*الطب مهنة نبيلة شرفها الله, وهى صناعة فضلا عن كونها علما يحتاج الى دراسة, وفن يحتاج الى ممارسة. وهى كذلك رسالة انسانية نبيلة يقدمها حاملها الى من يحتاج اليها صديقا كان ام عدوا. *وتفوق هذه الصناعة فى المرتبة سائر الصنائع والمهن. ومن المعروف ان للطب عند العرب منذ القدم مكانة لاتنازع وللاطباء كرامة لاتمس. وهناك مقولة مشهورة منسوبة الى الامام الشافعى رحمه الله { لاأعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب}, فالطب بما يحتويه من اسرار دفينة عن المرض والمرضى يحتاج الى فارس نبيل يمتشق سيف الأخلاق الفاضلة ليخوض غمار معركة حياة الفرد نحو الشفاء. *والنبل خلق جميل مهيب يفترض فيمن يتحلى به ان تقترب ذاته من كمال أفضل الأخلاق وأحسن الصفات. * وإذا كنا نعيش فى عصر مادى بغيض, طغت فيه الأخلاق الرذيلة من جشع, وانانية, وجحود, وقسوة, وطمست المفاهيم والقيم السامية. فيجب على الأطباء أن يقفوا سدا منيعا أمام طغيان الثورة المادية هذه لأن الأخلاق والمثل الطبية العليا هى أساس مهنة الطب فى كل زمان ومكان. *وفى كل دول العالم توجد قوانين ولوائح حكومية تنظم الى حد كبير ممارسة مهنة الطب, ولكنه فى واقع الأمر بعيدا عن اللوائح والقوانين فإن سلوك الأطباء فى ممارسة مهنة الطب تحكمه أخلاقيات لاتفرضها القوانين ولكن يقبلها إراديا كل العاملين فى المهنة. هذه الأخلاقيات ذاتية المنشأ ونشأت منذ الاف السنين وتسمى اخلاقيات المهنة * أخلاقيات مهنة الطب تعنى الممارسة المحترمة للمهنة, هذه الممارسة تنظم ذاتيا علاقة الأطباء بعضهم البعض, وتحدد علاقة الطبيب بالمريض, ثم علاقة الطبيب بالمجتمع. إن أخلاقيات المهنة تفرض قيود وواجبات على الطبيب أكثر من القيود القانونية الحكومية. *إننا فى أشد الإحتياج حاليا فى تحفيز وإستنهاض الهمم فى نفوس العاملين بمهنة الطب لإحياء تلك الأخلاقيات والتمسك بها وتفعيلها, ليكونوا نبراسا يحتذى به كما كانوا دائما على مر العصور فى نبل الأخلاق وسمو القيم. ويكونوا خير قدوة لمن يأتى من بعدهم ويرغب فى ممارسة مهنة الطب. * وأختم مقالتى بقصة أعجبتنى وليست بعيدة عن سياق المقال { أقامت نقابة الأطباء فى إنجلترا حفلة لتخريج دفعة من الأطباء الجدد وقد شهد الحفل رئيس الوزراء البريطانى فى ذلك الحين. وقام نقيب الأطباء أثناء الحفل بإلقاء النصائح الواجبة لهؤلاء الخريجين الجدد, وروى لهم مايلى: قال " طرقت بابى بعد منتصف ليلة عاصفة سيدة عجوز وقالت طفلى مريض وفى حالة خطيرة جدا وأرجوك يادكتور أن تفعل أى شئ لإنقاذه. فأسرعت غير مبال بالزوابع العاصفة والبرد الشديد والمطر الغزير وكان مسكنها فى ضواحى لندن وهناك وبعد رحلة شاقة وجدت منزلها حيث تعيش فى غرفة صغيرة والطفل فى زاوية من هذه الغرفة يئن ويتألم يشدة, وبعد أن أديت واجبى نحو الطفل المريض ناولتنى الأم كيسل صغيرا به نقود فرفضت أن آخذ الكيس وأعتذرت بلطف عن نوال أجرى, وتعهدت الطفل حتى منَ الله عليه بالشفاء". وتابع نقيب الأطباء كلامه قائلا هذه هى مهنة الطب إنها أقرب المهن الى الرحمة بل ومن أقرب المهن إلى الأخلاق التى دعا اليها الله. وماكاد نقيب الأطباء ينهى كلامه حتى قفز رئيس الوزراء من مقعده وإتجه الى منصة الخطابة" إسمح لى ياسيدى النقيب أن أقبل يدك" منذ عشرين عاما وأنا أبحث عنك فأنا ذلك الطفل الذى ذكرته فى حديثك. آه فلتسعد أمى الآن وتهنأ فقد كانت وصيتها الوحيدة لى هى أن أعثر عليك لأكافئك بما أحسنت به علينا فى فقرنا. أما الطفل الفقير الذى أصبح رئيس وزراء إنجلترا فكان لويد جورج}.