كانت الأجواء متوترة على غير العادة في لقاءات المشير السيسي مع ضيوفه الذين يستقبلهم يوميا في إطار ترتيبه لانتخابات الرئاسة التي من المقرر أن يحسمها بفارق مريح حسب تقديرات عديدة ، وكان هذا الشعور بالتوتر من اللقاء قد وصل إلى رجال الأعمال الذين دعاهم المتحدث العسكري بنفسه إلى لقاء المشير في مؤشر على أهمية وخطورة اللقاء ، كما وضح من الأسماء التي تواترت على الفندق العسكري الفاخر في مدينة نصر والذي يتخذه المشير مقرا للقاءاته حتى التليفزيونية ، وضح أن الحديث سيكون له خصوصية ، لأن الأسماء الحاضرة من رجال الأعمال هم أركان الاقتصاد المصري بالفعل ، والعيار الثقيل فيه أو الحيتان الكبيرة بلغة السوق ، وفي مختلف قطاعات الأعمال ، لم يستغرق السيسي كثيرا في مقدمات ، بعد أن رحب بالضيوف ترحيبا باهتا لم يخف مستوى التوتر خلف ابتسامته المصطنعة ، ثم دخل في الموضوع مباشرة بدون السماح لأحد بالكلام أو حتى رد التحية ، قال : أنتم تعلمون جيدا أن البلد في ورطة ، وأن الدولة مدينة بمبلغ يصل إلى ترليون جنيه أو أكثر "ألف مليار جنيه" ، وأن الأشقاء الذين كانوا يساعدونا وما زالوا لن يصبروا علينا طويلا ،ونحن لا نستطيع أن نحملهم أكثر من ذلك ، كتر خيرهم ، أضاف المشير مواصلا حديثه ، كما أن لدى الأشقاء متاعب داخلية ومشكلات إقليمية تستنزف مقدراتهم ، وليست مشكلتنا في مصر وحدها التي تشغلهم ، وحتى لا أطيل عليكم فإني أطلب منكم بشكل واضح وصريح ولا يحتمل اللبس ضمانات بتوفير ترليون جنيه مصري للدولة خلال السنوات الأربع المقبلة ، وإلا تعرضنا جميعا للخطر ، أنا وأنتم والبلد كلها ، وأحب اسمع منكم ، ختم المشير حديثه القصير والصارم ، ثم راح يقلب وجهه في وجوه الحاضرين الذين التزموا الصمت الذي خيم على المكان بصورة بسطت حالة من الرهبة والاضطراب على الجميع ، ولم يبادر أحد بالكلام ، فتفحص السيسي وجه أحدهم ، وهو رجل أعمال من العيار الثقيل وله قناة فضائية شهيرة ، وخاطبه : إيه رأيك يا "..." بيه ، نحب نسمع رأيك ؟ فتحرك جسده ببطئ على مقعده وتلعثم الكلام وبدا أن المفاجأة أذهلته ، ثم قال بصوت خافت ونظرات تميل إلى أسفل أكثر منها إلى الأمام : يا سيادة المشير احنا تحت أمرك وأمر البلد ، ولكن سيادتك تعلم أن هذا المبلغ ضخم جدا ، والبلد ما فيهاش فلوس أصلا ومسألة توفيره في أربع سنوات أو حتى عشرة مسألة صعبة إن لم تكن مستحيلة في ظل الظروف اللي سيادتك شايفها ونحن جميعا نعاني الصعوبات ، فتوتر المشير وهو يجيبه بشيء من العصبية ولكن بلغة هادئة : وانت كنت بتعمل إيه في سيناء يا ".." بيه ؟ فأجاب : كنت بعمر فيها يا فندم ، فأجابه : بل كنت تحلب فيها وأخذت الأرض والخدمات والمصانع بتراب الفلوس ، وربنا كرمك ، واللي خلاك تعمل المليارات زمان يخليك تعملها دلوقت وهانكون معاكم ونساعدكم ، صمت رجل الأعمال تماما ولم يرد بأي كلمة على المشير الذي توجه بنظره إلى رجل أعمال قبطي شهير ونظر إليه نظرة من ينتظر صوته ، فتكلم ببطئ غير معهود عليه : سيادة المشير ، كل شيء ممكن ، واحنا مش ها نتأخر على البلد ، بس الشيلة تقيلة ، وربنا يعينك ، لكن سيادتك مش شايف إن ترليون رقم صعب شوية ، فأجابه السيسي : انتم قدها ، وعرفتم تطلعوا المليارات من التراب ، فأجابه : في تصوري يا فندم أن التراب فعلا هو الشيء الوحيد اللي ممكن منه نجيب الترليون ، فركز معه المشير نظره كمن ينتظر إكمال الحديث أو شرحه ، فأضاف : الدولة تملك الأرض وتملك تحويلها لذهب إذا تم تسهيل عمليات البيع ومنح رجال الأعمال فرصا أفضل وأسعارا أفضل لتحويلها إلى استثمارات كبيرة ، ومن الضروري أن يفتح المجال أيضا لرأس المال العالمي ، لأن العالم تغير ، والمخاوف الأمنية والعسكرية تعطل الاستثمارات كثيرا والسادة الوزراء نفسهم بيكونوا متوترين وقلقانين من اتخاذ القرار بعد ما جرى في الأعوام اللي فاتت ، فأجابه المشير : هانعمل كل شيء ممكن عشان نساعدكم ، لكن انتم برضه لازم تساعدونا ، وانتم أخذتم كتير من البلد ، ولازم تكونوا جنبنا في الأوقات الصعبة ، وما فيش قدامنا خيارات كتيرة ، وأظن أن الرسالة وصلتكم واضحة . تحول الحديث بعدها إلى الاستماع إلى بعض الشكاوى من رجال الأعمال وتعثر مشروعات والتضييق على حركة الدولار وتردي البنية الأساسية والقوانين الاستثمارية الأخيرة وكلام مبعثر ساده الهدوء وخفف من مستوى التوتر ، لينصرف الجميع بعد جلسة لم تدم أكثر من ساعة ونصف .