في الأسبوع الأخير من مارس 2011 عقد مؤتمر في الأردن تحت رعاية الجامعة الأردنية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي بعنوان " مفهوم الانتماء للمجتمع والأمة " تعرض علي مدي يومين لقضية الانتماء التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية في الحقبة الزمنية الحالية . وإذا كانت التركيبة السكانية في الأردن وطبيعة العلاقة بين مكوناتها ، ثم طبيعة العلاقة بينها وبين الأسرة الهاشمية الحاكمة ، قد جعلت من الأردن بيئة مناسبة لعقد مثل هذا المؤتمر فإن المجتمعات العربية الأخرى هي أحوج ما تكون إلي طرح هذا البعد وبخاصة أنها في مرحلة إعادة تشكيل ذاتها بعد قيام الثورات المتوازية والهائلة التي ستسهم في تغيير هوية شعوبها . فعلي الرغم من أن الثورة التي بدأت في كل من تونس ومصر قد اعتمدت علي وسائل التقنية الحديثة كالفيس بوك إلا أن تأييد الشارع لها قد أضفي عليها بعدا سياسيا تمثل في المطالبة بالحرية، وبعدا اجتماعيا طالب بالتخلص من الفساد وإعادة توزيع ثروة البلاد بمعايير عادلة. أما من حيث الانتماء فربما يبدو الأمر متخبطا فالأغلبية من الثوار تتجه إلي اقتفاء أثر الغرب في التمتع بالحرية والديمقراطية، والبعض يطالب بعدم التفريط في التراث ببعده التاريخي والديني حتى لا تصبح بلادنا جزءا من الغرب أو تابعة له ، ويبدون رفضهم لبعض كوادر التيار الليبرالي . وهناك نسبة كبيرة تقف موقفا وسطا عند حد تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والحذر من تقليد الغرب وفي الوقت الذي يبدو فيه اتجاه قطاع من الثوار لرفض الأحزاب ذات الوجهة الدينية يبدون حرصا علي بقاء المادة الثانية من الدستور المصري التي تجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وكذلك يفتحون الباب علي مصراعيه للكوادر الدينية التي اعتقلها النظام السابق لأن تعبر عن رأيها . وفي نفس الوقت ترحب يفتح باب العلاقة مع تركيا وإيران باعتبارها قوى إقليمية فاعلة في المنطقة. كما أن التوجه السريع لحكومة مصر نحو السودان وإن تغلف بأغراض اقتصادية وأمنية تجاه أزمة مياه النيل إلا أنه يحمل في طياته بعدا عربيا وإسلاميا يصعب التغاضي عنه . ومع ذلك فإن توافق قيام الثورات العربية زمنيا قد دعا إلي انكفاء كل منها علي ذاتها وعلي مطالبها وما يواجهها وبالتالي غابت إمكانية تفعيل الانتماء ببعده العربي، وبقيت الشعوب العربية في موقف المتفرج تاركة لدول الغرب حرية التصرف في تحديد مصيرها وبالتالي أبعاد الولاء والانتماء فيها وهو الأخطر والأهم فالأمريكيون يحاولون فرض كوادر ليبرالية كالبرادعي وعمرو موسي وعمرو حمزاوي وأيمن نور وغيرهم ، وبدا تدخلهم واضحا منذ أول استفتاء . من هنا كانت أهمية عقد هذا المؤتمر في الأردن لا لكونه يخص أوضاع الأردن وحدها بل لكونه أصبح مطلبا ملحا لشعوب المنطقة العربية، وهذا ما حاولت إثارته في هذا المؤتمر من خلال ورقة بحثية . فبعد أن تواري المد القومي العربي بموت عبد الناصر في حرب يونيه1967، واتجاه السادات إلي الغرب بعد أن خذله الشرق بسبب مشروع السلام، وبعد السكون والتسليم الكامل للغرب في عهد مبارك . وبعد أن وجد القذافي نفسه مضطرا إلي شراء دور له علي الساحة الإفريقية ممولا بأموال شعبه من البترول ، وبعد أن اتجه النظام السوري للتحالف مع إيران دون العرب رغم استمراره في رفع الشعار القومي . وبعد أن انغمست دول الخليج في ولاءات ضيقة هبطت إلي حد القبلية غير عابئة برفض الإطار الإسلامي الذي يتخذون منه شعارا لهذه الولاءات ، تاه مفهوم الولاء والانتماء عند العرب . وأصبح بعد هذا من الضروري عقد العديد من الندوات والمؤتمرات التي تهدف إلي إعادة تفعيل الولاء لأمتنا العربية والإسلامية، وتحديد كيفية التفاعل من خلالها مع الآخر الغربي والشرقي علي السواء، وتفجير الطاقات الفاعلة في العالم العربي التي مازالت بعيدة عن الساحة ولا أقول مهملة ومتعطشة إلي إثبات ذاتها في هذا الميدان كالكوادر الجزائرية والمغربية والسودانية والسورية التي تعالت صيحاتها في هذا المؤتمر. فلم يصبح أمامنا سوي هذا الإطار حتى نحافظ من خلاله علي هويتنا وخصوصيتنا الحضارية التي يحاول الغرب صهرها وتذويبها في مفرمة العولمة وبدون ذلك ستصبح ثوراتنا البناءة ليست سوي فوضي خلاقة كما أعلن عنها الأمريكيون ، فهل سننتبه ؟ * مؤرخ مصري