قرر البابا شنودة الثالث، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إلغاء العظة الأسبوعية المقررة غدًا الأربعاء، مواصلاً اعتكافه الذي بدأه مساء الأربعاء الماضي احتجاجًا على استمرار حبس المسيحيين المتهمين في أحداث العمرانية في 24 نوفمبر الماضي، على الرغم من الإفراج عن 70 من المعتقلين على خلفية الاعتداء على رجال الشرطة ومحاولة اقتحام مبنى محافظة الجيزة. وقال مصدر مقرب من البابا شنودة، إن البابا قرر الاستمرار في اعتكافه ورفض إلقاء عظته الاسبوعية يوم الأربعاء لتوجيه رسالة احتجاج صريحة ضد الدولة، بعد أن وعد الأقباط أنه سيدافع عن الشباب المحبوسين في أحداث العمرانية "بروحه"، متعهدًا بالتدخل من أجل إطلاق سراحهم. غير أنه استبعد أن يصل الأمر حد إلغاء الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام، بعد أن كشف عن حصول البابا على وعد من مسئول كبير بالدولة بالإفراج عن بقية الشباب المحتجزين قبل الاحتفال بقداس عيد الميلاد. يأتي هذا في الوقت الذي أصدر فيه المستشار عبد المجيد محمود النائب العام أمس قرارًا بإخلاء سبيل 70 متهما من بين 154 متهما محبوسين احتياطيا على ذمة التحقيقات في أحداث العمرانية، مراعاة لظروفهم الصحية والتعليمية, حيث تم إخطار قطاع مصلحة السجون بتنفيذ قرار الإفراج على الفور. وكان النائب العام قد تلقى طلبًا من عدد من المتهمين المحبوسين احتياطيا على ذمة التحقيقات في القضية, يلتمسون فيه الإفراج عنهم نظرا لظروف بعضهم الصحية والمرضية التي تتطلب إخلاء سبيلهم, وكون البعض منهم طلبة بالمدارس والجامعات. وإثر ذلك أمر بتشكيل فريق من محققي النيابة العامة لبحث وفحص حالة جميع المتهمين, وانتهى إلى إصدار قرار أمس بإخلاء سبيل 70 متهما من بين 154 متهما على ذمة التحقيقات التي لا تزال تباشرها النيابة العامة، نظرًا لأن بعضهم يعاني من إصابات, والبعض الآخر من المتقدمين في السن، بالإضافة إلى عدد من طلبة المدارس والجامعات حرصا على مستقبلهم التعليمي. كما أمر النائب العام باستمرار دراسة موقف بقية المتهمين المحبوسين احتياطيا على ذمة التحقيقات للوقوف على طبيعة أوضاعهم الصحية والإنسانية, تمهيدا لعرض أمرهم عليه لاتخاذ القرار اللازم بشأنهم في ضوء التحقيقات الجارية في أحداث العمرانية . وأثار قرار الإفراج عن نحو نصف المحتجزين على خلفية أحداث العمرانية ترحيبًا في أوساط الكنيسة، وسط مطالبات بإطلاق سراح بقية المتهمين في غضون الأيام المقبلة حتى يتسنى لهم الاحتفال بعيد الميلاد. وصرح القس صمويل متى ساويرس عضو المجلس الملي الأعلى الشكر لوكالة "رويترز": "نشكر القيادة السياسية والنائب العام ونأمل في أن يتم الإفراج عن باقي المتهمين خلال الأسبوع الجاري. من الافضل أنهم سيقضون أعياد الميلاد مع ذويهم"، مشيرًا إلى أن "المتهمين كانوا في وضع المدافعين عن حقهم وكنيستهم"، على حد قوله. وأثار قرار البابا بإلغاء العظة الأسبوعية ردود فعل، ففيما أيد البعض ذلك رفض البعض الآخر مطالبا بتجنيب العظات الدينية المسائل السياسية وطالب بتطبيق القانون على المتهمين في أحداث العمرانية إذا ثبت بالفعل إدانتهم. وقال الباحث والكاتب كمال جبريال ل "المصريون": "العظة الأسبوعية لا ينبغي أن تكون لها علاقة بالسياسة"، معتبرا أن تأجيلها يمثل الواقع المتردي المصري الذي جعل رجال الدين يمارسون السياسة سواء من المسلمين أو المسيحيين، فأصبح رجل الدين بدلا من أن يعظ الناس ويقول "اعبدوا ربكم" يمارس السياسة. لكنه رأى إذا "كان الدافع وراء قرار البابا شنودة هو "تخاذل" الدولة في حماية الأقباط وفي إقرار السلام الاجتماعي وسيادة القانون فيجب أن يشاد له بهذا الموقف". وأوضح أن المحتجزين في أحداث العمرانية ينبغي أن ينالوا جزاءهم وأن يطبق عليهم القانون بدون رحمة، لأن الرحمة هي عدم العدالة، ويجب تطبيق القانون علي من ارتكبوا جرائم بالفعل وليس القبض العشوائي، متهما الأمن بأنه يقوم بالقبض علي مجموعة من الأقباط في حالة حدوث أي صدام بينهم كي يتنازل الأقباط عن حقوقهم في مقابل الإفراج عن ذويهم. ورفض اللجوء إلى مناشدة الرئيس للإفراج عن المحتجزين باعتباره يعكس عدم تفعيل سيادة القانون وهي المشكلة الحقيقة في مصر، من وجهة نظره، مطالبا بتحقيقات نزيهة لكل الأطراف في أحداث العمرانية ومن ثبت ارتكابه لعمل إجرامي يطبق عليه العقوبة المنصوص عليها في القانون وأن يتم الإفراج عن الأبرياء فورا. وطالب أيضا بتحقيقات مع رجال الأمن الذين تعاملوا مع الحادث لاستخدامهم الذخيرة الحية وتسببهم في مقتل اثنين وإصابة العديدين، مشيرا إلى أن هناك أساليب أخري كان يجب أن تتخذ غير التي حدثت وان جنح المتظاهرين إلي العنف مع الأمن. من جانبه، اعتبر ممدوح رمزي المحامي بالنقض أن ما يقوم به البابا ليس بضغط وإنما هو حق طبيعي، لان الأقباط من الناحية الروحية مسئولون من البابا ومن حقه اتخاذ إجراءات لحماية شعبة، واصفا الأقباط بأنهم "المجني عليهم وأنهم لا يستطيعون أخذ أبسط حقوقهم الدستورية وهو حق ممارسة الشعائر الدينية"، مستنكرا التعامل الأمني مع القضية واستخدام الذخيرة الحية معهم. ورأى أن الأقباط المعتقلين في أحداث العمرانية ليسوا معتقلين على ذمة قضية دينية وإنما علي ذمة قضية سياسية ودينية بالدرجة الأولي، ولم يوجه إليهم تهما جنائية، معتبرا أنهم كانوا يتظاهرون مثلهم مثل باقي الشعب، متسائلا: لماذا تم استعمال العنف والذخيرة الحية ويتم قتل وإصابة أشخاص منهم؟. من جانبه، شكك مدحت بيشاي عضو التيار العلماني في مسألة اعتكاف البابا في وادي النطرون من الأساس، معتبرا أن أحداث العمرانية مثلت ضغطا كبيرا عليه، لأنه فوجئ بالتعامل الأمني الأول من نوعه والذي أدي إلى وفاة اثنين بالذخيرة الحية وإصابة العديد، واصفا قرار المحافظ في استدعاء الأمن بالمتعجل وكان يجب أن يأخذ بروح القانون، مؤكدا في الوقت ذاته انه لا يتعاطف مع الخطأ فيما حدث من المتظاهرين تلك أحداث ويجب محاسبة كل من أخطا في هذه الأحداث من كلا الطرفين. و أكد أنه يجب أن يكون القانون هو السائد ولا يحق لأحد أو أي شخص أيا كان مكانته أن يقوم بالضغط علي أي طرف من الإطراف لإصدار قرارات من شأنها تعطيل القانون. بدوره، اعتبر الدكتور رفيق حبيب الكاتب والباحث القبطي أن ما يقوم به البابا شنودة هو من أساليب للمقاومة السلمية التي ظهر عبر سنوات منذ عهد الرئيس السابق أنور السادات، وهو الأسلوب المفضل لدي الكنيسة، كالاعتكاف وإلغاء الأعياد وعدم استقبال مندوب الرئيس، مشيرا إلي أن هذا كلها أشكال من الغضب السلبي التي تري الكنيسة أنها تستطيع القيام بها ويمكن أن تؤدي إلي نتائج أفضل من المواجهة المباشرة أو التصعيد سواء داخل الكنيسة أو في الشارع. وأضاف" الواضح إنه بعد أحداث العمرانية أن هناك قرارت ضمنية داخل الكنيسة بأن الكنيسة سوف تضغط حتى خروج آخر شخص من المحتجزين، وبالتالي تمارس الضغط بكل أوراقها حتى يتم الإفراج عنهم، رأى أنه بعد الإفراج عن حوالي نصف المحتجزين، فإن ما أرادته الكنيسة سوف يتحقق وسيتم الإفراج بالتوالي وتغلق القضية. وأشار إلى أنه من الواضح أن الدولة بعد أن دخلت في مواجهة مع كل القوى السياسية في مصر لا يمكنها أن تدخل أيضا في مواجهة مع الكنيسة، "فعندما تدخل الدولة في صراع مع أطياف كثيرة وتتجنب المواجهة مع الكنيسة وتقبل ضغوطها فهذا يحدث خللا في التوازن الاجتماعي بالدولة". وأوضح بأنه يجب الاعتراف بأن سيادة القانون تراجعت، والقانون لا يحضر لصالح أي طرف وهذا ما حدث في الأحكام التي أبطلت الجزء الأكبر من انتخابات مجلس الشعب، وتعامل الدولة الكنيسة باعتبارها ممثلا للأقباط وهذا يعد اعترافا ضمنيا بولاية قانونية وسياسية علي الأقباط من جانب الكنيسة، وبالتالي فهم رعايا الكنيسة والكنيسة من ضمن رعايا الدولة وبالتالي فلا يطالب الأقباط بحقوقهم بشكل مباشر من الدولة وإنما من خلال الكنيسة وما يقوم به البابا شنودة يقوم علي هذا الأساس. واستدرك: "صحيح أن الدولة تبدو غاضبة من الكنيسة، لكنها مثل الكنيسة تغضب أحيانا ثم ترضخ لمطالبها ولضغوطها أحيانا أخرى، والكنيسة تفعل نفس الشئ مع الدولة"، معتبرا أن أحداث العمرانية قضية قانونية في المقام الأول وهي ليست مثل قضية الأحوال الشخصية التي تتعلق بالشريعة المسيحية، وبالتالي حتى وإن كان الصدام حدث بسبب كنسي، لكنه في النهاية صدام بين مجموعة من المواطنين وأجهزة الأمن ويجب إخضاعه للقانون بالكامل فهذه ليست قضية من قضايا الكنيسة وليست شأنا من شئونها. يذكر أن المتهمين في أحداث العمرانية تم تجديد حبسهم قبل نحو أسبوع لمدة 15 يوما على ذمة التحقيقات التي تجريها نيابة جنوبالجيزة, بتهمة التعدي على رجال الأمن ورشقهم بالحجارة وزجاجات المولوتوف الحارق وتحطيم واجهات عدد من المباني وحيازة أسلحة بيضاء بدون ترخيص.