البيانات الرسمية والتقارير الموثقة التي أعلنها اليوم المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بالغة الخطورة ، وهي أشبه بزلزال سياسي ومالي ، سواء من حجم الفساد في أجهزة الدولة أو من حيث نوعية الجهات المتورطة في الفساد ، ويستحيل في أي بلد في العالم أن تمر هذه الوقائع بدون تحقيقات على أعلى مستوى ، وأنا أتفق مع ما قاله المستشار جنينة من ضرورة تدخل رئاسة الجمهورية بتشكيل لجان خاصة على شاكلة لجان تقصي حقائق وقائع الثورة ، وذلك لأن المؤسسة القضائية هي إحدى الجهات التي طالتها وقائع الفساد فلا يمكن أن تحقق هي في الوقائع ، ولا يمكن أن تكون الخصم والحكم ، والأكثر خطورة في ما قاله جنينة أنه شخصيا تلقى تهديدات من جهات لم يسمها إذا استمر في كشف الفساد ، كما أن بعض أعضاء الجهاز تلقى تهديدات خطيرة أول أمس من النيابة العامة بعد إشارته إلى وقائع الفساد في "الحزام الأخضر" بالسادس من أكتوبر والمتورطة فيها النيابة ذاتها ، وطالب رئيس الجمهورية بحماية أعضاء الجهاز من تهديدات الفاسدين ، كما قال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ، وهو جهاز سيادي ، أنه اكتشف أن هاتفه النقال خاضع للرقابة من جهة أمنية ، وأن تلك الجهة تسرب أحاديثه ومقابلاته لوسائل إعلام بغرض إحراجه وابتزازه وإجباره على الصمت ، وعلى رئيس الجمهورية أن يتدخل فورا لإثبات أنه يحكم دولة وليست عصابة ، لأن هذه الوقائع خطيرة للغاية . جنينه كشف عن أن الجهاز المركزي وثق وقائع فساد في أرض الحزام الأخضر ، حيث استولت بعض الجهات الرسمية بطرق غير قانونية على خمسة وثلاثين ألف فدان في منطقة 6 أكتوبر ، بالمخالفة للقانون ، وقيمة هذه الأرض تصل إلى 18 مليار جنيه ، ضاعت على الدولة والشعب المسكين ، وكشف جنينة أن جهات قضائية متورطة في هذه الوقائع منها "نواب عموميون" حسب قوله دون أن يكشف الأسماء صراحة ، كما تورطت في تلك الواقعة هيئة الرقابة الإدارية وهي جهة سيادية ، وقال جنينة أن النيابة أحالت عضوا بارزا فى الجهاز للتحقيق بعد كشفه للفساد فى الحزام الأخضر ، رغم أن النيابة ذاتها متهمة فيه، لافتًا إلى أن هذا مخالف للقانون حيث يجب أن يحال أعضاء المركزى للمحاسبات إلى النائب العام وليس إلي أى فرع من النيابة العامة. أيضا كشف رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أن الجهاز تقدم ب 428 بلاغًا للنائب العام منذ عام 2011 وحتى الآن منها 265 لم يفتح فيها تحقيق حتى الآن ، و 93 فقط فتح فيها التحقيق، و9 فقط صدر فيها حكم إدانة، وتحفظت النيابة العامة علي 28 بلاغًا، لافتًا إلي أن الجهاز لم يتحصل علي رقم التحقيق الجاري مع المتهمين ولا رقم القضية في أي بلاغات مقدمة ، كما أن المركزي للمحاسبات قدم 227 بلاغًا للرقابة الإدارية، في ذات المدة، منها 161 قضية لم يفتح فيها تحقيق حتى الآن, و17 قضية حفظت ، دون أن يعرف الجهاز أي سبب لحفظ التحقيق ، مضيفا أنه تم ارسال 65 قضية لجهاز الكسب غير المشروع , و19 قضية قيد التحقيق و6 قضايا حفظت، ولم يدان فيها أي شخص" ، وأوضح المستشار هشام جنينة أنه لا يعلم مدى أسباب عدم البت فى تلك القضايا، مطالبًا بتشكيل محكمة خاصة لقضايا الجهاز المركزي للمحاسبات مثل المحكمة الاقتصادية. المستشار جنينة كشف عن أن حجم الفساد في مؤسسات قضائية بلغ ثلاثة مليارات جنيه ، كما وصل حجم الفساد في جهاز مباحث أمن الدولة إلى اثنين ونصف مليار جنيه ، وكلا المؤسستين ترفضان التعاون مع الجهاز ، وكشف عن أن وزيرا للداخلية استولى على أراضي كانت مخصصة لإنشاء مدرسة بعد أن تلاعب بقرار التخصيص الصادر لها ، وفي إشارة معبرة ومؤثرة جدا قال المستشار جنينة ، وهو قاض كبير سابقا ونائب رئيس محكمة النقض ، قال : أن هناك الكثير من الجهات المسئولة عن مساءلة من يخرق القانون فإذا بها هي من يخترق القانون سواء أمنية أو قضائية ، مضيفا قوله : من حق الشعب أن يعلم بحجم الفساد والتغول على المال العام، قائلًا "من واجبى أن أحيط الرأي العام بالفساد في ظل غياب المجالس التشريعية" . وتحدث رئيس الجهاز المركزي للمحسابات بأسف شديد عن إخضاع هاتفه للمراقبة والتجسس عليه من بعض الجهات الأمنية بدون أي سند من القانون ، معتبرا أن هذه إهانة للدستور الذي استفتي عليه الشعب نفسه ثم تحول إلى حبر على ورق لا أكثر ، مضيفا قوله : الحكومة فشلت في أول اختبار لها من خلال انتهاك الأجهزة الأمنية للخصوصية الشخصية للمواطنين والتى نص الدستور علي احترامها، مضيفا : الحكومة سقطت لعدم احترامها الحياة الخاصة للمواطن التى نص عليها الدستور، فالحكومة أكدت أن الدستور مجرد حبر على ورق . المستشار جنينة يتعرض لشتائم وهجوم شخصي جارح ومفزع من شخصيات قضائية رفيعة ، مثل رئيس نادي القضاة الذي وصفه بأنه عضو في الجماعة الإرهابية علنا ، كما أن هذا القاضي الجليل يواجه الآن ثلاث قضايا تحركت ضده من شخصيات قضائية تتهمه بالسب والقذف على خلفية قيامه بدوره كرئيس للجهاز المركزي في كشف وقائع الفساد حماية للمال العام وأداءا للأمانة التي أوكلت إليه ، وهو ما دعا الرجل إلى أن يقول في مؤتمره الصحفي أنه لا يصح أن يستخدم القضاء في تصفية الخصومات السياسية ، كما حذر من أنه يخشى أن يتعرض القضاء لما تعرضت له الشرطة في 25 يناير 2011 ، في إشارة إلى ثورة الغضب التي اجتاحت ملايين المصريين . ما حدث في المؤتمر الصحفي لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات مروع ومفزع ، ويجعل الناس تضرب كفا بكف ، فمن يحاسب من ، ومن يراجع من ، ومن يحقق مع من ، ومن يحكم على من ، إذا كان القضاء والشرطة والنيابة وبعض الأجهزة السيادية متورطون في الفساد ونهب المال العام بتقارير موثقة وبالأرقام من أعلى جهاز رقابي رسمي في الدولة .