وسألت: ما هو التفضيل المشار إليه في الآية الكريمة فضيلة الشيخ؟ إذ يقول ابن كثير أن الرجال أفضل من النساء لهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم ومناصب القضاء.. البعض يقرأ هذه الأفضلية بأنها نقص في المرأة خاصة أعداء الدين! فأجاب: هذا أمر واقعي، والواقع يشهد بهذا، فهو خير دليل ولا ينكره أحد.. وشاءت حكمة الله عز وجل أن يخلق الإنسان من هذين الجنسين.. ويخص الذكر بأمور تؤهله ليكون هو القائد العام أو القائد الخاص. وهذا لا يعني انتقاص المرأة وأن الله تعالى جعلها في مرتبة ثانية " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما" وهذه الآية تسبق قول الله تعالى "الرجال قوّامون على النساء".. فلا يجوز في القرآن الكريم أن ننظر الى جزئية ونقتطعها من سياقها ونسلِّط الضوء عليها دون ما قبلها وما بعدها.. هذا التفضيل سنّة كونية شاءها الله تعالى أن تكون واقعاً فكيف نتعامل معها؟ لا ينبغي للنساء أن يتمنين أن يكن محل الرجال بهذه الأفضلية الجسمية وقد ورد أن أم سلمة قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث.. فأنزل الله تبارك وتعالى "ولا تتمنّوا ما فضل الله به بعضكم على بعض".. الآية ترشد أن المعوّل عليه الكسب.. وليس ما شاء الله أن يفضل هذا على هذا.. قد يكون التفضيل في الجنس الواحد فبالجملة لا تتمنوا.. والتفتوا إلى الأمر الصحيح وهو الكسب في الدنيا والآخرة فهذا هو ما يهم كل مخلوق أن يسعى إلى الكسب الحقيقي.. الفوز في الدنيا والآخرة.. هذا هو الأصل في إيمان المؤمن أصلا إذ يلتفت الى جوهر الأمور في الحياة وهو الفوز يوم القيامة "كل نفس ذائقة الموت وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" .. المؤمن يرى بأن فوزه عند الله عز وجل هو الهدف الأسمى وهو المصلحة الكبرى، لذلك قال الله تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" .. كما هي عادة القرآن الكريم عندما يلتبس أمر على الإنسان وينشغل بما لا ينبغي أن ينشغل فيه يحيله إلى ما ينبغي له أن يفعله كما قال: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى".. فأرشدهم إلى أن يلتفتوا إلى ما يصلح شأنهم ولا يتعلقوا بظواهر الأمور.. فالإنسان في هذه الدنيا خلقه الله تعالى أصلاً غير متشابه مع غيره سواء كان رجلا أو امرأة.. لا يوجد كائنات متشابهة لأن الله تعالى أراد أن يبتلي كل إنسان بقدر ما يتيح له وما يعطيه فهذا غني وهذا فقير وكلّ يُبتلى بكسبه ضمن ما حباه الله تعالى وهذا هو النظر الصحيح.. ثم إن الآية "الرجال قوامون على النساء" خُتمت بقوله تعالى "إن الله كان علياً كبيرا" وقد أشار كثير من المفسرين إلى هذه الخاتمة البديعة لهذه الآية.. وقال ابن كثير أن هذا فيه تهديد للأزواج إذا بغوا على زوجاتهم فليعلموا أن الله العلي الكبير سينتقم منهم ولا يرضى الظلم.. والألوسي أيضاً في روح المعاني قال: تحذير للأزواج وليعلموا أن قدرة الله تعالى عليهم أكبر من قدرتهم على أزواجهم إلى آخر هذه المعاني.. وسألت: الأحكام الشرعية لكل زمان ومكان.. ولكن الرجال تغيّروا كثيراً وتبدّلت مفاهيم أدوار الزوج وأحياناً نجد الزوجة هي الملتزمة الخاضعة للشرع والزوج بعيد عنه فكيف يكون قوّاماً ويؤدبها ويلزمها بالشرع؟ فأجاب: فعلاً الإسلام خاتمة الشرائع وهو نبراس الناس إلى يوم القيامة ولكن قد يطرأ تغيير على التطبيق لدى المسلمين.. فإن قصّر مسلم في واجبه فهل يبقى له كامل الحق على غيره، كما إذا قصّر الرجل في واجباته الفردية بينه وبين الله تعالى أو الرعائية لأسرته هل له أن يطالب بحقوقه على زوجته كما لو أنه قائم بما عليه؟ هذا الأمر في الحقيقة متوازي .. أولاً علينا أن نعلم بأن الله تعالى ذمّ الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.. فلا يجوز للمسلم إلا أن يطبّق شرع الله تعالى كاملاً ما استطاع.. العذر الوحيد في التقصير بتطبيق شرع الله هو عدم الطاقة والاستطاعة.. أما التقصير فليس بعذر وهو نقص في الإيمان.. فعندما يتمادى الرجل بحجة أنه ليس لأحد عليه سلطان ويفرّط في الحقوق ويسير فيما لا يرضي الله تعالى ثم يطالب الزوجة بأداء حقوقها الشرعية ويخوّفها بالله تعالى فهذا لا يستقيم، وهذا تناقض فاضح، وهذا تعسف في استعمال الحق.. إن كان الشرع قد أعطى الزوج شيئاً من الحق في التوجيه والرعاية والولاية فينبغي عليه أن يقوم هو نفسه عملياً بما يرضي الله تعالى، حتى يكون قدوة لزوجه ولأولاده، ولا يكون قوله مناقضاً لفعله.. لذلك لا نقول له لك كامل الحق على زوجتك إن أنت فرطت بالحقوق والواجبات التي عليك، هذا أمر يخضع للتوازن.. فبقدر ما يعطي بقدر ما يستحق.. وهذا قد بسطه الفقهاء خصوصاً الذين قننوا الفقه والأحوال الشخصية والقضاء بأن الزوج إن فرّط في حقوقه فإن للمرأة أن لا تطيعه إلا عندما ترى أن حقها أيضاً قد وصل إليها.. ولها أن تلجأ إلى القاضي في تحصيل حقوقها.. ثم سألت: يقول الدكتور سعد البريك أن "الرجل قيّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت". ومن يؤدب الرجل حين يعوَج خاصة في البيت فضيلة الشيخ؟ فأجاب: يؤدبه أمران: أولاً الله عز وجل وخوفه من الله تعالى، وهذا ما يُقال في قوله تعالى "إن الله كان علياً كبيرا" واختيار هذه الخاتمة لآية القوامة كتهديد للأزواج.. ويقوّمه أيضاً السلطان والقاضي.. فإذا اشتكت المرأة ظُلم زوجها إلى القاضي ينبغي أن ينصفها غاية الانصاف.. فيعزّر الزوج أي يعاقبه إما بضرب أو حبس أو أمور التعزير التي ليس فيها حد.. كما قالوا أنه إذا ضربها ضرباً فاحشاً ولو كان بحق فإنها ترفع أمرها إلى القاضي وهو يعزّره إما بمثل الضرب أو بالحبس أو بأي عقوبة مؤثرة فيه تردعه عن هذا السلوك.. فليست سلطته مطلقة.. إن كان له رادع ذاتي وهو خوفه من الله تعالى فبه ونعمّا، وإن لم يكن فالسلطان والقضاء هو السقف الذي يقوّمه وينزع عنه شوائبه.. ثم سألت فضيلة الشيخ جواباً مختصراً عن سؤال: متى تسقط قِوامة الرجل؟ فأجاب فضيلته: إن لم يكن أهلاً للقوامة على نفسه.. فهو نفسه غير مخوّل في الشرع أن يقيم شؤون نفسه فكيف يقيم شؤون غيره.. ويحتاج لمرشد أو قيّم ولا يمكّن من الأموال التي له فهذا من الأولى أن تسقط قوامته على زوجته.. فسألت: ماذا لو كان الزوج قاسياً مع زوجته أو عاصياً مرتكباً للكبائر ألا تسقط قوامته.. فأجابني فضيلته: إن كان عارضاً فقد يحلّ بالتفاهم بين الزوجين والتحاور والتوافق.. وقد لا يحل إلا بالقضاء وإن كان عارضاً.. أما إن كان متأصلاً فيُلجأ الى القضاء ويحاول القاضي بداية الإصلاح فإن لم يجد وسيلة للإصلاح لجأ إلى نزع القوامة ورفع الظلم عن المرأة.. أما المعاصي والكبائر فلا تُسقِط القوامة فقد يكون منغمساً في معصية ولكنه قائم بشؤون بيته من ناحية أُخرى على وجه صحيح.. أما الكبائر فوبالها عليه وهي بينه وبين ربه جل وعلا.. وأنهيت بسؤال: سوء تطبيق الرجال للقِوامة جعل البعض ينفر منها ويشوّه صورة الدين نفسِه.. لأنها أصبحت عند البعض تسلطاً وتعنتاً وقهراً للمرأة وسعياً لإلغاء شخصيتها.. يقول الإمام الزمخشري: إن الولاية تُسْتَحق بالفضل لا بالتغلب والاستطالة والقهر.. وهذا يقودنا إلى سؤال مهم فضيلة الشيخ: ما هي ضوابط القوامة؟ فأجاب: القوامة ضوابطها الرعاية والحماية والكفاية والولاية كما ذُكِر.. فهنا نجد بأن الأمور الأربعة مبناها على العطف والرحمة وليس على التسلط والقهر.. فإن كان الله تعالى قد أعطى الرجل خصائص خَلقية فهذا يزيد عليه المسؤولية والسؤال عند الله تعالى والحساب.. فيجب أن يتعامل مع زوجته بالرحمة والمودة والعطف والحنان في تطبيق هذه القوامة.. الرجال الذين يرون في القوامة السلطة والترفع والأمر المتعالي والقهر هؤلاء دخلوا تحت قوله عز وجل "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض".. لأن الله تعالى لم يرد من القوامة إلا الإصلاح، ولم يرد أن تكون القوامة نقطة نفور ونقطة قهر ونقطة ظلم للمرأة.. بالعكس أرادها نقطة إحياء وتكريم وحماية للمرأة.. فالذين يسلكون غير هذا السبيل لا يقومون بالمطلوب من القوامة ولا يعطونها مضمونها وروحها وهدفها.. لذلك يمكن أن يقال بأنهم ليسوا أهلاً للقوامة من الجانب المعنوي.. وأنهم يجلبون على أنفسهم سخط الله تعالى عندما يستغلون هذه القوامة في إثبات ذاتهم وسلطتهم على المرأة لمجرد أنهم أصحاب حق في ذلك.. فهنا تطبيق خاطئ تماماً للقوامة.. قوله عز وجل "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" مساواةٌ تامةٌ بما يجب لها ويجب عليها ويجب له ويجب عليه.. وقوله تعالى "وللرجال عليهن درجة" قال ابن عباس الدرجة هنا بأن يبذل الرجل مزيداً من الفضل ومزيداً من الرعاية وأن يغمِط نفسه من أجل زوجته.. ونصيحة لإخواني الرجال ولأخواتنا النساء أن الله تعالى خلق الناس من ذكر وأنثى لتستمر الحياة وليس لتمايز الذكر والأنثى وإنما للتكامل.. فقد قال فقهاؤنا: الحياة الزوجية تقوم على التكامل وليس على التحاقق.. وكلٌّ يغطي الجانب الذي يختص به ويضيفه إلى الجانب الآخر من الطرف الآخر لكي تكون الحياة على أرفع ما يكون من العطف والمودة والرحمة.. القرآن ينظر إلى الزوجين أنهما طرف واحد وجسم واحد وجهة واحدة.. فأنت هي وهي أنت! وجدتُ في هذه الكلمات أجوبة شافية.. فهل زال كلّ لبس.. أم أن هناك ما يترنّح في القلب بعد؟!