نضر الله وجوه قضاة كانوا يحكمون بالعدل فتدوي قاعات المحاكم بصيحات ( يحي العدل ... يحي العدل ) أما وقد تواري هؤلاء القضاة أصحاب الضمائر الحية والنفوس الزكية والقلوب الرضية فقد تلاشت معهم هذه الصيحات التي تخشع لها القلوب وتبش لها الوجوه وتدمع معها العيون لا من شيئ إلا من فرحة تألق الحق وتسيده برجاله الحقيقين ..!! – للأسف - ذهب الحق في حضور الباطل ، وانزوت المروءة في بروزالدنية ، واتبع الهوي فغابت المبادئ ، وتسلطت المصلحة الدنيوية فتسيدت الضلالة القمعية وهذا ما كان يخشاه الإسلام أن يسري في أتباعه فكان لا ينفك عن نصيحتهم ....!! " يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"( ص :26) .. هذه وصية من اللّه عزَّ وجلَّ لولاة الأمور، أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل اللّه، وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد، روى ابن أبي حاتم بسنده عن أبي زرعة - وكان قد قرأ الكتاب - أن الوليد بن عبد الملك قال له: أيحاسب الخليفة فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أقول؟ قال: قل في أمان اللّه، قلت: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على اللّه أو داود عليه الصلاة والسلام؟ إن اللّه تعالى جمع له النبوة والخلافة ثم توعده في كتابه فقال تعالى: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه" الآية وهذا قاضي لا يعدل حتي في الكنية فينصحه ( رئيس الدولة أن يعدل ) كيف ؟ عندما فقد علي بن أبي طالب رضي الله عنه درعه ذات يوم، وهو راجع من غزوة صفين، ذكر له أن درعه عند رجل يهودي، فقال لليهودي بلباقة وهو أمير المؤمنين: هذا درعي، قال اليهودي: بل هو درعي أنا، قال علي بن أبي طالب : نذهب أنا وأنت إلى القاضي، فذهب الاثنان إلى القاضي شريح رحمه الله، فجلس علي واليهودي على كرسيين متساويين أمام القاضي شريح ، فقال القاضي شريح : هل لك بينة يا أبا الحسن ؟ فغضب علي رضي الله عنه وقال: لماذا تكنيني ولا تكني اليهودي؟ لا بد أن تعدل حتى في الكنية، قل : يا علي ، قال : هل لك بينة؟ قال: والله ما عندي بينة، ولما كان أمير المؤمنين ( رئيس الدولة ) لا يملك بينة فقال: الدرع لليهودي،فلم يقم علي الدنيا أو يقعدها مع أنه ل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم تتحرك جحافله للقضاء علي الاخضر واليابس كلا !! وهو يختصم مع يهودي علي غير الملة ..!! البينات حسب الظواهر أن الدرع لليهودي وليس عند علي بينة ، وهنا خجل اليهودي وتعجب من هذا الحكم، كيف يجلس اليهودي مع علي بن أبي طالب أمير المؤمنين على كرسيين متساويين؟! فقام اليهودي وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أنها أحكام أنبياء، الدرع لك يا أمير المؤمنين، تبعتك يوم صفين ووجدته قد سقط منك، فقال علي رضي الله عنه: أما وقد اعترفت وأسلمت فإن الدرع لك . ما الذي دعا اليهودي إلى أن يعتنق دين الإسلام غير العدل الذي طبق مع قضاة العدل ..!! وعندما تسود الحرية يقتص من الامراء والوزراء والوجهاء اتباعا لتعاليم السماء ..!! كيف ؟!! عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال : عذت بمعاذ ، قال : سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته ، فجعل يضربني بالسوط ويقول : أنا ابن الأكرمين ، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ، ويَقْدم بابنه معه ، فقدم ، فقال عمر : أين المصري؟ خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ، ويقول عمر : اضرب ابن الألْيَمَيْن ، قال أنس : فضرب ، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه ، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه ، ثم قال عمر للمصري : ضع على صلعة عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني ، وقد اشتفيت منه فقال عمر لعمرو : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ...!! وفي واقعنا المعاصر عندما تغيب الحرية ويعلو الفسلد ويتحكم الاستبداد فالعدالة السائدة انقلابية انتقائية انتقامية بامتياز !! كيف ؟ الشرفاء في السجون والقتلة يتجولون ، تعم فالذين قتلوا الشعب بالمئات ولهم صور وفيدوهات موثقة ( بالصوت والصورة ) طلقاء ، والذين قتل ابناؤهم وذوهيهم وراء القضبان يواجهون المؤبد اوالاعدام لانهم قتلوا ابنائهم !! فهل مات العدل ؟ يتم الافراج عن طلبة التراس خوفا علي مستقبلهم ( ونحن مع ذلك ) ويحول طلبة الازهر وغيرهم للجنايات او الجنح ، قابعين في اماكن الحبس الاحتياطي - وأوضاعها معلومة للجميع - حتي يحكم علي كل منهم بعد ذلك بسبعة عشر عاما وغرامة أربعة وستون الف جنيه ...!! فهل مات العدل ؟ تحبس زهروات مصر وأحرار الكنانة لا لشيئ الا انهن يعبرن عن أرائهن في الوضع الراهن فيحكم علي كل واحدة احد عشر عاما ( يقارب عمرها ) لا لانهن خربن منشأت أو أصبن أفراد أو قتلن أشخاص كلا !! وإنما - فقط - لانهن أشرن بأربعة أصابع أو حملن لافتة تحمل تلك الاشارة ..!! فهل مات العدل ؟!! ربما أثبت هؤلاء المرتعشين المرتعدين للعالم كله بغبائهم الوراثي قبل السياسي أن هذه الاشارة أوقع في نفوسهم وأوجع في قلوبهم وأصوب في عقولهم من الضرب والقتل ..!! عندما يعتقل شيخ القضاة ، ويهان ويودع في السجن بلا رحمة ولا شفقة بعدما كبرت سنه وشاب شعره ورق عظمه .. فهل مات العدل ..!! عندما يضيع مستقبل لاعب متفوق ويهان من الاعلاميين المنقلبين ، بعد أن ادخل الفرحة في قلوب الملايين في وقت يكثر فيه قاتلي الافراح وزاهقي الارواح فقط لانه اشار بنفس الاشارة المفزعة القاتلة فهل ماتت المروءة ؟ !! سبحان مغير الاحوال الحرائر من احد عشر سنة إلي عام واحد مع وقف التنفيذ..!! ( له في ذلك حكم ) لكن الحرائر وهن خارجات من المتقلات يرفعن ذات الاشارة ويتوعدن بالخروج مرة اخري ..!! لم ينكسرن ولن ينكسرن ، إنه طريق البطل المغوار عمر المختار عندما أسره الطليان قالوا له : نطلق سراحك لو اشتغلت بنفسك وذهبت الي بيتك ، فقال لهم شامخا منتصرا وهو بين أيديهم : لو اطلقتم سراحي لحاربتكم من جديد ...!! وهذه أم علقمة الخارجية كانت من المجاهدات الصابرات في زمن الحجاج سيفهاغالبا فوق كتفها ..!! ذات يوم اشتاط منها غضبا ، فأمر خدمه وعبيده ليجروها اليه مقيدة صاغرة ..!! ذهبوا أليها قائلين : هيا الي الحجاج هو يريدك في أمر ..!! قالت : لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين ..!! كيف اذهب اليه والله يقول " ولا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار " فقيدوها وأخذوها غصبا اليه ، فلما أوصلوها وسيفها لازال معها ، قال لها الحجاج بن يوسف : كم خبطت بسيفك هذا خبط العشواء ..!! لم ترد عليه ولم تنظر اليه ..!! فقال: لماذا لا تنظرين الي ، قالت : أخشي أن انظر إلي من لا ينظر الله اليه ..!! ولقد صيرك الله في عيني أحقر من ذبابة ...!! وسيقت الي الاعدام وهي منتصرة تغلفها المروءة والشجاعة والاباء كما سمية بنت ياسر التي بصقت في وجه الطاغية ابوجهل وهو يصدعن سبيل الله ، وعمر بن المختار الذي واجه الطليان وهم يغزون ويحتلون بلاد المسلمين ...!! عندما ينتشر الظلم ويعم الفساد يبقي العبيد عبيد والاحرار أحرار ..!! لكن هل فعلا يموت العدل ؟!! لكن العدل المطلق سيكون في يوم التلاق ..!! فيه يبرز الجميع المؤمن والكافر ، الجاحد والشاكر ، الناسي والذاكر ، الابيض والاسود؟، الحاكم والمحكوم ، الظالم والمظلوم ...!! لا نتوءات ولا حصالات ، لا جيوب ولا خزانات لا بصمات ولا حتي ذرات ... لا يخفي علي الله منهم شئ "... يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِالْقَهَّارِ "( غافر : 15-16) لماذا كل هذا ؟ ليأخذ كل ذي حق حقه !! ليقتص المظلوم من الظالم في يوم لا جور فيه ولا بخس فيه ، في يوم لا غبن فيه ولا ظلم فيه ..!! كيف ؟ " الْيَوْمَ تُجْزَى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب "( غافر : 15-17) بل يكون لدي المظلوم هناك خيارات ثلاث ..!! يزيد من حسناته أو يتخلص من سيئاته أو يعفو مقابل القصور المشيدة باللؤلؤ والالفضة في الجنة كيف ؟ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر رضي الله عنه: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ فقال: رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة تبارك وتعالى فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي قال الله , عز وجل: أعط أخاك مظلمته قال: يا رب لم يبق لي من حسناته شيء قال الله , تبارك وتعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء ؟ قال: يا رب فليحمل عني من أوزاري قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم أوزارهم فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ فيقول: لأي نبي هذا ؟ لأي صديق هذا ؟ لأي شهيد هذا ؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن قال: يا رب ومن يملك ذلك ؟ قال: أنت تملكه قال: بماذا يا رب ؟ قال: تعفو عن أخيك قال: يا رب إني قد عفوت عنه قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ... في تفسير بن كثير . الا يحي العدل إذن ؟ نعم ... رغم استبداد المستبدين و ظلم الظالمين سنظل نقول ... يحي العدل يحي العدل ...!! نعم لازال هناك شرفاء ولازالت هناك مروءة ( عند النساء الحرائر قبل الرجال اصحاب الضمائر ) ولازال هناك خير ( الخير في وفي أمتي إلي يوم القيامة ) لازلنا نجد – في الحياة الدنيا - قضاة أحرار لم يلوثوا صحائفهم بأوامر الأشرار ..!! تذكرت قاضية انتخابات دمنهور الشهيرة لما وقفت بجانب العدل وشهدت بالحق عندما قرأت منذ اسبوع أن قاضية شريفة حكمت بالبراءة علي مجموعة من مؤيدي الحق وخرجت معهم بنفسها حتي اوصلتهم الي السيارة التي أقلتهم إلي منازلهم وابت ان تسلمهم للحرس خوفا من ان يعيدوهم أدراجهم مرة اخري ..!! فلتعلوا من جديد صيحات الحق والعدل .. يحي العدل .. يحي العدل .. يحي العدل !!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.