يبدو أنّ المعركة في ساحل العاج أوشكت أن تضع أوزارها, وأن نهاية لوران جباجبو قد اقتربت، بعدما أوحل بلاده في حرب أهلية مفتوحة بسبب تعنته في التخلي عن رئاسة البلاد، بعد إعلان هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الّتي جرت العام الماضي تحت مراقبة الأممالمتحدة، ورفضه تسليم السلطة لخصمه ومنافسه القوي الزعيم السياسي الحسن واتارا، الذي يحظى بدعم واعتراف المجتمع الدولي. وبرغم ترجيح كافة المؤشرات أنّ الأوضاع تتجه نحو الأسوأ، وتوقع إراقة دماء الكثيرين وتشريد مئات الآلاف, فإن العديد من المراقبين يؤكدون أن الأزمة الطاحنة التي تمر بالبلاد لن تستمر طويلاً، بل إنها قد تنتهي خلال أيام، إنْ لم يكن أقل من ذلك، بسقوط جباجبو وتولي الحسن وتارا إدارة البلاد. جدير بالذكر أن شهود عيان أكّدوا أنّ البلاد شهدت في الآونة الأخيرة معارك ضارية واقتتال كثيف أودى بحياة الكثير من الضحايا, حيث أعلنت "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" أنّ ما لا يقل عن 800 شخص قُتِلوا في عنفٍ طائفي بمدينة ديوكوي بغرب ساحل العاج، وتقول الأممالمتحدة أنّ نحو مليون شخص من سكان ساحل العاج قد فروا من مناطقهم بسبب أعمال العنف. يُشار إلى أنّ المعارك الطاحنة بين أنصار الحسن وتارا والموالون لجباجبو وصلت إلى ذروتها مع نهاية الأسبوع الماضي, وقد وصلت هذه الاشتباكات إلى محيط القصر الرئاسي لرئيس ساحل العاج المنتهية ولايته لوران جباجبو وفي وسط العاصمة أبيدجان, كما هاجمت القوات الموالية لوتارا القصر، إلا أنّ قوات جباجبو استطاعت صدّ الهجوم. من جانبه, صرّح جيوم سورو، رئيس وزراء رئيس ساحل العاج الفائز (الحسن وتارا) في وقت سابق، أنّ "استراتيجيتنا ومخططنا كان حصار مدينة أبيدجان، وهذا ما نجحنا في تحقيقه؛ لذا قمنا بإرسال جنود إلى وسط المدينة لمضايقة قوات جباجبو ومليشياته ومرتزقته", مضيفًا أنهم لاحظوا في أعقاب هذه المضايقات حالة من الذعر العام في صفوف قوات جباجبو، وأنّ الوضع أصبح مهيئًا أكثر لهجوم سريع، مشيرًا إلى أنّ العملية ستكون سريعة لأنهم اكتشفوا بالتحديد عدد دبابات جباجبو العاملة على الأرض, داعيًا جباجبو إلى الاستسلام وتخليه عن السلطة لتجنب حمام دم, قائلاً بلهجة تحذيرية: "نأمل أنّ يستسلم، وإلا فسنلاحقه في أي مكان". ومما يؤكد أن نهاية جباجبو قد أزفت, إلغاء خطابه التلفزيوني الذي كان مقررًا مساء الخميس الماضي، وإعلان القوات التابعة للحسن واتارا سيطرتها على التلفزيون الحكومي, حيث قال أحد سكان أبيدجان إنّ بث التلفزيون الرسمي انقطع في وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، ولم يستأنف بث برامجه بعد حتى الآن. ما يحدث في ساحل العاج في الوقت الراهن, يستعصى فهمه على كثيرين، وإن كان مشابهًا لما يحدث في عدد من البلدان الأفريقية، حينما يرفض الرئيس التخلي عن كرسي السلطة، والنزول على رغبة الشعوب, سواء عبر صناديق الاقتراع، أو عبر ثورات شعبية كما في البلدان العربية. وبرغم الالتفاف الدولي الكبير خلف مرشح المعارضة الفائز بالانتخابات الرئاسية "الحسن وتارا"، والذي ما زال يتحصن داخل أحد الفنادق، فإنّ الرئيس المنتهية ولايته جباجبو يُصر على الاستمرار في الحكم، ومن ثم طالب المجتمع الدولي لوران جباجبو بالاعتراف بهزيمته والتخلي عن السلطة قبل أن يُغرق البلاد في بحور من الدم والحروب الأهلية غير المنتهية. بداية طلب الاتحاد الأفريقي من جباجبو "التخلي الفوري عن السلطة", للتخفيف من معاناة المواطنين, كما جاء على لسان جان بينج, رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي, الذي أشار إلى أنّ جباجبو رفض قبول مقترحات مجموعة الرؤساء الخمسة، التي شكّلها الاتحاد الإفريقي وغيرها من المبادرات الأخرى للخروج من الأزمة، وعقد مسيرة للتوصل لحل سياسي سريع للأزمة". وفي باريس، قال برنار فاليرو، متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، إنّه ينبغي على جباجبو التخلي عن السلطة لوقف المزيد من أعمال العنف في البلاد, كما أضاف فاليرو "كلما أسرع جباجبو في الرحيل كان توقف العنف أسرع", وبدورها اتهمت منظمات حقوق الإنسان القواتِ والمليشيات التابعة لجباجبو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حيث قامت بقتل مهاجرين من بلدان إفريقية مجاورة. أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون؛ فطالب رئيس ساحل العاج المعترف به دوليًا الحسن وتارا بمحاسبة أنصاره الذين يُشتبه في أنهم تورطوا في مجزرة قتل فيها نحو 800 شخص في الأسبوع الماضي, فيما نفى وتارا في مكالمة هاتفية مع بان كي مون أنْ يكون أتباعه قد اشتركوا في هذه الأحداث، التي جرت في مدينة دويكوي, مؤكدًا أنّه أمر بإجراء تحقيق. كما حذّرت الأممالمتحدة جباجبو ووالموالين له بإجراء تحقيق دولي تشرف عليه المحكمة الجنائية الدولية في جرائم ضد الإنسانية في الهجمات التي يشنها أنصاره ضد المدنيين، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ويبقى أن الوضع في ساحل العاج, والطريقة التي يتم التعامل بها على الصعيد العالمي والإقليمي بالاكتفاء بمجرد المطالبة والمناشدة, يعتبر مفترق الطرق ليس فقط لساحل العاج؛ ولكن للكثير من البلدان الإفريقية التي ترزح طويلاً في الحروب أو الانقلابات، أو تعاني من قيادة وزعامة هشة أو استبدادية؛ حتى تسعى وراء مستقبل أفضل، كما حدث لنظيراتها في الدول الآسيوية وبعض دول أمريكا الجنوبية.