للباحث التركى د./ مصطفى أرمغان كتاب مهم أسماه " السلطان عبد الحميد والرقص مع الذئاب " يروى فيه قصة حياة السلطان عبد الحميد الثانى الذى اعتلى عرش الدولة العثمانية من عام 1876 إلى عام 1909 وحاول جاهدا أن يحافظ على عرش الدولة التى كانت آيلة للسقوط بالفعل وكان عبد الحميد يعلم أن هناك ذئاباَ ضارية تتربص به ( انجلترا – روسيا – فرنسا ) وتتحين الفرصة المناسبة لتنبش أظافرها فى جسد دولته تمهيداً لاقتسامها وهو ما حدث لاحقاً بالفعل . وعندما تابعت حالة الجدل التى أحدثها فيلم " المندس " الذى أنتجته وعرضته قناة الجزيرة تذكرت حالة الرقص مع الذئاب التى أشار مصطفى أرمغان فى كتابه المشار إليه فالرئيس مرسى قضى عامه الرئاسى راقصاً مع الذئاب من حوله الذين وضعوا خططاً محكمة الانقان من أجل القضاء عليه بل والقضاء على الثورة المصرية بأكملها ممثلة فى شخصه بوصفه الرئيس المنتخب من الشعب والثمرة الأكبر لثورة يناير . وهناك مثل انكليزي يقول: Howling with the wolves أى عويل مع الذئاب ومفاده انه حين تحاصر الذئاب الجائعة انسانا في غابة او جبل، فإنها تدعه وشأنه فقط اذا استطاع العواء مثلها، وتمكن من اقناعها بانه واحد منها، اما اذا حاول الفرار، او المغامرة بفعل ما، غير العواء، فإنه سيتعرض لهجمتها ويتمزق بين انيابها . وهذا ما حدث بالضبط مع الرئيس مرسى فالذئاب من حوله كان يمكن أن تتركه ينعم ولو شكلياً بأبهة الحكم والملك إذا ما اتخذ قراره بأن يعوى معهم ، خاصة ذئاب الخارج الذين يملكون كثيراً من أرواق اللعبة فى مصر ويتمتعون بنفوذ قوى داخل مؤسسات الحكم واتخاذ القرار فيها ، وأعنى هنا أمريكا والطريق إلى قلبها يمر عبر تل أبيب ، وظل الرئيس مرسى حريصاً على أن يبقى علاقته معها فى حدودها الدنيا المفروضة وفق اتفاقية كامب ديفيد . وبدا للراعى الأمريكى أن مصر مقبلة على تغييرات دراماتيكية قد تخرجها عن الطوق خاصة بعد حديث الرئيس المتكرر عن ضرورة امتلاكنا للدواء والغذاء والسلاح من صنع أيدينا . أما ذئاب الداخل فقد كانت أكثر شراسة وضراوة ولم تكن على استعداد أبداً لأن تقتنع بأن دولتها التى بنتها على مدار أكثر من ستين عاماً ستسلمها بكل سهولة لرئيس مدنى منتخب يسبر أغوارها ويعرف أدق تفاصيلها ويكشف المستور فى ملفات الفساد أمام الشعب . وقد اعترف الرئيس فى آخر خطاباته بأنه أخطأ عندما ظن أنه يمكن إصلاح مؤسسات الدولة من داخلها دون اللجوء إلى إجراءات استثنائية بشأنها . حتى هذه الإجراءات الاستثنائية عندما لجأ إليها فى بعض الأحيان عندما أطاح بالنائب العام الأسبق عبد المجيد محمود وقف فى وجهه رفقاء الثورة الذين ظلوا يهتفون لشهور فى الميادين بسقوط النائب العام كان الجميع يطالب الرئيس بفعل المستحيل وهو يقف وحيداً مجرداً من جميع أدواته التى تمكنه من تنفيذ متطلبات الثورة ، فوزيرا داخليته اكتشفنا أن واحداً منهما كان متآمراً مع الساعين لاغتياله فى أحداث الاتحادية بتقاعسه عن حماية الرئيس ، أما الآخر فقد اعترف بنفسه بأنه لم يكن ينفذ قرارات الرئيس ولا تعليماته وأنه عمد إلى إعادة تشكيل جهاز مباحث أمن الدولة دون معرفة الرئيس ومن وراء ظهره ، أما وزير دفاعه فقد ورطه ولطالما نصحه بعدم الخضوع لابتزاز جبهة الإنقاذ أو النزول على رغبات القوى السياسية ، بل وسعى إلى تعرية الرئيس أمام الشعب وإظهاره بمظهر الضعيف الذى لا يملك من أمره شيئاً ( راجع شهادة المستشار أحمد مكى حول نصيحته لمرسى بفرض حالة الطوارىء فى مدن القناة ثم أمره للضباط بلعب الكرة مع المتظاهرين ) . الذئاب حول الرئيس لم تكن جميعها من داخل الدولة العميقة بل كان كثيرون منهم ممن ارتدوا ثوب الثورية عقب يناير 2011 وتحولوا فجأة من ممارسة الفعل الحرام مع مبارك وأجهزته الأمنية والسياسية إلى مناضلين فى الفضائيات وبرامج التوك شو وكثير من هؤلاء تلاعبوا بشباب الثورة وتمكنوا من اختراقهم وتفتيتهم بل وتجنيد بعضهم ليكونوا ترساً فى آلة العنف التى دارات طيلة العام الذى حكمه مرسى . أما أخطر هؤلاء الذئاب فقد كانوا المتسربلين بسربال الدين والذين لعبوا دوراً من أخطر ما يكون من أجل سحب الشرعية الدينية من تحت أقدام مرسى ولم يتركوا نقيصة إلا وألصقوها بالرجل بدءاً من محاولة نشر التشيع فى مصر وصولاً إلى تقاعسه وتخاذله فى تطبيق الشريعة مروراً بقضية الضباط الملتحين ... إلخ . لقد أخطأ الرئيس مرسى دونما شك وأعترف بذلك أكثر من مرة ، ولكن الجميع تناسى أنهم تركوه وحيدا وسط الذئاب ورفضوا معاونته وفق اعترافاتهم فحمدين صباحى اعترف برفضه منصب نائب الرئيس ، وأيمن نور أعترف برفضه منصب رئيس الوزراء ، وكان لسان حال الكثيرين " أنى يكون له الملك علينا " بل لو فعلها مرسى وخرج إلى الشعب بعد أول أسبوع ليخبره أن مؤسسات الدولة تعمل ضده ودعاهم إلى ثورة جديدة فلربما قالوا له حينها اذهب انت وجماعتك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون . وكما أنصف التاريخ السلطان عبد الحميد بعد ذلك فسينصف أيضا الرئيس مرسى وسيأتى يوم يتضح للجميع أنه تحمل الكثير من أجل تجنيب البلاد ويلات الدماء والصراع ، وأنه لم يكن يوما ديكتاتورا ولا متسلطاً بقدر ما كان رحيما بشعبه. حافظا للأمانة رافضاً لأن يعوى مع الذئاب . فرج الله كربه .