• في الفقة السياسي هنالك فرق بين الدولة والحاكم، فالدولة مجموعة من المؤسسات تعمل في تناسق وانسجام لتشكل كيانا محترما يعيش الناس في ظله وإليه يحتكمون ثم هم يحمونه أولا ليحتموا فيه ثانيا. • فكأن هذه المؤسسات أو السلطات تستمد شرعية وجودها وبقائها من إرادة الأمة ، وهذا هو معنى من معانى "الأمة مصدر السلطات" . • أما الحاكم فهو رجل من أبناء هذه الدولة اختاره الناس ليكون أمينا على مصالحهم، حارسا لقيمهم وثوابتهم، قائما على خدمتهم نظير أجر محدد ولمدة محددة تجدد إن أحسن وأجاد، ويعزل إن قصر وأساء، ومن ثم ينفسخ العقد بين الدولة والحاكم. • بفسخ العقد بين الدولة والحاكم يفقد الحاكم شرعيته كحاكم وبعد أن يحاسب على تقصيره وإساءته يعود لصفوف المواطنين يمارس دوره العادى. • بقاء الحاكم في الحكم مستمد من إرادة الشعب ورغبته من ناحية ومن ناحية أخرى مرتبط بقدرته على القيام بمهامه المحددة ومنوط بتحقيقه لمصالح شعبه، وفي الدولة أجهزة رقابية مهمتها الأصلية تصيحيح المسار وتوجيه الحاكم إن أخطأ وإمداده بما يحتاج إليه ويساعده على أداء مهامه . • الجهات الرقابية هذه لا يجوز أن تكون تبعيتها الأصلية للحاكم وإنما لابد أن تكون مستقلة في أصل قرار تكوينها، فلا يختارها الحاكم وإنما يختارها أهل الحل والعقد الذين أنابهم الشعب عنه وفوض إليهم البت فيما تحتاجه مصلحة البلاد من قرارات سيادية، وهذا ما يطلق عليه في الفقه السياسي مصطلح "استقلال السلطات"، و" الفصل بين السلطات" • الجهات الرقابية التى اختارها الشعب يجب أن تكون مستقلة في في تكوينها فلا تخضع لرغبة الحاكم ، كما يجب أن تكون مستقلة في طريقة أدائها لعملها وفى قرارها حتى تكون متحررة من كل أشكال الضغوط . • في مقدمة هذه الجهات مؤسسة القضاء ، وعلى رأسها رئيس المحكمة الدستورية والنائب العام. • منها أيضا جهاز الرقابة الإدارية ، والجهاز المركزى للمحاسبات ، وجهاز الكسب غير المشروع وجهاز أمن الدولة. • من خطايا الأنظمة الدكتاتورية البائدة وخصوصا الأنظمة المستبدة الاندماج التام بين مفهوم الدولة والحاكم ، فالحاكم ليس هو الدولة في الاعتبار الصحيح ويجب التفريق بينهما. • النظم المستبدة لا تفرق بين الحاكم والدولة وأنما تدمج الدولة كلها بكل طاقاتها وإمكانياتها ومؤسساتها في الحاكم ومن ثم اختصرت واختزلت الدولة كلها في شخص الحاكم فقط . • هنا تضاءلت الدولة وانكمشت وتقلصت بل واحتقرت واحتكرت لتكون هي شخص الحاكم ، وهذا لا يحدث إلا في النظم الدكتاتورية فقط والتى ابتليت بها بلادنا . • جهاز أمن الدولة والذى تورم وتضخم دورا وحجما وتشعبا حتى أمسك بمقاليد كل الأمور، ولم يعد هناك موقع واحد أو وظيفة صغيرة أو كبيرة يتم التعيين فيها إلا عن طريقه وبموافقته بداية بأصغر الوظائف وانتهاء بأكبرها، ومن أصغر مرفق في البلديات وحتى رئاسة الجامعة بل وحتى موقع الوزير ومن هو أكبر، في أقل المواقع البسيطة وحتى أكثرها حساسية ولا يستثنى أحدا من كبار الشخصيات إلا ويعد لهم ملفات خاصة لتكون جاهزة للاستعمال عند اللزوم إذا خرجوا عن الهوى السياسي أو ظهرت عليهم طموحات في زعامة أو استقلال برأي، أو تمردوا على أخلاق القطيع وثقافته . • التضخم الخطير لهذا الجهاز حول جموع الشعب لتكون عيونا للنظام بدلا من أن تكون عينا عليه . • والفرق كبير جدا بين أن يكون الشعب عينا للحاكم ، وبين أن يكون الشعب عونا له في أداء مهامه، وعينا عليه إذا انحرف وتجاوز. • أن يكون الشعب عينا على الحاكم تعنى أن هنالك أجهزة رقابية تعمل بكفاءة تصوب الأخطاء وتصحح المسار الوطنى بشكل دائم ومستمر وتعين الحكم على أداء مهامه بشرف وأمانة واقتدار. • أن يكون الشعب عينا على الحاكم تعنى أن تحولا مستمرا يحدث إلى الإمام في العلاقة بين الحاكم والشعب، يحمى الحاكم من قوة ونفوذ السلطة وسطوة الحكم وما يتبع ذلك من إغراء الطمع في الحصول على ما لا يستحق، لأنه يؤمن أن كل عيون الشعب عليه،وأن غضبهم جاهز إذا انحرف وتعدى أو تجاوز، • كما أنه من ناحية أخرى يرفع عن المحكوم هواجس اللبس وسوء الظن حول كل جديد يطرأ في حياة الحاكم، ومن ثم يتحقق القدر المطلوب من الثقة المتابدلة بين الطرفين، وهذا أمر مطلوب وحيوي جدا لأنه يساعد على تنمية شعور المواطن بمسؤولياته ويزيد من حجم ولائه وانتمائه لهذا الوطن الذى يسود فيه العدل والكرامة والحرية، ويتساوى في ظله الجميع، ولا يزيد فيه نصيب مؤيد على نصيب معارض الأمر الذى يظهر التميز الحضارى في الأداء العام وينعكس بالإيجاب على الأمة حكاما ومحكومين ، وطنا ومواطنين. • بينما الآخرى أن يكون الشعب بطوائفه وأطيافه ومثقفيه عينا للحاكم تعنى أن يتحول الجميع من تخصصه الأصلى إلى مجرد مرشد لأجهزة الأمن، مهمته التجسس على الاخرين ورفع التقارير المطلوبة، ومن ثم يتحول الجميع إلى مهنة مخبر بمسمى وظيفيى مختلف وبلباس مدنى. • الجميع في ظل الحزب الوطنى وذراعه القوية ويده الباطشة وهى جهاز الإفساد هذا، يتحولون إلى جواسيس بعضهم على بعض، ومن ثم فلكل منهم ملف خاص يمتلئ بما يمليه الهوى السياسي ليكون تحت الطلب للاغتيال المعنوى لأية شخصية قيادية وتشويه صورتها وتاريخها، حتى ولو كانت شخصية تقود جهاز مشابه في العمل وشريك في القرار إذا لزم الأمر. • جهاز أمن الدولة وهو أكثر الأجهزة خطورة ، وأكبرها نفوذا وأشدها تأثيرا وأعظمها طلاقة وقدرة وإمكانيات، لم تكن مهمته في عصر الرئيس المخلوع حسنى مبارك حماية الدولة وهى المهمة الأساسية المنوطة به، وإنما تحول إلى جهاز لحماية الحاكم وأسرته فقط ، ومن ثم تخلى عن مهامه الأساسية والتحق أو ألحقه شخص ما بشعبة في سكرتارية الرئيس مهمته الأساسية أن يصول ويجول في شرق البلاد وغربها ليؤدب الذين تتعارض ميولهم مع الهوى السياسي لشخص الرئيس . • لكل مواطن شريف مع هذا الجهاز سيئ السمعة قصص وروايات وحكايات مليئة بالأحزان وبعضها ملئ أيضا بالمآسى. • هذا الجهاز حرم كثيرا من الباحثين الشباب الشرفاء من حقهم في التعيين كمعيدين في الجامعة رغم توافر كل الشروط العلمية فيهم لمجرد أن بعضهم رفضوا أن يتحولوا إلى جواسيس على زملائهم وأساتذتهم ، والبعض الآخر كان ممن لا يتوافق مع الهوى السياسى للرئيس أو للحزب الوطنى، بينما عَيَّنَ مَنْ قبل المهمة ولا تتوافر فيهم الشروط العلمية، بل إن بعضهم في السنة النهائية راسب في مادتين ومع ذلك تم تعيينه، • عندما فاحت الرائحة وتحدث الطلاب تدخل جهاز أمن الدولة وعدل النتيجة بعد التعيين بعام كامل ، واستقال وقتها بعض الأساتذة والعمداء الشرفاء اعتراضا على ما حدث وتركوا الجامعة ومصر كلها. • بعض من عينوا بغير حق أساتذة كبار الآن ، وبعضهم يشغل مواقع قيادية كبرى في الحزب الوطنى، وبعض مؤسسات الدولة عن طريق الحزب . • هذا الجهاز به فرق سرية لصناعة الأزمات بداية بإثارة الفتن وإعداد التفجيرات والاغتيالات السياسية ويمكنكم فتح ملف اغتيال الدكتور رفعت المحجوب، وكيف سدت واغلقت طرق بعينها وبأوامر خاصة ، ليتحول موكبه إلى طريق محدد حتى تتم عملية الاغتيال. • هذا الجهاز كان يصول ويجول في كل خصوصيات المصريين من أكبر رأس بعد رئيس الجمهورية وعائلته إلى أصغر موظف في بلدية أو وابور للطحين. وحرق مبنى الأدلة بما فيه من ملفات وفرمها والتخلص منها ليضيع كل شئ، دليل على ذلك. • هذا الجهاز تجسس على كل رجال مصر وكل نساء مصر وكل شباب مصر، وجاب البلاد طولا وعرضا من شرقها لغربها منتهكا كل الخصوصيات ليعد ملفات جاهزة لإذلال الناس وإخضاعهم عند اللزوم، ومن ثم حول الدولة كلها بكل رجالها ومؤسساتها من أن تكون عيونا على الحكم تراقبه وترده وتوجهه وتصوب أخطاءه، حولها من أن تكون عيونا على الحاكم لتكون عيونا له يتجسس بعضها على بعض ويكيد بعضها لبعض ويعد كل واحد تقاريره عمن يعرفهم أو يعرفوه . • بقاء هذا الجهاز يعنى بقاء العار، يعنى بقاء المظالم يعنى بقاء السوء والشر والزور. • هذا الجهاز هو رمز للقهر والذل ومصادرة الحريات وانتهاك الحرمات والخصوصيات، وبقاؤه يعنى بقاء مصر كلها تحت الاحتلال والأسر لمؤسسة أعضاؤها يأخذون رواتبهم وامتيازاتهم التى هى بغير حدود من قوت الشعب الفقير وعرقه ومن نصيب أبنائه البائسين . • هذا الجهاز بقاؤه يعنى بقاء الظلام وزوار الفجر والاعتداء على الكرامات وإذلال الحريات وانتهاكها ، وأغلب رجاله آلهة لا يعرفون ربهم ولا يعترفون به، وليس لمظالمهم أو صلفهم أو عدوانهم سقف أو حدود لا قانونى ولا أخلاقى ولا دينى ولا حتى إنساني، فهم يحاسبون كل أحد ولا يحاسبهم أحد . • بقاء هذا الجهاز يعنى بقاء مبارك وولده وأسرته بشحمهم ولحمهم، ويعنى بقاء الحزب الوطنى برموزه ورؤوسه وفساده، • بقاء هذا الجهاز يعنى أنه لا ثورة، يعنى أنه لاتغيير ، يعنى الرجوع إلى عصر مبارك ونهجه ورجاله وحاشيته ولكن بالتقسيط المريح . • والحزب ورجاله ورموزه مع رموز ورؤوس هذا الجهاز يضغطون الآن بلعبة مكشوفة عن طريق إطلاق البلجطية والمجرمين ليعيثوا في مصر فسادا حتى يضج الناس ويقولون: أين جهاز الأمن؟، نريد جهاز الأمن كما صرح علانية بذلك مدير أمن البحيرة المخلوع. • بقاء هذا الجهاز يعنى أن كل رموز النظام السابق يمسكون بأيديهم كل الخيوط، ويعنى أنهم على الطريق قادمون ، ويعنى أنهم ينظمون صفوفهم وبمساعدة هذا الجهاز ليعودوا كما كانوا . • هذا الجهاز لديه وسائل للتعذيب، وأماكن للتغييب، وأخرى للقتل لا يدرى أحد عنها شيئا ولا وزير العدل ولا النائب العام وربما حتى ولا وزير الداخلية نفسه . • هذا الجاز لم يسلم من تجسسه أحد ولا القوات المسلحة ورجالها وحتى جهاز الأمن القومى نفسه لم يسلم رجاله من هذا الجهاز . • هذا الجهاز هو الجحيم بعينه، وبقاؤه يعنى أن مصر لم تتغير وأنها لا زالت في الأسر، وأن 80 مليون لا زالوا تحت خط القهر والأيدى الباطشة والليل الأسود . • أوقفوا هذا الجهاز بعد تصفيته واستخراج ما فيه من أسرار وستجدون مظالم وجرائم يشيب لها الولدان، وليس لها في تاريخ البشرية نظير أو شبيه. • حاكموا رموزه وابحثوا في ملفاتهم وستجدونهم شركاء في كل فساد، وشركاء في كل عملية نهب لثروة مصر وتاريخ مصر وحضارة مصر وثقافة مصر وشرف مصر وعرض مصر . • احصوا ثروة كبار رجاله والعاملين فيه والمنتسبين إليه وستروعكم الأرقام المذهلة . • هذا الجهاز هو الذى سهل خراب مصر ونهب ثرواتها وهو الذى أفسد الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية . • هذا الجهاز هو الذى خرب ذمم الناس وعقولهم وأخلاقهم على كل المستويات ، في المؤسسات المختلفة والقطاعات المختلفة والجامعات ولم تسلم منه هيئة أو مؤسسة وحتى القوات المسلحة ورجالها الأبطال . • افحصوا هذا الجهاز وستجدون مظالم لم تحدث في تاريخ البشر وحتى في أكثر العصور ظلما وفرعنة واستبدادا . • التضخم الخطير لهذا الجهاز حول أغلب الناس وفي أغلب مؤسسات الدولة لتكون عيونا للنظام بدلا من أن تكون عيونا عليه . • والفرق كبير جدا بين أن يكون الشعب عينا للحاكم ، وبين أن يكون الشعب عينا عليه. • من فضلكم يا رجال المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ويا رئيس الوزراء يا حراس مصر الثورة وياحراس مصر الحضارة والثقافة والتاريخ العريق حرروا مصر من هذا الجهاز، لترفعوا العار عن مصر وثورتها وشعبها. د. إبراهيم أبو محمد أكاديمى مغترب