مصر يوم أمس عاشت أجمل أيامها.. كان يوم عيد بحق.. الناس توافدت على اللجان وهي سعيدة ومبتهجة.. من قال "نعم" تبادل النكات والقفشات مع من قال "لا".. حتى لو تبادلا الحديث بشأن القناعات والأسباب التي حملت كلا منهما على رأيه.. تبادلاها بود وبوجوه كلها بشر تعلوها الابتسامة والرضى والاحساس بأن الكل حركته دوافع نبيلة وبريئة بل وقيمة وقامة أكبر بكثير من المصالح الآنية أو الانتصار لهذا الشخص أو لذاك.. وإنما "المستقبل" باعتباره بعد 25 يناير لوحة بيضاء يريد الجميع أن يشارك "بريشته" في رسم صورته كما يحلم بها ويتمناها. لم اشغل نفسي ب"النتيجة" رغم أهيمتها.. كل ما شغلني طوال يوم أمس هو حجم الاقبال وقدر التسامح والحرية التي سيتحلى بها المصريون.. لم تشغلن حتى كتابة هذا المقال النتائج الأولوية، والتي بدأت تصلني تباعا على هاتفي المحمول، لأن سعادتي بما شهدته جعلتني أشعر بأن الحدث في ذاته بجلاله وهيبته كان أعظم بكثير من مجرد الانشغال بما هو دونه. كنا نحسد الغرب "الديمقراطي".. عندما كنا نتابع أيام انتخاباته، حيث يأدونها وكأنهم يقضون نزهة جميلة في أيام عيد سعيد.. فيما كانت الانتخابات في مصر هي أسوأ أيامها .. ومناسبة لرسم صورة باعتبارها الدولة الأكثر تخلفا في المنطقة، حيث البلطجة والتزوير وإهانة المواطنين والتصرف وكأن البلد منطقة جغرافية خالية من السكان! أعرف أن الجماعات السياسية تصرفت بمنطق "الإعلام التعبوي" الأقرب إلى استبطان صلف "السلطة الأبوية" التي تفرض وصايتها على العقل المصري.. حدث ذلك في الفضائيات الرسمية و الخاصة.. وفي الشوارع والميادين العامة.. الكل تصرف بمنطق "مالك الحقيقة".. بل إن البعض تظاهر في "التحرير" ضد التعديلات.. رغم أنه كان بإمكانه ان يعترض عليها بشكل أكثر تأثيرا على المحصلة النهائية للنتائج من خلال الاستفتاء! التجربة على جمالها كشفت أن عوام المصريين فعلا يستحقون الحرية والديمقراطية ويحبون الاحتكام إليها.. فيما كشفت عن المفارقة الأكبر التي تتعلق بخوف "النخبة" منها.. واستماتتهم للحيلولة دون تمريرها بدعوى عدم الاستعداد لها .. وكأنهم يضفون "المصداقية" على مزاعم مبارك ونظيف وعمر سليمان، التي أهانت الشعب المصري واعتبرته غير "مؤهل" للديمقراطية أو أنه لا يستحقها.. نفس المنطق ونفس الروح العدوانية التي "تحتقر" هذا الشعب النبيل. المهم أنه كما انتصرت ثورة المصريين متجاوزة "نخبة" انتهازية أعاقت التطور الديمقرايطي في مصر على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.. فإنها يوم أمس أيضا انتصرت للديمقراطية ولم تعبأ بكل "أساطير" النخبة وفوتت عليها فرصة تفخيخ الاستفتاء.. أو صوغ بيئة تشاؤمية تهيئ البلاد والعباد ل"ردة سياسية" قد تحلينا 50 عاما إلى الوراء. [email protected]