تقابل جمل وحمار بعد أحداث الثورة في مصر بعدة أسابيع، كان الجمل مكتئبا حزينا وكان الحمار فرحا مسرورا، فقال الجمل للحمار: يا صديقي، ما لي أراك هكذا فرحا مسرورا تكاد ترقص على الأرض من شدة الفرح. قال الحمار: كلما تفكرت في أحوال الناس قبل الثورة وبعدها ضحكت. قال الجمل: وما علاقة الثورة بضحكك. قال الحمار: يا عزيزي، العلاقة قوية متينة لمن كان له عقل يفهم ويعي، ولكن يبدو يا صديقي الجمل أنك استحمرت فلم تعد تفهم. ضحك الجمل ضحكا شديدا، وقال: أضحكتني أيها الحمار وأنا لم أضحك منذ أن قامت الثورة.. فأفهمني يا سيد الحمير ما هي العلاقة التي بينك وبين الثورة؟ قال الحمار: طقطق أذنك واسمعني جيدا.. ماذا كانت تقول الفئة الحاكمة فى مجالسها الخاصة عندما كانوا يتناقشون فيما بينهم في أمور الشعب، وكانت تصل إليهم تقارير من جهاتهم الأمنية تقول إن الشعب فاض به الكيل، وربما تظاهر وثار على الحكومة. قال الجمل: كانوا لا يقولون إلا كلمة واحدة فقط: الشعب لا يمكن أن يثور لأنهم حمير.. قال الحمار: الله يفتح عليك يا جمل، وماذا قال الشعب بعد ثورته على حكامه؟ قال الجمل: قال الشعب إن أهل الحكم كانوا حميرا لأنهم لم يفهموا شعوبهم ولم يحققوا لهم طموحهم. قال الحمار: أتذكر يا صديقي الجمل يوم أن رأينا ضابطا يضرب مواطنا لأنه ذهب إلي قسم الشرطة ليقضى أمرا له فلم يستجب له أحد، فقال المواطن: لابد أن تحترموني لأنني مواطن لي حقوقي، فأشعبه الضابط ضربا بالأرجل والأيدي: وقال له: أنت حمار ويجب أن تفهم أنك حمار أسيادك .. وأنتم في خدمتنا نركبكم متى شئنا. قال الجمل : أذكر. قال الحمار: وبعد الثورة رأيت مواطنا بسيطا يقول لأحد الضابط: أنتم حمير الوطن، مهمتكم أن تخدموا الوطن والمواطنين. قال الجمل : نعم. قال الحمار: وأهم شيء يا صديقي أن الشعار الذي كان يضايقني قد انتهي من الوجود. قال الجمل: الله يخرب بيت الشعارات، هي التي نكدت علي حياتي.. ولكن أكمل أكمل.. ما هذا الشعار الذي تتحدث عنه؟ قال الحمار: كلما كان أحد يكلم أحدا بصوت عال، كان يقول له: لا ترفع صوتك حتى لا تكون حمارا.. وأصبح الشعار الآن: ارفع صوتك ورأسك فأنت مصري. قال الجمل: أنت فعلا محظوظ بعد الثورة يا صديقي الحمار. قال الحمار: لقد حدثتك عن سبب ضحكي، فحدثني أنت الآن عن سبب حزنك وكآبتك. قال الجمل: إن لي مع الثورة شأنا عظيما، لقد كنت قبل الثورة الملك المتوج بين الحيوانات، فلقد اتخذني الحزب الوطني (المحظور الآن) شعارا انتخابيا على مقعد العمال في كل الانتخابات.. ألا تذكر يا صديقي الحمار: أن أنصار الحزب كانوا يطوفون في الشوارع ويهتفون: (علِّم علم على الجمل)... (بص شوف الجمل بيعمل إيه)... (حط الكفة على الميزان الجمل هو الكسبان)... لقد كانت هذه الشعارات تجعل رقبتي تطول وتطول.. قال الحمار: وأنت طبعا كنت سعيدا بهذه الشعارات ولا يهمك إلا أن تسمع اسمك يتردد على الألسنة .. ولا يهمك أن الذين جعلوك شعارا لهم كانوا من سيئي السمعة الذين يسرقون مواطنيهم وشعوبهم. قال الجمل: لم يكن يعنيني سوى أن اسمع اسمي يتردد في كل مكان، وأرى صورتي معلقة على كل جدار.. كما كان المواطنون يتمثلون بي في محنهم وضنكهم وسوء حالهم، فكنت أسمع بعضهم يقول لبعض عند المحن والشدائد: (خليك صبور زى الجمل).. (إنت جمل يا راجل لازم تتحمل).. يعني بصراحة كنت مثار إعجاب الحاكم والمحكوم. فقال الحمار: يظهر انك حمار أيها الجمل. ضحك الجمل ثم أكمل حديثه: وفي أثناء الثورة حدثت موقعة الجمل... وأخذ الجمل يبكي بكاء شديدا.. فقال له الحمار: هدأ من روعك يا صديقي.. قال الجمل: لقد أفقدتني هذه المعركة كل رصيدي.. وضيعت كل سنوات مجدي .. وأصبحت مثار سخرية الجميع ضحك الحمار وقال: بصراحة لقد كان شكلك يوم موقعة الجمل سيئا.. قال الجمل: وماذا أفعل؟ إن الذين فكروا في استخدامي في هذا اليوم كانوا حميرا فعلا. رفع الحمار رأسه: وقال : يبدو أنك ستخطئ في حقي. تململ الجمل وقال: آسف.. آسف يا صديقي.. أقصد أنهم كانوا أغبياء فالحمير أعقل من هذا التصرف بكثير. قال الحمار: على أية حال أسفك مقبول.. والحمد لله أنني لم أستخدم في هذا اليوم.. أكمل.. أكمل يا صديقي. قال الجمل: بدأت الأمور تتحسن نسبيا عندما ظهر رجل يدعي: فلان الجمل كان يقف إلى جوار الثوار فاستبشرت خيرا.. وقلت لعل وجود شخص يحمل اسمي في صفوف الثوار سيعيد إلي بعض أمجادي.. ضحك الحمار وقال: وطبعا خيبت أفعال هذا الرجل وما يصدر عنه من تصريحات ظنك.. وضعت يا صديقي وضاعت هيبتك في الثورة وبعدها.. قال الجمل: نعم هذا ما حدث.. فماذا أفعل؟ قال الحمار: لا تبتئس يا صديقي أنت مهما كان حيوان كريم ولا يستطيع أحد أن ينال منك.. وربما صرت في عصر الثورة شعارا لأحد الشرفاء فيعيد لك مجدك وعزك ومكانتك. فقال الجمل: وهل تظن أنه يوجد واحد حمار في الدنيا يمكن أن يتخذني شعارا له بعد كل ما حدث.. فقال الحمار: أنا لو سمح لي بالترشح لن أتردد لحظة واحدة في أن أتخذك شعارا لي.. فقال الجمل: شكرا لك يا صديقي على هذه المجاملة الرقيقة.. فيا ترى أهذه خزعبلات صادرة عن الحمار والجمل، أم أنها تاملات واقعيات .. • كلية الآداب جامعة حلوان