لاشك أننا في مفتتح القرن الواحد والعشرين نعيش عالما جديدا ومختلفا عما سبقه بكثير ، حيث فرضت المعرفة والتكنولوجيا وثورة التقنيات والاتصالات قوانينها الخاصة التى جعلت من الكرة الارضية قرية صغيرة متواصلة العلاقات والتداخلات كما ان الفكر البشرى فى مجالى العلوم الانسانية والكونية تطور ويتطور بقفزات كبيرة وسريعة جدا ، وبطبيعة النفس البشرية وقابليتها المرنة الى ان تتخذ سبيل الصلاح والتقوى كما يمكنها اتخاذ سبيل الجريمة والفجور ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها * قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ) فى هذا السياق يمكنها استخدام أحدث العلوم الانسانية والكونية وتطبيقاتها المختلفة فى مجال الفساد والإفساد الاجرام ، كما نستخدمها فى مجال الصلاح والتقوى وكل ما يفيد الانسانية . مما فرض تحديا كبيرا ومستمرا امام العاملين فى مجال الشرطة والقائمين على حماية وامن المجتمع وتعزيز سبل الصلاح والإصلاح فيه . فكما سيطور المجرم فكره ووسائله وأدواته وتقنياته ، يجب على الشرطى تطوير فكره ووسائله وتقنياته وفى ذلك يتنافس المتنافسون من رجال الفساد والاجرام ورجال الشرطة والصلاح والاصلاح والتقوى. بل إن من الواجب الدينى والوطنى والمهنى أن يسبق دائما رجل الشرطة رجل الاجرام ، مما يفرض عليه تحديا كبيرا جدا ، ومستمر على مدار الساعة بضرورة الفكر الاستراتيجى والاستشرافى لما يمكن ان يفكر ويخطط له المجرم حتى يظل تحت احتواء وسيطرة رجال الامن . بطبيعة الحال يحتاج من الشرطى بحث ودراسة وتأهيل وتدريب على مدار الساعة لرفع كفاءته وحرفيته المهنية لتحقيق المقصد الاعلى للشرطة والامن بمنع وقوع الجريمة ، ومحاسبة ومجازاة وردع القائمين بها ان نجحوا فى تنفيذها . ومن ثم اصبح تدريب وتأهيل رجل الشرطة وفق احدث ما توصل اليه الفكر البشرى فى مجال الشرطة واجبا حيث لا يتحقق أمن واستقرار المجتمع إلا به . وحول استراتيجيات التدريب والتأهيل ستدور سلسلة حلقاتنا المتواصلة ان شاء الله لتتناول كافة مفردات منظومة التدريب بداية من رصد وتحليل الواقع واجراء البحوث الدراسات التمهيدية الى تحليل للاحتياجات التدريبية المتنامية دائما لرجال الشرطة ثم تصميم الحقائب التدريبة المتخصصة فى مجالات وفروع العمل الشرطى والخاصة بحسب احتياجات العاملين الحاليين ، ثم تنفيذ التدريب بشقيه النظري والمعملى والميدانى ثم تقييم التدريب وقياس أثره على تطور القدرات القيمية والمعرفية والمهارية لرجل الشرطة وإنعكاساتها الميدانية على منع الحوادث والجرائم ، وسرعة فك شفراتها ان وقعت ، إنتهاءا بتوصيات تطوير البرامج التدريبية الحالية وتسمية احتياجات تدريبية جديدة لتتطور بها دورة الحياة التدريبية بعدة دورات وعاما بعد عام . واليوم نبدأ الحلقة الاولى مع : استراتيجيات تحليل الاحتياجات التدريبية بداية لابد ان نفرق بين امريين اساسيين الاول وهو مفهوم تنسيق التدريب وبين مفهوم تخطيط التدريب كمدخل أساسى لتخطيط وتطوير وتفعيل التدريب فى مجال العمل الشرطى. مفهوم تنسيق التدريب والذى يختزل مهمة ودور المؤسسات والمراكز التدريبية فى التواصل مع مراكز التدريب المحلية والاقليمية والعالمية والتعرف على ما لديها من خطط تسويقية لبرامجها التدريبية والتى اعدت على اساس تجارى من قبل هذه المراكز واختيار بعض من هذه البرامج غالبا يتم على اسمائها وعناصرها البراقة والتى يتدخل فيها الفعل التسويقى التجارى ، ويتم تفريغ هذه البرامج فى جداول تنفيذ تدريبية يطلق عليها البعض جزافا خطة تدريب ، وفى الحقيقة هى جدول تنفيذ سلسلة البرامج التى تم الاتفاق عليها مع مركز التدريب او بعض المدربين وخبراء المجال ، بمعنى ان المؤسسة الشرطية لم تتعرف على حاجتها الحقيقية للتدريب ، وتقدمت الى سوق التدريب لتشترى منه ما هو متاح وليس ما تريده بالضبط ،بعد ذلك يتم التنسيق مع هذه المراكز على تنفيذ هذه البرامج مع المؤسسة الشرطية . مما يتسسب فى وجود نسبة هدر كبيرة بين ما تتحصل عليه المؤسسة الشرطية من تدريب وبين ما تحتاجه حقيقية ، وغالبا تتعرض لمشاكل التكرار ، وضعف محتوى وفاعلية البرامج المقدمة وجود نسبة فراغ شاغرة من الحاجات التدريبية التى لم يتم الوفاء بها وإشباعها ومن ثم تنعكس على مستوى تأهيل وكفاءة العنصر الشرطى مفهوم تخطيط التدريب يعنى امتلاك المؤسسة الشرطية لزمام كافة مفردات منظومة التدريب فهى تبحث وتحلل العديد من المفردات الدخلية فى منظومة عملها لتقف بدقة على مواطن الضعف والخلل ، وتقوم بترجمتها تدريبيا فى شكل احتياجات تدريبية محددة كميا ونوعيا من ( القيم والمعارف والمهارات والخبرات والتقنيات ) المطلوبة وتقوم بنفسها بتصميم البرامج التى تحتاجها وهنا يتلازم اجتماع ثلاثية اضلاع المثلث المكون من القيادة الشرطية المفكرة والموجهة والمخططة مع شرطى الميدان مع مستشار وخبير التدريب ليصمم اسم وعناصر الحقيبة التدريبية المطلوبة خبرات ثلاث متنوعة تنتج اسم وعناصر الحقيبة المطلوبة وهكذا تتوالى اسماء الحقائب التدريبيةالمطلوبة بثلاثية الفكر والميدان والتدريب ، فتحصد وتنظم وتبوب الحقائب التدريبة المطلوبة لكافة المستويات العاملة فى مجال الشرطة افقيا ورأسيا وتبوبها وفق اولويات الحاجة المطلوبة والقدرة المتاحة . ويسلم الملف لمستشار التدريب لتصميم الخطةالاستراتيجية للتدريب بمزيجها الاستراتيجى المتكامل بداية من رؤية ومهمة ورسالةالتدريب ثم الاهداف العامة ثم استراتيجيةالتدريب المستخدمة بين الإنتاج الذاتى للحقائب او التنسيق الخارجى ثم السياسات الفنية والادارية والمالية العامة الناظمة والمفعلة لخطة التدريب وانتهاء بمشروعات التدريب وجداول تنفيذها . مما يعنى ان المؤسسة الشرطية عرفت وفقهت ماذا تريد تدريبيا وكيف ستنتجه او جزء منه ، وتتحصل عليه من السوق المحلى والعالمى. وهنا تبرز العديد من الفرص اهمها إمكانية الاستفادة من الخبرات العاملة فى مجال الشرطة وربما السابقين منهم فى مجالات ومراحل متعددة فى عملية التدريب ابتداء من البحوث والدراسات الى تصميم الحقائب او تنفيذ التدريب وقياس أثره بطبيعة الحال يحتاج تحديد الاحتياجات التدريبية الى العديد من الخطوات المتتاليةالمنتظمة أذكرها بإيجاز اولا : تحليل الاحتاجات التدريبية الاساسية للعاملين بالمؤسسة الأمنية والتى تحدد 1 وفق الحد الادنى من المعايير الدولية الواجب توافرها فى رجل لشرطة وبحث الفجوات الحالية بين واقع افراد المؤسسة الشرطية فى كل مستوى وبين الحد الادنى من المعايير الدولية . 2 التحليل التدريبى لنتائج تقييم آداء العاملين بالمؤسسة الشرطية خلال الأعوام الماضية والعام الأخير تحديدا. 3 تحليل ملفات العاملين وبحث الفجوات التأهيلية الاكاديمية وترجمتها تدريبيا تمهيدا للوفاء بها 4 التحليل التدريبيى للقيادات لمباشرة فى كل مستوى ولكل فرد من التابعين له وتحت مسئوليته وتحديد الفجوة بين الواقع والمستهدف 5 التحليل التدريبى للتقييم الذاتى الفردى بحسب رؤية كل فرد من افراد المؤسسة الشرطية لذاته وطموحه ومستقبله المهنى ثانيا : تحليل الاحتاجات التدريبية العليا الاحترافية للعاملين بالمؤسسة الأمنية والتى تحدد بناء على : 1 البحوث والدراسات الاستشرافية فى مجال الشرطة 2 دراسة وتحليل منظومات الشرطة فى الدول المتقدمة وتحديد الفجوات والبحث عن كيفية ملاحقتها والوصول اليها والعمل على مسابقاتها وسحب بساط المرجعية الشرطية الى دول العرب والمسلمين اصحاب وحى السماء والأحق بأستاذية البشرية فى كافة المجالات 3 التطلعات والتوجهات والاهداف الشرطية النابعة من خطة وتوجهات الدولة فى هذه المرحلة 4 متابعة الجديد فى عالم معرفة وتكنولوجيا االشرطة 5 ابداعات وابتكارات خبراء الشرطة المحليين ضرورة التحول من مجال تنسيق التدريب الى تخطيط التدريب بطبيعة الحال فرضت العديد من الاعتبارات الهامة ضرورة التحول من مجال تنسيق التدريب الى تخطيط التدريب يأتى فى مقدمتها 1 عالمية الفكر الاجرامى مما يتطلب تأهيل عالمى ينطلق من واقع البيئة العالمية 2 تنوع واختلاف البيئات والتحديات المحلية والتى تتطلب تاهيل خاص ينطللق من واقع البيئة المحلية 3 وقف الهدر الكبير للكثير من المال العام فى تنفيذ برامج تدريبية ترتفع نسبة هدرها 4 ضرورة سد الفجوات والاحتياجات التدريبية الحقيقية المطلوبة لرجال المؤسسة الشرطية 5 الواجب الاستراتيجى الدينى والوطنى بضرورة ولوج مجال انتاج التدريب بدلا من استهلاكه ، والانطلاق الى مرحلة تصديره الى بقية دول العالم ليصبح مصدرا اساسيا من مصادر الدخل القومى المتنوع . وذلك الذى حزا بالمؤسسات التدريبية بالدول المتقدمة الى امتلاك خبراء متخصصين فى التدريب ودمجهم فى منظومة العمل الشرطى لتضمن لنفسها قدرة وحيوية التجديد والنهوض التدريبى المستمر . *مستشار التدريب والتنمية البشرية المركز العربى للتدريب التربوى لدول مجلس التعاون