أصداء الثورة المصرية ترددت أولا داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تبدو وكأنها مع الثورة ، بيد إنها شعرت باضطراب لخسارة حليف مهم لها في مصر ، كما أنها تشعر بقلق وتوتر من أن يكون القادم في مصر نظاما يهدد علاقات مصر بحليف أميركا الأول في المنطقة وهو إسرائيل ، أول ما أشعر أوباما بالغضب هو عجز المخابرات الأمريكية أن تتنبأ بالثورة سواء في مصر أو تونس . كان هناك فريق من 35 شخصا يفحصون الأوضاع في مصر مثل المشاعر الشعبية وقوة المعارضة ودور الإنترنت والفيس بوك – هكذا قال ليون بانيتا مدير جهاز المخابرات الأمريكية ولكنه أقر بالعجز عن التنبؤ بالشرارة التي تدفع الناس للخروج في الشارع ، كما لم يكن يتوقع حجم الخروج الشعبي وصموده أمام نظام قمعي مستبد . هنا عبقرية الثورة ا لمصرية التي بدأت بتوقعات بسيطة ثم لم تلبث أن تلقت دعما هائلا من الشعب الذي ضاق بنظام مستبد لا يمنحه العدالة ولا الكرامة الإنسانية ولا الخبز ، ومن هنا كان شعارها العبقري " الشعب يريد إسقاط النظام " . هناك معضلة في الإقليم حول الفراغ الذي تركته مصر فيه ، وعلي سبيل المثال فإن أحد السيناريوهات المطروحة أن ينشأ تحالف مصري – إيراني برعاية مالية سعودية وذلك للاستغناء عن التحالف مع صديق أمريكي لا يحفظ وده مع أنظمة حليفة له ، ولو حدث ذلك فإن الوضع الإقليمي سيكون كارثيا علي أمريكا وإسرائيل معا . السيناريوهات في إسرائيل تتحدث عن استعداد داخلي لحرب شاملة علي جميع الأصعدة والجبهات بما في ذلك الجبهة المصرية التي لا تطمأن إسرائيل إلي وضعها ، ومن ثم فهي تستعد لإمكان أن تكون جبهة حرب مع الجبهات الأخري المفتوحة عليها في لبنان وفلسطين وربما إيران . وفيما يتصل بإيران حين تحدث خامنئي عن الثورة الإيرانية كملهم للثورة المصرية شعر الثائرون المصريون بالغضب وهتفوا قائلين مصر لن تكون إيران أخري ، نحن نرفض الديكتاتورية الدينية علي النمط الإيراني ، لا بل إن الثورة ا لمصرية هي من ألهمت المعارضة الإيرانية الإصلاحية التحرك في مواجهة النظام الإيراني في الذكري الثانية والثلاثين لاندلاع الثورة الإيرانية . في اليمن تري المظاهرات ضد نظام مستبد ، وفي البحرين نري المظاهرات مطالبة بالإصلاح ، وفي الأردن مظاهرات تدعو للعدل الاجتماعي ، وفي الجزائر مظاهرات تدعو للتغيير ، وفي العراق مظاهرات تدعو لتحسين الوضع الخدمي ووقف التعذيب ، وكل هذه المشاهد تستلهم روح الثورة المصرية بل وترفع شعاراتها في كثير من الأحيان خاصة الشعار العبقري " الشعب يريد إسقاط ا لنظام " فصائل المقاومة الفلسطينية تري أن الثورة المصرية فتحت الطريق لتحرير فلسطين ، صحيح أن الوضع الإقليمي لم يكن من بين قضايا اهتمام الثورة المصرية ، بيد إن نجاح الثورة فتح الآمال في الشارع العربي علي أن تعود مصر فاعلة في إقليمها العربي خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية . الغموض وعدم ا لاستقرار والارتباك يواجهان الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل معا ، ويستعدان لاحتمال تحولات درامية في سياستهما تجاه الإقليم ، المعروف أن وزير الدفاع الأميركي اتصل خلال أيام الثورة بوزير الدفاع المصري خمس مرات ولم نعرف فحوي هذه المكالمات ، وهناك إطراء أمريكي لأداء الجيش المصري في تعامله خلال الأزمة بيد إن المستقبل يحمل في طياته بزوغ واضح لما يمكن أن نطلق عليه الوطنية المصرية التي قد يكون أحد تعبيراتها في ا لجيش رفض الارتهان للمعونات الأمريكية وأيضا رفض الارتهان للمطالب الأمريكية من الجيش المصري باعتباره جيشا وطنيا . الولاياتالمتحدةالأمريكية كما تشير التقارير مهتمة بعملية تحول منظم للسلطة في مصر ، وهي حريصة علي أن لا يأتي هذا التحول باتجاهات إسلامية كجماعة الإخوان المسلمين أو غيرها ، ومسئولون كبار في الإدارة الأمريكية مهتمون بنماذج التحول من نظم تسلطية إلي نظم ديموقراطية كما هو الحال في كوريا الجنوبية وأندونسيا أكبر دولة إسلامية – والتي هي نموذج مبهر لدي أوباما ، وفي تشيلي والفلبين ، بيد إن التحول الديموقراطي في مصر ممزوجا بنزعة وطنية مصرية تريد أن تفرض بصمتها علي شكل تحولها إلي الديموقراطية ومن ثم فصعود الوطنية المصرية مع الثورة والآمال الكبري المعقودة عليها قد يكون أحد الأسباب القوية لرفض التدخل الأمريكي في نمط التحول المصري نحو الديموقراطية ، لن تكون مصر قبل 25 يناير كما ستكون بعدها ليس فقط علي المستوي الداخلي وإنما علي المستوي الإقليمي والدولي.