عاد الجدل ليطل برأسه مجددًا حول تجسيد الأنبياء والرسل في الأعمال الفنية، مع اندلاع الأزمة حول عرض فيلم أمريكي يتناول قصة النبي "نوح" عليه السلام في دور العرض المصرية ابتداءً من 26مارس الجاري، بعد أن أصدر الأزهر بيانًا يهدد فيه بالتصعيد في حالة عرض الفيلم، معيدًا إلى الأذهان الجدل الذي تفجر حول فيلم "المهاجر" للمخرج يوسف شاهين في التسعينات، لتناول الفيلم قصة مأخوذة عن حياة النبي يوسف عليه السلام. وأصدر الأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بيانًا مشتركًا، الخميس، جددوا فيه رفضهم لعرض أي أعمال تجسد أنبياء الله ورسلَه وصحابة رسول الله، صلَى الله عليه وسلم. وأكد الأزهر أن هذه الأعمال تتنافى مع مقامات الأنبياء والرسل، وتمس الجانب العقدي وثوابت الشريعة الإسلامية، وتستفز مشاعر المؤمنين وتعد حرام شرعًا. وأضاف: "لذا فإن الأزهر الشريف يعلن عدم جواز عرض الفيلم الذي أُعلن عن عرضه قريبًا عن شخصية رسول الله نوح، عليه السلام، الذي يتضمن تجسيدًا لشخصيته، وأنه أمر محرم شرعًا، ويمثِل انتهاكًا صريحًا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي نص عليها الدستور، والأزهر الشريف باعتباره المرجعية في الشؤون الإسلامية يطالب الجهات المختصة بمنع عرض الفيلم". من جانبها، عبرت "جبهة الإبداع المصري"، التي تضم عشرات المثقفين والفنانين والمخرجين المصريين، عن استيائها من موقف الأزهر. وجاء في بيان الجبهة أنها "تلقت ببالغ الاستياء التصريحات الصادرة من الأزهر ومطالبته بمنع عرض فيلم نوح للمخرج دارين أرانوفسكي في دور العرض المصرية بينما الفيلم يعرض في العالم كله". واعتبرت أن في ذلك "محاولة تعد على دور جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وهي الجهة الرسمية المخول لها قبول ورفض عرض الأفلام". وأضاف البيان أن "فكرة تحريم تصوير وتجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية ما زالت حتى الآن لا تتعدى اجتهاداً من الشيوخ والفقهاء، ولا يوجد نص قرآني واحد أو حديث شريف ينهى عن ذلك بوضوح، وإن وجد نعتقد أن على شيوخنا الأجلاء أن يخرجوه لنا كي يتم تأكيد أن الله قد نهى عن ذلك بوضوح". وتابعت الجبهة "وإن كان اجتهادا في التأويل، فربما كان على شيوخنا الأجلاء مناقشة هذا الاجتهاد مع المجتمع والمفكرين، باعتبار أن باب الاجتهاد مفتوح منذ انقطاع الوحي". وأشارت إلى عدم جدوى منع الأفلام، إذ أنها "تُشاهد عبر الإنترنت، ولا يستطيع أحد أن يمنع مواطنًا من مشاهدتها". وتابع البيان بالقول إن "دور الأزهر الشريف إن رأى في هذا العمل معصية، أن ينهى الجمهور عن رؤيته أو يحذر منها، أو يقول أن من يشاهد الفيلم عاصي للدين الحنيف، مما يُدخل الأمر في نطاق (الدعوة) وليس (المحاكمة)"، مستدركًا: "ففهمنا لدور الأزهر أو الكنيسة أو المؤسسات الدينية أنه الدعوة للدين لا إقامة ما يرونه صحيحًا بالقوة". وواصلت "جبهة الإبداع" بيانها ، قائلة: "لا نعتقد أنه في القرن 21 سيرى مواطن في الشارع راسل كرو (بطل الفيلم) فيسجد له معتقدًا أنه سيدنا نوح شخصيًا، وإلا كان مكان هذا المواطن هو مصحة نفسية"، معتبرة ذلك "التعامل الصحيح، وليس منع الفيلم عن ملايين الأصحاء ذهنيًا المدركين لماهية السينما". وأضافت، فيما يتعلق بشخصية النبي نوح، أنه "في تلك الحالة خصوصًا، الحديث يدور عن سيرة نبي توراتي معترف به في الإسلام، لكنه كذلك يخص كلاً من الطائفتين المسيحية واليهودية كذلك، وكلاهما لا يحرمان ظهور الأنبياء في الصور والأعمال الفنية"، متسائلة "فهل سيطالب الأزهر بعد ذلك مثلاً بمنع بيع الأيقونات الدينية التي تصور المسيح؟ أو منع عرض مسرحيات الكنائس"؟ وأردفت بالقول "أليس واجبًا على الأزهر أن يحترم الاختلاف في الرؤيا ما بين الأديان المختلفة، بما نص عليه الدستور من الاعتراف بتلك الديانات الثلاثة، وقبول عرض الفيلم مع النهي عن رؤيته احترامًا لتعددية المجتمع، وأن هذا العمل الذي يرفضونه دينيًا ليس مرفوضًا لدى المليارات من حاملي الديانات الأخرى المعترف بها؟ أليس النهي هنا أفضل من المنع، وحل أكثر احترامًا لثقافة الآخر"؟ وأشارت إلى تصريح قالت إنه "صدر عن أحد شيوخ هيئة كبار العلماء بوجوب حرق السنيمات التي ستعرض الفيلم"، قائلة إن "عودة فكر القرون الوسطى على يد أمثال هذا الشيخ وزميله السابق في هيئة كبار العلماء (القرضاوي)، هو ما يجعل الإنسان المعاصر يبتعد عن دينه بسبب التنفير الذي يمارسونه، ولكنه بالتأكيد لن يبتعد عن دينه لأنه شاهد راسل كرو يؤدي دور سيدنا نوح". واختتمت الجبهة بإبداء استعدادها لعقد مناظرة فكرية في أي وقت مع أي من الشيوخ «أصحاب فكر المنع"، وذلك "للمجابهة بالرأي والرأي الآخر في هذا الموضوع". من جهته، حذر الدكتور عباس عبداللاه شومان، وكيل الأزهر من عرض الفيلم في هذا الوقت تحديدًا، قائلاً: "لا أستبعد أن يكون السعى لعرضه فى مصر مدبرا من قبل جهة تخطط لتنشيط العنف فى الشارع المصرى الذى يئن من الجراح الكثيرة التى أصابته فى الفترة الماضية، والتى لن تذهب آثارها فى الأمد القريب، فضلا عن عدم ذهاب خطر تجددها لاسيما ونحن على أعتاب استئناف الدراسة". وتساءل وكيل الأزهر أى قيمة وأى منفعة يضيفها عرض فلم كهذا، اختصت مصر بلد الأزهر الشريف الذى يرفضه ويحرمه بعرضه قبل البلد الذى أنتجته (أمريكا المحروسة)؟، ولعل الجميع يتذكر جيدا أحداث عنف مؤسفة - يرفضها الأزهر ويرفض فعل الناس لمثلها إذا عرض هذا الفيلم المعلن عنه-اندلعت حين عرض بعيدا عن مصر فيلما مسيئا لرسولنا - صلى الله عليه وسلم-؛ لأن ديننا دين يرفض العنف، ويحث على مجابهة الفكر بالفكر، وليس بالفوضى، ولكن لماذا نصب البنزين على النار بدلا من الماء، ونمكن الباحثين عن حجة للفوضى والعنف من بغيتهم؟ وتابع شومان قائلاً: "يا أصحاب القرار اتقوا الله فى الوطن، فقد تبدد العام الدراسى أو كاد، فحافظوا ما استطعتم على ما يمكن إدراكه منه، واقتلعوا جميع مسامير الشقاق والفرقة والانقسام، ومنها هذا المسمار المسمى بفيلم نوح عليه السلام، وسنظل فى الأزهر الشريف على رأينا وسنعمل جاهدين لمنع عرضه، وفى ذات الوقت سنرفض أى ردود أفعال غاضبة قد تترتب على عرضه، وسنطالب الجماهير المصرية بعدم مشاهدته إن عُرض...على أنبياء الله السلام".