عندما أفكر في النهاية التي وصل إليها حبيب العادلي وزبانيته، أتساءل كيف فات عليهم أن كل من نكل بالمصريين إلى الحد الذي وصل إليه العادلي، وكل جهاز أمني تضخم إلى الحد الذي وصل إليه جهاز أمن الدولة قد إنتهى بهم الحال إلى السجن !!، فكيف فات عليه ذلك، والإجابة تبدو لي دائماً بسيطة على قسوتها، لقد نسي الله فأنساه نفسه. لقد زاد طغيان الشرطة في مصر في المائة عام السابقة وجاوز كل الحدود في ثلاث مرات مشهورة، الأولى قبل الثورة في عهد وزارة إبراهيم عبد الهادي باشا، وكان جباراً موتوراً إستفذه مقتل زعيمه النقراشي باشا رئيس وزراء مصر على يد احد اعضاء جماعة الإخوان المسلمين، فلما تولى رئاسة الوزراء خلفاً للنقراشي دبر مع الملك إغتيال الشيخ حسن البنا، ثم عاث نكالاً في المعارضين عموماً والإخوان خصوصاً حتى جرت الوقائع بحالات التعذيب وهتك الأعراض، وأطلق (القلم السياسي) على المعارضين، حتى إنتشر في عهده مصطلح (العسكري الأسود)، وسرعان ما سقطت وزارته، ولم تمض ثلاث سنوات بعدها حتى قامت الثورة فزجت بإبراهيم عبد الهادي في السجن وأدانته. ثم طغت أجهزة الثورة الأمنية وعصفت بالمعارضين من الإخوان والشيوعيين وبقايا الوفديين وغيرهم، وألقت بهم في السجون، وسامتهم سوء العذاب على يد شمس بدران وصلاح نصر وحمزة بسيوني وغيرهم وتحت سمع وبصر المشير عامر، فإذا بالنكسة تقع، فينتحر المشير (أو يستنحر) ويموت حمزه بسيوني في حادثة بشعة، ويزج بشمس بدران وصلاح نصر في السجون التي طالما عذبا فيها الناس. ثم كان الطغيان الثالث في عهد العادلي، فهل فكر رجال أجهزة أمن الدولة في مصير من سبقهم، هل فكر العادلي فيما حدث لإبراهيم عبد الهادي وشمس بدران وصلاح نصر، هل فكر في أنه يوماً سيكون نزيل السجن الذي كان يدفن الناس فيه، بالتأكيد لم يفكروا !!، طيب، كيف السبيل للأجيال الجديدة من الشرطة أن تتجنب الإنزلاق إلى الطغيان تحت تأثير القوة. الحل في رأيي يبدأ من أكاديمية الشرطة، أن تكون هناك مادة دراسية موضوعها الظلم والعدل، وقائمة على الدين والتاريخ، وأن تبدأ بأن تعرف طالب الشرطة – القادم بطبعه من بيئة مجتمع متدين - بآيات من القرآن التي ذكر فيها الظلم "والله لا يهدي القوم الظالمين "، " والله لا يحب الظالمين "، " إنه لا يفلح الظالمون "، " فأنظر كيف كان عاقبة الظالمين "، " ألا لعنة الله على الظالمين "، " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ "، ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد من دراسة حديثين يكونا أمام كل ضابط شرطة ويعلقا على الحائط في كل قسم شرطة وفي مقرات الأمن المركزي حتى يفكر كل ضابط الف مرة قبل أن يرفع هراوته على الناس. أما الحديث الأول فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" (رواه مسلم). والعجب أن هذا الحديث ليس بمجهول، بل إنه كثيراً ما يستشهد الدعاة بشطره الثاني في مكافحة السفور وينسون شطره الأول ولا يذكرونه في مواجهة الطغيان !!!. والحديث الآخر رواه أبو هريرة أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قومًا في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله" (رواه مسلم)، وفي رواية أخرى "إن طالت بك مدة أوشكت أن ترى قومًا يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر" (رواه مسلم)، ذكر النووي في شرحه صحيح مسلم في هذا الحديث أنه من معجزات النبوة؛ فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فأما أصحاب السياط فهم غِلمان والي الشرطة، فإنهم من أصناف أهل النار إن لم يتداركوا أنفسهم بتوبة. والحديثان يشيران إلى دوام غضب الله عليهم وسخطه الذي لا ينفك عنهم ما داموا على ما هم فيه، وأي عقاب أعظم من هذا (من أهل النار) (يغدون في غضب الله) (ويروحون في سخط الله)، وهناك رواية ذكرتهم باللعنة وهي الطرد من رحمة الله. هذا هو ما ينبغي أن يدرس أول ما يدرس إلى طالب الشرطة، قبل أن ندرس له كيفية إستخدام السلاح، وينبغي أن يكون هذا هو درسه الأول، أن وظيفته هي مساعدة المجتمع على تحقيق العدل والضرب على أيدي الظالمين، لا أن يتحول هو ليكون أداة للظلم، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أنه ليس عبد المأمور (وأصلها عبد مأمور، يقول أحدهم إنما أنا عبد مأمور، فحول اللسان المصري الضمة إلى ألف ولام)، فلا يوجد عبد المأمور، عليه أن يختار أن يكون عبداً لله أو عبداً للطاغوت، إن أراد أن يكون من أهل الجنة فعليه بالعدل، وإن أراد أن يكون من أهل النار فعليه بالهراوات والسياط، يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، فليختر ما يشاء. وواجب الدعاة أن يصدحوا بهذه الأحاديث الصحاح فوق المنابر ليعلمها الناس وتتعودها آذان الصغار، حتى إذا شب الصغير ودخل كلية الشرطة كانت مطبوعة في قلبه، فالطبع يغلب التطبع، ولعل تكاتف ثقافة المجتمع مع تغيير مناهج وأساليب أكاديمية الشرطة تكفل سلامة الطبع والتطبع معاً......والله المستعان. [email protected]