السافاك المصري هو جهاز الأمن الذي استباح دماء المصريين ، وحياتهم الخاصة والعامة بحجة حماية أمن الدولة ، وهو في الحقيقة لا يحمي غير النظام والكراسي التي يجلس عليها المسئولون الفاسدون المستبدون ، وقد تضخمت هيمنة هذا الجهاز لدرجة أن ضباطه الأصاغر يمثلون سطوة عظمى يرتعد أمامها الضباط الأكابر في إدارات أخرى مثل المطافي و البحث الجنائي والأحوال المدنية والجوازات .. والضابط الذي ينتمي إلى أمن الدولة هو نصف إله يركع أمامه المعتقلون والمظلومون والضعفاء.. فهذا الضابط يمثل نوعية خاصة تماثل نظيره الإيراني المنتمي إلى السافاك في عهد الشاه . إنه صاحب الصلاحيات التي لا تحدها حدود ولا تقيدها قيود، وهو صاحب الحق في تعليق المعتقلين السياسيين من أرجلهم وتعذيبهم بأحدث وسائل التعذيب ، وإذلالهم بكل طرق الإذلال السافلة التي أنتجتها الوحشية البشرية . بالطبع هناك ضباط ممن يمكن تسميتهم بأولاد الناس الذين نشأوا نشأة طيبة ويمتلكون الخلق الرفيع والحياء الجميل ، ولكن السياق العام لجهاز السافاك المصري هو سياق إجرامي وحشي يدور في حلقة ما يسمى الحفاظ على النظام ، وفي سبيل ذلك يسحق كرامة البشر دون اعتبار لقانون أو أخلاق أو ضمير ، اللهم إلا ضمير استنطاق الضحية بوسائل التعذيب البشعة ؛ لتقديمه إلى المحاكمة أو إيداعه خلف الأبواب السوداء ! حكى لي الشاعر الراحل محمد عفيفي مطر ما تعرض له عقب غزو العراق بسبب رأي أعلنه ، وكيف علق مثل الذبيحة في أمن الدولة ووضعوا قيودا في يديه ورجليه ، وكيف وضعوا رأسه بين كلابات غاصت في رأسه رأيت مكانها غائرا بعد سنوات ، وظل التعذيب أياما طوالا ، حتى فقد القدرة على النطق أو الإحساس أو الوعي بما حوله ، وخرج عقب اعتقاله مجرد هيكل آدمي يتحرك على الأرض ! ما تعرض له الشاعر الراحل أصاب آلافا مؤلفة في أقبية السافاك المصري في أنحاء المدن المصرية ، واشتهرت أماكن بعينها في التفوق الوحشي مثل جابر بن حيان والجيزة والإسكندرية ودمنهور وغيرها فضلا عن لاظوغلي ! جهاز السافاك هو جهاز قمع الدولة ، مُنح صلاحيات مطلقة طالما كان يحافظ على كراسي النظام ، فصارت له اليد العليا في المجالات المختلفة كافة : الصحافة الإعلام، الجامعة ، القضاء ، الكليات العسكرية والشرطية ، التعليم العام ، الأوقاف ، النوادي الرياضية ، الثقافة ، الانتخابات العامة والتشريعية ، الاتحادات الطلابية ، النقابات ،المحليات ، الوزارات الأخرى وإداراتها .. كل مرافق الدولة تحت قبضة السافاك ، ورهن إرادته ، على النحو الذي يعرفه الناس في بلادنا وفي الخارج . أضف إلى ذلك زياراته الليلية الفاجعة للشرفاء من الحركة الإسلامية وغيرهم ، وخطف الناشطين والمعارضين ، وإلقائهم في المعتقلات حيث لا يعرف أحد أين هم ، وإلى متى يختفون، مع تلفيق القضايا للمحاكمات العسكرية والاستثنائية .. وهناك ما هو أشد وأنكي على المستوى العام بالسيطرة على قطعان الأمن المركزي التي تأتمر بأمره لضرب الجماهير بلا رحمة ، بالرصاص الحي والرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع ، فضلا عن استخدام الهراوات وخراطيم المياه وغير ذلك من وسائل القهر العام . إن النظام البوليسي الفاشي ،وجد في جهاز السافاك ذراعا قوية تحميه دون أن يحتاج إلى تحريك الجيش الذي يختلف في تركيبته ومهامه عن الجهاز الأمني ، ولذا تمكن من فرض الرعب على الشعب البائس التعيس ، وهو الرعب الذي أسقطته ثورة الشباب في 25 من يناير 2011م، حيث سقط مئات الشهداء فداء للوطن والكرامة والشرف والعرض .. ويبدو أن النظام الذي سقط دستوريا ما زال يعتمد على السافاك اقتناعا منه أنه ما زال قادرا على بث الرعب في نفوس المتظاهرين من خلال استخدام رجاله الذين يرتدون الزي المدني أو المسجلين خطر أو البلطجية المأجورين ، أو العملاء الذين يعملون في مصانع اللصوص الكبار .. ولعل الغطرسة التي يواجه بها النظام المنهار ثورة الشباب ، وعدم استجابته لمطالب الجماهير بالرحيل ، وتمكنه مؤخرا من استمالة الجيش للبقاء ، تتكئ على دور يقوم به جهاز الأمن مستقبلا ضد المتظاهرين ، والإعداد للانتقام من الشعب الذي أسقط الخوف وتجرأ على المطالبة بإسقاط النظام الفاسد ، ونزع شرعيته . لا أعرف لماذا أغفل المتظاهرون والثوار مطلب إلغاء جهاز السافاك بتاريخه المخزي المشين ، وعدم حمايته للدولة من اللصوص الكبار والمجرمين الذين سرقوا حريته وكرامته وشرفه ، وتفرغه لحماية المستبدين والفاسدين ، وقتل الشعب بأحط الوسائل خسة ونذالة . ثم إن هذا الجهاز بدأ يستعيد مواقعه ، وينظم صفوفه ، ويجمع عملاءه بعد أن قامت الجماهير بإحراق مقاره الدموية البشعة أو قام هو بإحراقها بعد انسحابه المريب وهروبه من الخدمة ليخفي جرائمه ، ويخفي ملفات العملاء .. فهل تترك له الثورة الفرصة ليواصل رحلة الرعب والإرهاب من جديد ؟ إن الشعب المصري قادر على حماية دولته، كما حماها في أثناء الانسحاب المريب لوزارة الداخلية كلها في أيام الثورة الأولى ، ولم تنجح الفوضى التي أرادتها في إطفاء شعلة الثورة أو إخمادها . يجب أن يكون هناك مطلب محدد واضح بإلغاء جهاز السافاك ، وبناء جهاز وطني للأمن يعلم أن كرامة المواطن المصري البسيط تسبق كرامة أكبر رأس في الدولة .. وأن أمن النظام ينبع من النظام نفسه حين يتساوى الناس ويتمتعون بالحرية والكرامة والعدل والشورى . أما غطرسة الاستبداد ، ورفضه مطالب الشعب بالرحيل ، فسوف تجد الثورة إبداعا متميزا لتصحيح الأمور ، وإقناع النظام الفاسد منزوع الشرعية أن إرادة الحياة يستجيب لها القدر ، ولوكره المستبدون الفاشلون القتلة ! ورحمة الله على الشهداء الذين انتصرت دماؤهم على سيوف الإحرام !