لم أكن أعرف أن للإعلام كل هذه القدرة على جعل المرء في بؤرة مشاعر الناس وأنه قادر على تكوني صداقات هائلة مع أناس لم أقابلهم يوماً في حياتي ولعل في هذا معنى من معاني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من ضمن من يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالى رجلين تحابا في الله - إجتمعا عليه وإفترقا عليه. يكون الإجتماع شخصياً ويمكن أن يكون كما في عصرنا هذا إليكترونياً وهو ما يعطي معنى أرحب للحديث ومعانيه كما يجعل من ينضوي تحت هذه الفئة أكثر عدداً - وهي أيضاً رحمة من الله بنا. خلال الأسابيع القليلة الماضية لم تتوقف الرسائل الإليكترونية للسؤال عني وعن سبب إختفائي الفجائي والحق أنني كنت مريضاً مكثت في المنزل لفترة - وأضطررت للتركيز في العمل فقط حتى أنقي ذهني مما قد يسبب لي إرتفاع ضغطي إلى مستويات جعلت الأطباء في حيرة من سببه! لا أستطيع أن أعبر عن إمتناني وحبي وتقديري لهذه المشاعر الرقيقة والجياشة من قراء المصريون ولا أجد الكلمات التي تعبر عن مدى سعادتي بهذه الصداقة والأخوة (الإليكترونية - والتي كانت تدعي "على الورق" قديماً قبل الثورة الإليكترونية وثورة الإتصال) ولكل هؤلاء وغيرهم أتوجه بالشكر والعرفان وأتمنى لهم الصحة والعافية. أما ما أثلج صدري فهو أن "أصدقائي الإليكترونيين" من النسيج المصري المسيحي كانوا ضمن من سأل عني بإلحاح وطالبوني بالعودة السريعة ودعوا الله مخلصين في صلواتهم لي بالعودة. غير أن كل هذا لم يكن ليكون ممكناً دون أن تجمعنا المصريون. أذكر أنني ومنذ قرأت أول عدد لي معها وقعت في أسرها خاصة وقد جربتها في تعليق كتبته بإسمي وكنت قد شددت فيه على واحد من أركان الخزي الوطني وقلت في نفسي لن ينشر فإذا به منشوراً وبدون تصرف فيه وهكذا بدأت معها. ثم كان أن نشر لي الأستاذان الكبيران محمود سلطان - رئيس التحرير -وجمال سلطان - مستشار التحرير - بترتيب النشر- رسالتين دون أن يدققا كثيراً في إسم الكاتب فعلمت أنهما يبحثان عن المضمون والهدف والمغزى قبل أي شيء أخر. كان خط المصريون منذ البداية واضحاً وهو مصلحة مصر الوطن والمواطنين وكانت كتاباتها كلها تصب في هذا الإتجاه وحده وأنا هنا أعتز كثيراً برسالتي من عامين تقريباً تلك التي شبهت فيها الوضع في مصر بقانون هوك "Hooke's law" وقلت أن مصر قد عبرت نقطة الإجهاد وهي لا محالة متجهة إلى نقطة الإنكسار - وقد كان!* كنت قد وعدت الإستاذ جمال سلطان عقب أحدى رسائلي وقلت (إنتظر رسالتي القادمة) حيث كنت قد إنتويت أن أكتب عن "المصريون" غير أن الأحداث بعدها تلاحقت يسابق بعضها بعضاً مما أجّل الكتابة عن "المصريون" إلى حين (وحتى الأن لم يكن أ. جمال سلطان يعلم أنني كنت سأكتب عن المصريون!) وقد تعرضت لعدة نوبات من إرتفاع في ضغط الدم نتيجة متابعتي (ومشاركتي*) للثورة المصرية 24/7 لمدة 20 يوما متصلة تتخللها سويعات للنوم. كنت أتابع الجزيرة العربية والإنجليزية و السي إن إن معاً في ذات الوقت ناقلاً كل خبر وكلمة عبر تويتر (وهي المرة الأولى في حياتي التي إستخدمته فيها - بعد أن سألت طالباً عندي عن كيفية إستخدامه) لحظياً مستمتعاً بكم السباب الذي نالني من البعض (وكان أفضله أن إتهمني أحدهم بأني منظمة ولست شخصاً واحدا!) ثم أغلق أحدهم حسابي ربما لأني إستخدمت كلمة مرور بسيطة. لا أنكر أن كل هذا الوعي السياسي كان مخزوناً بداخلي ومكبلاً بكم هائل من اليأس والإحباط - غير أن المصريون هي من كان يضيء لي شمعة وسط الظلام وتخبر "إن مع العسر يسراً - إن مع العسر يسراً" وهي حقيقة لا يمكن أن تمر دون أن نحمد ربنا سبحانه أن تأكد لنا صدقه في كلامه فأصبحت آيات كتاب الله وكأنها نزلت الساعة للساعة - وسبحان الله. أتمنى أن تسير المصريون على نفس الخط والمسار الذي إختطته لنفسها وأن تسير بذات الأداء الذي هي عليه والنجاح الذي حققته فهي كصحيفة لا تهتم بالخبر في حد ذاته (بمعنى ملاحقته أنياً) وإنما بالرأي الذي تنشره لنخبة من كتابها أعجب أحياناً كيف إجتمعوا في مكان واحد وأغبط نفسي كثيراً أنني أشرف (ولتسمح لي الجريدة أن أدعي هذا الشرف) أنني واحد منهم. بقيت كلمة بسيطة - وهي أنني هنا لا أنافق الصحيفة ولا كتابها الكبار فهي وهم والقراء قبلاً يعلمون أنني أبعد ما أكون عن ذلك - غير أنني أحب أن أقول كلمة خير لمن جعلهم الله سبحانه وتعالى سبباً في هذا العدد الكبير من الأصدقاء والأحباء. أدام الله عليكم عافيته *) يدعي الجميع أنه تنبأ بالثورة - فلم لا أدعي أنا أيضاً!؟