خلال هذه الأحداث التي تمرّ بالشقيقة تونس منذ حرق الشاب التونسي -الذي دخل التاريخ كمشعل لهذه الثورة- محمد بوعزيزي؛ كان الراصدون والإعلاميون في بقية أنحاء العالم يتابعون بدقة ما يكتبه الشباب التونسي في مواقعهم على (الفيسبوك) و(التويتر)، وما ينشرونه من مقاطع المواجهات مع الشرطة العسكرية التونسية على موقع (يوتيوب)، وكانوا بالطبع أميل لتصديق هؤلاء الشباب على الإعلام والتلفزة التونسية الرسمية، وأجمع الكثيرون منهم على أن شبكات الإعلام الجديد هي التي أبقت هؤلاء المتظاهرين على تواصلهم، وتنظيم صفوفهم، وأطلعت العالم على ما يجري في تونس بكل الحقائق، وفضحت – عبر تلك الصور التي بثت في (اليوتيوب)- التعامل الأمني القاسي مع المتظاهرين المدنيين، وكسبوا تعاطف العالم، إلى درجة أن أكبر رئيس دولة في العالم باراك أوباما أشاد بصمود الشعب التونسي ومطالبته بحقوقه. مواقع الإعلام الجديد باتت لاعباً رئيساً ومؤثراً في أحداث العالم، وتجاوز دورها دور الإعلام التقليدي بشكل كبير، وباتت ترسم سياسة وتفرض واقعاً جديداً في العالم، ونحن نتذكر ما فعله قبل شهور قليلة موقع (ويكيليكس) من فضح ساسة البسيطة أجمع؛ عبر وثائقها التي سربتها، وكان الموقع نجم عام 2010 م، فيما كان مؤسسه جوليان سانج هو رجل العام بلا منازع، وهذه المواقع باتت تشكل جيلاً من الشباب (الجيسبوك) في كل أنحاء العالم، يحمل سمات مشتركة –على اختلاف مواقعهم الجغرافية والعرقية- عنوانه؛ الثورة والتمرد والمطالبة بالشفافية والحقوق، وبحسب الخبراء المتابعين للظاهرة فإن "دور ال(فيسبوك) تصاعد وزاد تأثيره في الجدل العام، وتحول إلى ظاهرة سياسية وليس مجرد ساحة للتواصل الاجتماعى والثقافي، استهوت قطاعات واسعة من الشباب وبدت وكأنها أقرب للتعبير عن جيل جديد عبر عن نفسه بصورة فيها كثير من التمرد والاحتجاج، وقليل من القدرة على البناء، والنجاح في تجاوز قيود (الجيتو الجيلى)". الشباب السعودي وبحسب الإحصاءات العديدة من مراكز بحث معتمدة؛ هم أكثر الشعوب العربية غشياناً لل(فيسبوك) وحتى (اليوتيوب)، وهم نشطون جداً في هذه الساحات، ولعل ما قام به هؤلاء الشباب إبان كارثة سيول جدة يعطينا دليلاً على حيويتهم، وعلى تفاعلهم الكبير وحراكهم الذي يقومون به في تلك الساحة، فلولا تلك الصور التي حاول الإعلام التقليدي حجبها؛ لما اطلع المجتمع وولاة أمره على تلك الفظائع التي حدثت، وشبابنا بالتأكيد ليسوا استثناء عن القاعدة وبقية شباب (الفيسبوك) في العالم، فهم يحملون ذات السمات والملامح، مما يجعلني أنبه هنا القيادات التربوية والفكرية والسياسية في بلادي، إلى ضرورة التعاطي الجديد مع هذا الجيل الذي يتشكّل عبر هذا الإعلام الجديد، ومن تجربة شخصية؛ شرفت بلقاء بعض هؤلاء الشباب في منتدى خاص لهم في جدة، فألفيتهم -عبر مناقشاتهم وأسئلتهم- جيلاً ثورياً وجريئاً ومقتحماً، بل حتى روح الأدلجة الفكرية لم تبد عليه بشكل كبير، فقد ناقشت وتابعت مجموعة من شباب التيار الإسلامي الذين اقتحموه، ورأيتهم يذوبون شيئاً فشيئاً في أتون فكر الفيس الواسع، فخفّ انتماؤهم الأيديولجي في مقابل أفكار إصلاحية يشتركون فيها مع شباب آخرين لم يكونوا من نتاج محاضن التيار الديني، وكلهم يحمل الفكر الجديد الذي تشرّبوه من غشيانهم (الفيسبوك)، فكل همومهم وأولوياتهم الكبرى؛ مطالبات الإصلاح، وحماية المال العام، وتوزيع الثورة والشفافية، ومكافحة الفساد، والحقوق الخاصة والعامة.. ربما استنقاذ بعض هؤلاء الشباب الذي بدأ يغادر ساحة التدين عموماً، شجّع بعض الرموز من الدعاة والشرعيين ليقتحموا هذا العالم العنكبوتي، ودخلوا (الفيسبوك)، وبحسب الناشط الصديق مهنا الحبيل؛ كانوا هؤلاء الرموز يأتون بذات الفكر الأبوي والإملائي، ويتلبّسهم التوجس والحذر والنظرات المستريبة، لكنهم سرعان ما يذوب كثير منهم في مناخ هذه الجمهورية الافتراضية العجيبة، عندما يواجهون شباباً يجهرون بآرائهم، وينقدون ما يرونه خطأ في كتاباتهم بصراحة شديدة، إلى درجة أن بعضهم كان يقوم بمساجلة شيخه قبل سنوات ويخطّئه في آرائه. مناخ جديد بعكس ما كانت عليه المحاضن الصحوية الدينية من التلقي دون مناقشة أو معارضة، وتتعجب من أن بعض مواقع الدعاة، حجبت من قبل مشرفي (الفيسبوك) من أمثال موقع الشيخ عوض القرني والشيخ حاتم العوني، ما يلقى ظلالاً من الشك في من يقف وراء هذه الساحات العنكبوتية. أتوقع أن منابر الإعلام الجديد، سيمتطيها الشباب العربي للتعبير عن آرائه واحتجاجه بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً وعلى نطاق أوسع خلال المستقبل المنظور، وستمتد ثورة تونس إلى بقية البلدان العربية التي تعاني من الفساد والظلم والتهميش والمحسوبيات، ونسأل الله أن يحفظ مجتمعنا من هذه الامتدادات، وهي فرصة لأذكّر وزراءنا الكرام بضرورة امتثال ما ينبّه إليه، ويكرّره دوماً والدنا خادم الحرمين الشريفين -شفاه الله وأعاده إلينا سالما- ؛ بجعل المواطن وتلبية حاجاته الهمّ الأول لديهم، وعليهم التحرّك الجاد، ومعالجة الملفات الصدئة التي لم نقم بشيء حيالها، خصوصاً ملف البطالة، وإجبار رجال الأعمال الذين أثروا من المال العام خلال سنوات الطفرة، بتدريب الشباب واحتوائهم وتوظيفهم كواجب اجتماعي جبري عليهم، فقد طالعنا خلال الأسابيع الماضية مواقع ويكليكس سعودية، قام بعض الشباب السعودي بنشر بعض أوجه الفساد بالوثائق، وأتصوّر أنها ستزداد بشكل مستفيض، وإرهاص تجمّع أكثر من مئتي خريج أمام مبنى وزارة التربية والتعليم، يعطينا مؤشراً مهماً في ضرورة إعادة النظر في طرائق التعامل والبدء بفورية لا تقبل التخاذل في تقديم الحلول الناجعة للمشكلات الكبرى، ويا قوم إننا جزء من هذا العالم الذي يمور. * إعلامي سعودي [email protected]