تمثل إعادة هيكلة الأجور ووضع حد أدنى لها، مطلبًا أساسيًا خاصة لذوي الرواتب المتدنية من الموظفين بالحكومة والقطاع العام، وجاء حكم القضاء بألا يقل الراتب عن 1200 جنيه كحد أدنى ليعطي الأمل لقطاع كبير من المصريين أعجزتهم موجات الغلاء وارتفاع أسعار السلع عن تلبية حاجاتهم الأساسية، الأمر الذي يجعل من رفع الأجور القشة التي يتمسك بها هؤلاء على أمل تحسين مستوى معيشتهم، وأن يتبع ذلك القضاء على كافة أشكال الفساد والرشوة. ويقول الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات سابقًا، إن الحد الأدنى للأجور يتكون من شقين؛ الأول الأجر الذي يتناسب مع الاحتياجات الآدمية للإنسان، لكي يلبي متطلباته من شراء الغذاء والملابس والدواء والسكن والمواصلات، والشق الثاني مقابل الجهد الإنساني في العمل. وأشار إلى الجزء الأول يقدر بحوالي 2دولار في اليوم، أي 360 جنيهًا في الشهر لمجرد الحياة الآدمية، أما الجهد الإنساني فيقدر بحوالى 750 جنيهًا في الشهر حتى يتناسب مع الإنتاجية والعمل، هذا للمبتدأ في العمل، بخلاف ذوي الخبرة الذين يزداد حدهم الأدنى، إذ أن هناك بعض الآراء تطالب بضرب الحد الأدنى في 20 مرة، وهو ما يعني أنه لو كان الحد الأدنى ألف جنيه يكون الأقصى 20 ألف شهريًا. ويفسر الرواتب الضخمة التي يحصل عليها البعض بأنها غالبًا تكون للحصول على امتيازات فوق الراتب مثل البدلات والمكافآت والإعلانات وجهات أخرى، وهذا يؤدي إلى فارق كبير شهريا، متوقعا في حال إقرار حد أقصى للرواتب أن تتأثر بذلك شريحة تتراوح ما بين 5 الى7 % أي عدد قليل جدا مقابل عدد كبير جدا مستفاد، وهذه الفئة يمكن أن تعود نفسها على نظام جديد في ممارسه حياتها الجديدة، مع الاستغناء عن معيشة الرفاهية والبذخ في المناسبات والإنفاقات الزائدة. وقال عبد العظيم إنه مع وضع سقف للرواتب سيؤدي ذلك إلى توفير احتياجات كبيرة وإعادة الهيكلة للأجور وسيتيح صرف زيادة الحد الأدنى لصغار العاملين في سوق العمل، ومن هنا يكون هناك العدالة في الأجور لها أثر جيد على العامل ويكون لديه الحافز على الإنتاج، والإقبال على العمل أكثر من الأول ويختفي الفساد، لأن اجر العامل يغنيه عن طلب رشوه لتحسين دخله، وكذلك له تأثير إيجابي في حماية المال العام والاستثمار، لأنه يعطي صورة طيبة للأجانب عن الاستثمار في مصر. وفيما يتعلق بالقطاع الخاص، طالب بعدم المبالغة في تقدير الحد الأدنى للعاملين بهذا القطاع لكي تكون في مقدرة صاحب العمل، وحتى لا يدفعهم ذلك إلى وقف تعيينات عمالة جدد، وبالتالي ينعكس في زيادة البطالة، وحتى لا ينعكس هذا الأمر في رفع الأسعار، بسبب رفع تكلفه العمالة ورفع الأجور وزيادة معدل التضخم. وقال عبد العظيم إن الحكومة لا يمكن أن تحكم غير الأسعار الجبرية، مثل الأدوية والخبز لكن باقي الأسعار حرة ومن العبء عليها أن تقوم بضبطها، فيما يؤدي عدم ضبطها إلى الدوران في حلقة مفرغة، لذلك يجب تثبيت الأسعار مع الأجور، ولو هناك تحريك يتم في نفس الوقت لأن في حاله التضخم ورفع الأسعار يتم التدخل من قبل البنك المركزي وتقلل السيولة أو يزداد سعر الفائدة. في حين أكد فاروق العشري الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الإدارة العليا بالبنك المركزي سابقا أن الدولة لا تستطيع التحكم في الأسعار لأنها عرض وطلب. وأضاف: نحتاج لنظام متكامل وسياسات جديدة لكي نستطيع في المستقبل مراقبة الأسعار، بينما قال إن فكرة تحديد الأسعار غير مقبولة ولا يمكن العمل بها في ظل اقتصاد حر بقرار تحكمه السلطة التنفيذية والقضائية لأنها تحتاج إلى تخطيط كامل عن طريق الحد من التضخم وربط الأجور بالأسعار والحد الأدنى والأقصى، وإعادة توزيع الدخل القومي وهذا يمكن تنفيذه على الحكومة والقطاعات ولا يستطيع تنفيذه على القطاه الخاص. واقترح العشري لتحقيق العدالة الاجتماعية هو أن يضرب الحد الأدنى في 15 للوصول للحد الأقصى، وقانون العمل يلزم الدولة بإعادة هيكلة الأجور لتتناسب مع الأسعار. وقال إنه يمكن توفير الحد الأدنى عن طريق الضرائب التصاعدية وإعطاء أولويات وعدم التبذير في الإنفاق العام على المؤتمرات والسفريات والوفود وتجهيز مكاتب الوزراء، فيجب الاقتصاد في الإنفاق العام وتوفير الدعم في الصادرات الذي يدرج بواقع 4 مليارات جنيه. وطالب بتوفير نصف هذا المبلغ لرفع الحد الأدنى للأجور واسترداد الأموال المهربة ومصادرة الأموال التي حصلوا عليها الفاسدون في النظام السابق وكل هذا يدعم مصادر الموازنة وإعادة الإنتاج والسياحة للنهوض بالدولة. أما الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادي فيرى أنه لتحديد الأجر يجب الأخذ في الاعتبار 3 معايير؛ الأول الأجر النقدي الذي يحصل عليه الموظف أو العامل، والثاني المستوى العام للأسعار(مستوى التضخم)، والثالث إنتاجية العامل، وأي خلل يحدث يؤدي إلى ناتج مشوه وهذه هي المشكلة أمام الحكومة التي تحاول أن تحلها. ويؤكد أن وضع الحد الأدنى يكون لمن يلتحق بالعمل لأول مرة، ثم يضع جدول للحد الأدنى والأعلى يشمل الدرجات الوظيفية والمميزات والخبرات السابقة، وهذا سيكون له تأثير اجتماعي ويؤدى إلى تنظيم هيكل الأجور في مصر، "لكن لن يصلحه لأن لدينا تشوهات كبيرة جدا". وأشار إلى أن إعادة هيكلة الأجور لمن يحصلون على مرتبات عالية أكثر من حدود الحد الأقصى لن يتأثرون بشكل كبير لأن القطاع الحكومي يوجد به حوالي 6 ملايين موظف والمضارين من تطبيق الحد الأقصى حوالي 5% فقط، وهذا عدد قليل جدا الذي يتأثر بمستوى المعيشة. ولفت إلى أن هناك مصادر أخرى خارج المرتب، مثل المنح والمساعدات الخارجية والبدل والاجتماعات والمؤتمرات ولجان الحضور والتمثيل وكلها لا يمكن حسابها، كما أن هناك مهنًا لا تتأثر ولا تخضع لجدول الأجور مثل الفنانين والموسيقيين والمديرين في كل الجهات الخاصة، أما بالنسبة للمطاعم والمشتريات فهي تعمل بإنتاجيه العامل، أي أفضل من الحكومة ولا تتأثر لأنها معتمدة على كفاءة العامل.