التحدي الأهم لعصر ما بعد الثورات العربية هو التحدي الذي يواجه الأنظمة العربية الديكتاتورية الجاثمة علي قلب الشعوب العربية لعشرات السنين ، والتي تواجه حساب شعوبها ففي ليبيا انكشف نظام القذافي الذي عاتب الغرب علي أنه تخلي عنه ، فقد كان الغرب يقايض القذافي بحمايته من أجل الحصول علي النفط منه ، والآن فإن الغرب لم يعد عابئا باستمراره فهو يبحث عن بديل له يؤمن استمرار تدفق النفط الليبي ، وقد حاول القذافي عبثا تخويف الغرب من بيع نظامه بالفوضي والصوملة ومجئ نظام القاعدة والمتشددين الإسلاميين ، كما حاول تخويف شعبه نفسه بأنه إما قبوله كحاكم مستبد أو الحرب الأهلية ، نظام القذافي محكوم عليه بالنهاية المحتومة لكل طاغية مستبد ، يمكنه أن يقتل الآلاف من شعبه للاستمرار في السلطة . وفي اليمن التي يواجه نظامها الديكتاتوري رفضا شعبيا جعل القبائل الكبري والعلماء تقف في مواجهة استمراره في الحكم استخدم نفس أدوات القذافي في التهديد بانقسام البلاد ومجئ تنظيم القاعدة بديلا عنه ، وفي مداخلة له بجامعة صنعاء التي كان الطلاب يتظاهرون خارجها مطالبين برحيله قال إن عاصفة رياح التغيير التي تهب علي العالم العربي تدار من غرفة بتل أبيب وتدار من البيت الأبيض ، واتهم المتظاهرين بأنهم عملاء لأمريكا وإسرائيل ، وفي الواقع فإن سلاح العمالة للخارج استخدمه كل الأنظمة الديكتاتورية في مواجهة الثوار العرب رغم أن هذه الأنظمة ذاتها هي أكبر عملاء الغرب والدليل علي ذلك أن الرئيس اليمني نفسه سرعان ما تراجع عن تصريحاته في اتصال هاتفي مع بمستشار أوباما لشئون الإرهاب " جون برينان " وعبر له عن أسفه للتصريحات التي أطلقها ، خاصة وأن البيت الأبيض واجهه بالقول لا تبحث عن كبش فداء للتهرب من مطالب الشعب اليمني المشروعة . وفي سوريا يواجه نظام الأسد الذي يوصف عادة بأنه محصن ضد الثورة- برياح الثورة العاصفة التي تكتسح في وجهها نظما بالية لم تعد تصلح للحكم أو العصر ، فهناك صفحة علي الفيس بوك بعنوان " يوم الغضب السوري " يدعو فيها النشطاء علي الفيس بوك لجعل يوم 15 مارس انتفاضة ضد نظام بشار الأسد وقد جاوز المشاركين في هذه الصفحة الآلاف ، وهناك صفحة أخري بعنوان " الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد 2011 " ، من يتحدث عن حصانة لنظام سوريا في مواجهة الثورة العربية لكونه يواجه إسرائيل ويدعم المقاومة واهم لأن منطلقات الثورات العربية هي منطلقات داخلية يطالب فيها الشباب والشعوب بأنظمة تحقق الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية للإنسان العربي . وفي العراق تواصلت تظاهرات آلاف العراقيين ضد نظام المحاصصة الطائفي وضد الفساد وانهيار الخدمات وطالبوا بعراق جميل ولم يكن ذلك تحديا فقط لنظام المالكي الطائفي وإنما تحديا لأميركا التي صمتت رغم قتل بعض المحتجين لأنها تريد استقرارا في العراق ولا تريد ديموقراطية حقيقية . وعلي صعيد تحدي الثورات العربية فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية تشعر بأن الثوار العرب لا يريدون وجودها في قلب ثورتهم ، ذلك أن خبرة الشعوب العربية مع أمريكا تؤكد أنها لم تكن مع الثورات العربية وإنما مع النظم المستبدة ، وهنا فإن كلينتون تشعر أن تلك الثورات تحاول أن تجد بدائل عن الهيمنة الأمريكية علي المنطقة العربية وأن إيران قد تكون أحد حلفاء نظم ما بعد الثورة في المستقبل . ومن هنا فإن كلينتون شنت حملة علي إيران واحتمال بنائها علاقات مع الثورات العربية وقوي فاعلة فيها مثل الإخوان المسلمون في مصر ، بينما تحدث مرشد الثورة عن أن الثورات العربية مستوحاة من الثورة الإيرانية ، وهذا في الواقع جزء من صراع إيراني – أمريكي علي المشهد العربي المفتوح بعد عصر الثورات العربية . وعلي صعيد تنظيم القاعدة فإنه يواجه تحديا كبيرا ، ذلك أن الأيديولوجية التي يرفعها والتكتيك الذي يستخدمه لم يعد مناسبا بعد ثورة الشعوب العربية التي تقوم علي تكتيكات شعبية سلمية معلنة عبر الفيس بوك ، وهي تطالب بمطالب ديموقراطية متصلة بنظام سياسي أكثر عدالة وإنسانية . التحدي الأهم في الحالة المصرية هو التحدي الذي يواجهه الثوار أنفسهم والثورة ذاتها وهو الحفاظ علي استقلالها وقطع يد كل من يحاول أن يشوهها بتوهم بسط سيطرته عليها ، سواء أكانت أمريكا أو أي طرف كان ، وعلينا اليقظة لما قالته كلينتون " نساعد دون دور رئيسي ودون أن نظهر بمظهر المتحكم في الثورات " .