- ما أهمية أن تدخل التاريخ من باب المبدعين ، وتسجل إسمك في سجل الخالدين ، ثم تخرج من التاريخ الى مقابر الصدقة ؟ إستفهام مصحوب بالحسرة ، سؤال شغلني كثيرا ، وتوقفت أمامه طويلا ، وكان صاحب السؤال مشهد دفن شاعر الغلابة و العامية المصرية أحمد فؤاد نجم في مقابر الصدقة التابعة للجمعية الخيرية الإسلامية لأبناء ميت عفيفي بالقاهرة . في سبعينيات القرن الماضي كانت حجرة ( نجم شاعر الغلابة ) المتواضعة فوق سطح أحد البيوت في حارة (خوش قدم ) بحي بولاق الدكرور مزارا للطلاب والمثقفين والثوريين ، قال عنه الشاعر الفرنسي ( لويس أراجون ) : إن فيه قوة تسقط الأسوار ، وأطلق عليه الدكتور علي الراعي الشاعر البندقية ، ووصفه الدكتور جابر عصفور بأنه إقتحم الحضور الثقافي كعاصفة التمرد التي كانت تمور في داخلنا . إختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة في عام 2007م سفيرا للفقراء ، وحصل على المركز الأول في إستفتاء وكالة أنباء الشعر العربي . فاز في عام 2013م بجائزة الأمير كلاوس الهولندية ، وتوفى قبل أن يتسلمها ، والجائزة من أرقى الجوائز في العالم . وعد محافظ القاهرة الدكتور جلال مصطفى سعيد بدراسة تشييد تمثال لشاعر الغلابة تكريما لأسم أحمد فؤاد نجم . قصائده جعلت منه أهم شعراء العامية في مصر ، وأحد أهم ثوار الكلمة ، والمعارض الدائم للسلطة حتى وصفه الرئيس السادات بالشاعر البذيء ، وظلت معارضته للسادات ومبارك ولم يسلم منها مرسي . قصائده على كثرتها لم تشفه من المرض ، ولم تغنه من الفلس ، ولم تشبع جوعه ، قضي بسببها (18 ) عاما من زهرة عمره خلف القضبان ، ولم يغير ذلك من مساره ، أو من لونه الذي ظل ثابتا عليه في وقت غير فيه آخرون ( ممن كانوا يتظاهرون بمعارضة السلطة ) لونهم ، وجلدهم ، وظهرت عليهم نعمة الإقتراب من السلطة ، وظل هو قابعا هناك فوق السطوح لم يغادرها ولم تغادره . فقيرا عاش ، ومعدما مات ، ولم يجدوا له إلا مقابر الصدقة المخصصة للمعدمين والمشردين ليدفن فيها . حالة متميزة لشاعر متميز ، صادق الكثيرون شعره وإلتحفوا به ، عاش الشعر ، وعاشه الشعر ، كسب العالم بشعره ولم يخسر نفسه ، وعاش متوقد الذهن ، حاضر الذاكرة ، فخورا بشعره ، وبثوبه الذي لم يغيره ، وسطوحه التي لم يغادرها ، متفاعلا مع قضايا مصر وثورتها . وعاد السؤال يلح من جديد وبشدة ، ما أهمية أن تدخل التاريخ من باب المبدعين ، وتسجل إسمك في سجل الخالدين ، ثم تخرج من التاريخ الى مقابر الصدقة ؟وعجزت عن الإجابة ، فمن يجيب ؟