لماذا يسرق الإنسان، سؤال بسيط أستأذن إعزائي القراء أن نحاول الإجابة عليه، لماذا يسرق الإنسان، تكون الإجابة الأولية، يسرق مخافة الجوع، قد تصلح هذه الإجابة لتفسر سرقة أرغفة من الخبز أو بعضاً من الجنيهات، لكنها لا تفسر ما هو أكثر من ذلك، قد تكون الإجابة: يسرق رغبة منه في يدفع عن نفسه الفقر والجوع ما دام حياً، قد تصلح هذه الإجابة لتفسر سرقة عشرات الآلاف أو ربما مئات الآلاف من الجنيهات، لكنها لا تفسر السرقات الأكبر، في النهاية قد تكون الإجابة: يسرق ليعيش حياة مترفة هو وأولاده من بعده بهذا المال الحرام، نقول أيضاً: قد يفسر هذا أن يصل السارق بتطلعه أو الموظف الفاسد بعمولاته ورشوته ليسرق عدة ملايين قد تصل إلى عشرة ملايين، فهذا الرقم يكفيه وعائلته ليعيش عيشة الملوك في مصر، وأن يشتري فيلا وسيارة فارهة، وأن يتبقى له من المال ما يكفي عائده ليعيش هو وأسرته عيشة مترفة. وهكذا يمكن القول أن أقصى مبلغ يمكن أن يفسره حاجة أي سارق ليسرق في مصر هو دون العشرة ملايين جنيه، وهنا تبقى تساؤلات، إذاً لماذا يختلس أحدهم عشرين مليونأً من وظيفته، إن كانت عشرة ملايين تكفيه وأسرته ليعيشوا كالملوك في بلد عشرات الملايين من أبناءه تحت خط الفقر، ويعيش أكثر من مليون منهم في المقابر، وملايين منهم في علب العشوائيات، فلماذا يخرج من أفواههم عشرة ملايين زائدة يختزنها وهو يعلم أنه لن يجد وقتاً ليصرفها ؟!، فكيف بالموظف الذي يختلس مائة مليون جنيه !!، لماذا يخرج هذه الملايين من أفواه الجوعى، ومن أبدان المرضى، وقد كانت تكفيه عشرة ملايين ليعيش عيشة مترفة، ماذا كان في زهنه وهو ينهب المائة مليون ؟!، فكيف بالوزير الذي تتضخم ثروته لمليار أو عدة مليارات وهو يرى بني جلدته يعيشون في العراء، وفيم كانت نيته وهو ينتهب تلك الأموال من أموال بلد مدين رغم غناه وشعب فقير رغم موارده ؟!. طوال الشهرين الماضيين طالعتنا الصحف بمليارات عدد الحصى هي ثروات يقال أنها في أرصدة الرئيس المخلوع وعدد من رؤساء وزرائه وبعضاً من وزراءه، فإن صدقت هذه الأخبار فيهم أو في بعضهم - وبعد محاكمات عادلة هي حق لهم - فلا يمكن أن نعتبر المدان منهم مجرد لص سارق، فإن الذي تعدت سرقاته عشرة ملايين جنيه لا يمكن أن يكون غرضه مجرد أن يحيا هو وأهله حياة مترفة، لا يمكن أن يكون غرضه في هذه الحالة - وهو يكنز المليارات بينما أهله يجوعون ولا يجدون الغذاء ولا الدواء وبلده تفقر – لايمكن أن يكون غرضه إلا إيزاء هذا البلد وإذلاله وإفقاره عمداً، لا يمكن إلا أن يكون غرضه الخيانة والتخريب. فما الفرق بين تخريب مشروع قومي وبين سرقة ميزانيات كانت لتخصص لبنائه ؟!، ما هو الفرق بين قتل الناس وبين سرقة ميزانيات كانت لتخصص لعلاجهم، ما هو الفرق بين التخابر مع العدو وبين الحصول على عمولات لإعطائه إمتيازات بأسعار زهيدة أوإنتهاب اموال كانت لتخصص لشراء سلاح لمواجهته !!، لا ينبغي لنا والحال هكذا إلا أن نعتبر هؤلاء خونة ومفسدون في الأرض وليسوا مجرد لصوص، ويقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم " إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ "، فهؤلاء والله هم أحق الناس بأن تطبق عليه الآية الكريمة، و أن تكون عقوبتهم الأعدام جزاءً وفاقأً على ما اقترفوه في حق هذا البلد واهله، وإذا كان لا يحق لمثلي أن يتقدم بين يدي سادتنا أهل العلم فإني لأدعو سادتنا الفقهاء لأن يدلو بدلوهم في هذه النازلة وأن يفتونا في هذا الخطب الجلل، خاصة أن كتب التفسير والفقه القديمة تقيد العمل بهذه الآية بقطع الطريق، فإن ترافق مع القتل يقتل صاحبه، فهل من الفقهاء المحدثين مثل الشيخ القرضاوي والشيخ محمد عبد المقصود وغيرهم من الفقهاء من يفتينا في هذا. كذلك فإن في الشرع متسع من وجه آخر وهو التعزير أي العقوبات والتأنيب على الجرائم التي لم يحدد الشرع عقوبة لها، يقول الأستاذ عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي في الإسلام " الأصل في الشريعة أن التعزير للتأديب، وأنه يجوز من التعزير ما أمنت عاقبته غالباً، فينبغي أن لا تكون عقوبة التعزير مهلكة، ومن ثم فلا يجوز في التعزير قتل ولا قطع، لكن الكثيرين من الفقهاء أجازوا استثناءً من هذه القاعدة العامة أن يعاقب بالقتل تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة تقرير عقوبة القتل، وبه قال بعض الحنفية والمالكية ووبعض الحنابلة ومنهم شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه بن القيم "، لذلك أدعو لتكوين لجنة من كبار الفقهاء القانونيين وعلماء الفقه لبحث هذه الحالة من حالات النهب المفرط الذي يهوي بصاحبه ليضعه في مصاف الخونة والمخربين المفسدين في الأرض، وأن يخرجوا علينا برأي يشف صدور قوم مؤمنين ويكون نكالاً للمفسدين وعبرة لمن يأتي من بعدهم......والله أعلم وهو سبحانه من وراء القصد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [email protected]