً بمعرفته لوضع الدستور ؛ فيكون الدستور معبرا عن الشعب؟؟ والجواب: أنه ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الشعب المصري شعب جاهل متخلف ، وأنه ليس أهلا للحرية والديمقراطية ولا هما أهل له ؛ وبناء على هذه المقدمة الضرورية ؛ فإن النتيجة أن أصوات هذا الشعب الجاهل المتخلف ستذهب في أي انتخابات برلمانية قادمة إلى الإسلاميين أو إلى غيرهم من الوطنيين ممن ليسوا من النخبة العلمانية اللبرالية ، ولا ريب أن هؤلاء متطرفون ، وأولئك متخلفون رجعيون؛ لأن كل من ليس علمانيا لبراليا أو يساريا شيوعيا فهو جاهل متخلف خائن متآمر مهما كانت وطنيته؛ لأن شرط الوطنية أن يكون الرجل علمانيا كارها للدين وتحديدا للإسلام . فإذا أقيمت الانتخابات والأوضاع على هذه الصورة ؛ فإن النخبة المصطفاة المختارة ستخرج منها بخفي حنين ، وسنعود للفضيحة المدوية التي وقعت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، وستكون النخبة بمعزل عن وضع الدستور وضمان حمايته لعلمانية الدولة ، وفي هذا ذهاب للديمقراطية وللحضارة ، وللتنوير ، وللنمو الاقتصادي ، والأمن القومي، والتوازن البيئي، وغير ذلك من الأمور الحيوية المرتبطة بتفوق النخبة وتحكمها في رقاب الشعب المصري. ولا يتجاهل أحد أو يتخابث أو يزعم نشدان العدالة ، فيتسائل : أين الديمقراطية التي هي حكم الشعب للشعب؟ ومن الذي أعطى من لا حضور لهم ولا تأثير في الشارع رغم تسلطهم على وسائل الإعلام وأدوات صنع القرار ، من أعطاهم الحق وخولهم أن يتسلطوا على إرادة الشعب ويحرموه من حقه في اختيار الدستور الذي يريده ، والمواد التي يحبذها ؟ لماذا تتسلط ثلة من الناس – كل رصيدها في الشارع أنها تدعي الثقافة - وتفرض على الناس رؤيتها وتلزمهم بأيدلوجيتها ؟ أليس في هذا افتئات على إرادة الشعب، وظلم له، وتسلط عليه ، وممارسة فجة لديكتاتورية مقنَّعَة ؟ وجوابا نقول: لا ينبغي لأحد كائنا من كان أن يسأل هذا السؤال ويحاكم النخبة إليه ؛ لأمور: منها:أن النخبة لا ينبغي أن تُسأل عما تفعل ؛ لأن كونها نخبة يعني أن بيدها مقاليد أمور الشعب توجهها حيث تشاء ، لأن النخبة ينبغي أن تكون هكذا ، حتى وإن كان بعض أفرادها من أجهل الناس بأمور السياسة والاقتصاد فضلا عن الفكر والمعرفة ؛ لأنه ما دام من النخبة ويسب الدين ويزدري الإسلام ويسخر من الشريعة ، فقد على حصل على " دبلومة التنوير والتحضر "، وعلى الناس ألا يردوا له قولا ولا أن يناقشوا له رأياً! ومنها: أن الشعب الذي يجوز له أن يفوض من يضع له دستورا هو الشعب الناضج المتحضر المثقف فكريا وسياسيا وعلمانيا ، كالشعب الأمريكي والشعب الألماني والشعب الإسرائيلي ، أما الشعب المصري الذي لا زال يصوم ويصلي ويذهب إلى المساجد ويضيع الوقت في الصلاة وقراءة القرآن ، ويهدر أمواله على الحج والعمرة ، ويرى أن الزنا عيب وحرام ؛ فهو شعب متخلف ليس من حقه أن يمارس الحياة الديمقراطية ما دام متمسكا بالخرافات التي يسميها " الدين" ، والنخبة على استعداد تام- عندما يصبح جميع المصريين علمانيين يكرهون الإسلام كما تكرهه النخبة - لِأنْ تعطيه حق تقرير المصير والخروج من طور الحضانة والوصاية السياسية والفكرية التي تمارسها النخبة . وهذا ليس بدعا اخترعته النخبة ، بل في القانون، وفي الفقه الإسلامي- على رجعيته- : أن الصغير والمجنون ليس لهما التصرف في أموالهما بدون إذن ولي أمرهما لعدم الأهلية ، ومعروف أن الشعب مع النخبة كالصغير والمجنون مع وليهما!! ومنها : أن الدستور القادم سيحمل طابع القوى الفائزة في الانتخابات وهي قوى إما إسلامية ، فهي متطرفة إرهابية ، وإما قوى وطنية غير علمانية فهي متخلفة رجعية - كما تقدم بيانه- وعليه فالمنتظر للدستور القادم باختيار الشعب أن يكون دستور متطرفا إرهابيا ينص على مرجعية إسلامية للدولة ، وقد يحمل النكبة الكبرى بتطبيق الشريعة وتقنينها ، أو يكون متخلفا رجعيا لا يناصر قضايا التنوير ولا يحمى الدعوة العلمانية اللبرالية. ومنها: أن المعروف أن الغاية تبرر الوسيلة ، فإذا كانت غاية النخبة هي فرض العلمانية على الشعب المصري المسلم ، وإلزامه بها حتى يستسلم لها طوعا أو كرها فهذه غاية شريفة عظيمة تبرر كل ما سيحدث من ديكتاتورية وخداع وظلم واضطهاد والتفاف على إرادة الشعب! فحينما تفرض العلمانية بقوة السلاح فأنت تستحق الإشادة والإعجاب؛ لأنك تفرض التنوير وما فيه صلاح الناس بقوة السلاح، من هنا جاء إعجاب بعض أبناء النخبة بالنموذج الديكتاتوري الرائع في تونس حيث كانت تمنع النساء من ارتداء الحجاب في بلد يفترض أنه مسلم ؛ لذا كان الحزن شديدا على سقوط نظام بن علي ؛ لأنه كان يدعم التنوير ويحميه ، حتى وإن كان مصاص دماء أو سارق شعب، كفاه ديمقراطية ولبرالية ومجدا محاربته للإسلام ومظاهره الرجعية! ومنها: أن النخبة تريد أن يكون لها في " تركيا أتاتورك" أسوة حسنة ، فتركيا كانت دولة مسلمة بل عاصمة الخلافة ، ونجحت النخبة هناك في فرض العلمانية على الشعب بالحديد والنار ، وألزمت الشعب المسلم أن يترك النموذج الإسلامي لا في السياسة فحسب، بل في العادات والمظاهر الاجتماعية ، وجعلت ذلك حتما لازما على الأجيال التركية القادمة ، فجعلت علمانية الدولة مادة غير قابلة للإلغاء، ولا للاستفتاء، مهما كان ومهما يكون، ومن ثم قطعت الطريق على أي دعوة لعودة الإسلام ، وجعلتها بمنزلة الجريمة. وهذا عين ما تطمح إليه النخبة في مصر ، فرغم كل مظاهر العلمانية في مختلف جوانب الحياة العامة ، ورغم حماية نظام مبارك السابق للتوجه العلماني لمصر إلا أن كل ذلك لا يشفي غليل النخبة العلمانية ، فما زالت العلمانية في مصر في خطر لعدم وجود ما يعطيها الحصانة الكاملة من الخروج من دنيا المصريين السياسية والاجتماعية وغيرها. وفي كل يوم يزداد إقبال المصريين على الدين وتمسكهم به اجتماعيا وأخلاقيا ، ورفض مظاهر الوجود العلماني والتنكر له والمطالبة بتغييره. من هنا كان عزم النخبة على أن تضع حماية دستورية لوجودها الضعيف في الشارع الذي لا يجاوز ربع الواحد بالمائة على أحسن تقدير ، لكن هذا لا يمنع من الحق الأبدي للنخبة في ممارسة وصايتها وفرض أيدلوجيتها على الأغلبية الساحقة من شعب مصر ؛ فكما سبق ، شعب مصر شعب متخلف ، وينبغي للمتخلف الرجعي الجاهل أن يضع رقبته تحت تصرف سيده المتحضر التنويري الحداثي اللبرالي النسوي ، ولقد كان لكم في الاستعمار الغربي للشرق المتخلف أسوة حسنة!! والآن: هل فهمتهم أيها القراء المتخلفون الرجعيون لماذا تصر النخبة المعظمة على أن يكون الدستور أولا؟!! [email protected]