أكد الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" أن الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أقدم على إضرام النار في نفسه في منتصف ديسمبر الماضي مفجرًا انتفاضة شعبية بتونس أدت إلى الإطاحة بحكم الرئيس زين العابدين بن علي جاء نتيجة شعوره بامتهان كرامته واحتجاجًا على الجوع، وفي ظل حالة ثورة وغليان نفسي، لا يملك فيها نفسه وحرية إرادته، بعد مصادرة عربة الخضار التي كان يتكسب منها. وقال إنه يدعو الله أن يعفو عنه، ونصح في الوقت ذاته الشباب الساخط على أوضاعه الاجتماعية والمعيشية بأن يلجأ إلى طرق احتجاجية أخرى غير اللجوء إلى إزهاق أنفسهم، وذلك بعد تعدد محاولات الانتحار حرقًا في مصر والجزائر وموريتانيا، على طريقة البوعزيزي، مشيرا إلى أن هناك وسائل مقاومة أخرى ضد الظلم والطغيان بعيدًا عن قتل النفس والانتحار بالحرق. وقال القرضاوي في بيان أرسل إلى "المصريون" نسخة منه، إنه لاحظ أن "هناك بعض الناس قد أساء فهم حديثي عن الشاب التونسي "الحر الكريم، الذي أحرق نفسه، بعد أن ضاق ذرعا بالحياة والأحياء، وأغلق المسئولون أمامه أبواب الرزق"، موضحًا أنه لم يصدر فتوى حول هذا الأمر وأن تعليقه جاء في سياق برنامجه الأسبوعي "الشريعة والحياة" على فضائية "الجزيرة". وذكر أنه قال في البرنامج "إني أتضرع إلى الله تعالى وأبتهل إليه أن يعفو عن هذا الشاب ويغفر له، ويتجاوز عن فعلته التي خالف فيها الشرع الذي ينهى عن قتل النفس، كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29]، ودعوت الإخوة في تونس والمسلمين عامة: أن يدعوا الله معي، ويشفعوا عنده لهذا الشاب". وقال إن البوعزيزي- وهو خريج جامعي (26 عاما) كان يتكسب من عربة خضار بمنطقة سيدي بوزيد وسط غرب تونس أقدم على الانتحار بعد أن صفعته شرطية على وجهه، عندما احتج على مصادرة العربة التي كان يتكسب منها- "كان في حالة ثورة وغليان نفسي، لا يملك فيها نفسه وحرية إرادته، فهو أشبه بحالة الإغلاق التي لا يقع فيها الطلاق، "لا طلاق في إغلاق". ولم يعف القرضاوي الأنظمة الحاكمة من المسئولية عن اللجوء إلى التخلص من حياتهم بالانتحار، في ظل حالة السخط التي انتابتهم، واستدرك قائلا "أنا هنا أوجب على الأنظمة الحاكمة أن تسأل نفسها: ما الذي دفع هذا الشباب أن يحرق نفسه، وتحاول أن تجد لمشكلته حلا". وذكّر بقاعدة شرعية مهمة، وهي "أن الحكم بعد الابتلاء بالفعل، غير الحكم قبل الابتلاء به، فقبل الابتلاء بالفعل ينبغي التشديد حتى نمنع من وقوع الفعل، أما بعد الابتلاء بوقوعه فعلا، فهنا نلتمس التخفيف ما أمكن ذلك. وفي ذلك أمثلة وأدلة كثيرة. فهذا ما قلته، وما لا أزال أقوله". ونادى القرضاوي "شباب العرب والمسلمين في مصر والجزائر وموريتانيا وغيرها، الذين أرادوا أن يحرقوا أنفسهم، سخطا على حاضرهم، ويأسا من مستقبلهم: أيها الشباب الحر: {لاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف:87]، وإن مع العسر يسرا، وبعد الليل فجرا، وأشد ساعات الليل سوادا وظلمة هي السويعات التي تسبق الفجر". وتوجه إليهم بالقول: "أيها الشباب: حافظوا على حياتكم، فإن حياتكم نعمة من الله يجب أن تشكر، ولا تحرقوا أنفسكم، فإن الذي يجب أن يحرق إنما هم الطغاة الظالمون، فاصبروا وصابروا ورابطوا، فإن مع اليوم غدا، وإن غدا لناظره قريب، وصدق رسول الله إذ يقول: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم تلا قوله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]". وخلص القرضاوي إلى أنه "لدينا من وسائل المقاومة للظلم والطغيان ما يغنينا عن قتل أنفسنا، أو إحراق أجسادنا. وفي الحلال أبدا ما يغني عن الحرام".