أصبحت إجراءات تأسيس حزب الوسط، وكأنها فصل من فصول محاكمة التيار الإسلامي المعتدل. فهي في الواقع لا تمت بصلة لإجراءات التأسيس، بمعنى أنها لا تشمل مراحل طبيعية لتأسيس حزب جديد، بقدر ما تمثل معركة قانونية وقضائية، من أجل أثبات حق الناس في تأسيس الأحزاب السياسية، ومن هؤلاء الناس الإسلاميون. ولكن الوقائع صارت في طريق الرفض لعدم التميز، في المحاولة الأولى والثانية، أمام لجنة الأحزاب وأمام محكمة الأحزاب. وأتضح أن مسألة التميز ليست إلا المبرر الموضوع في القانون لرفض الحزب الذي لا يرضى عنه النظام الحاكم. فليس من الصعب أن يكون الحزب متميزا عن الأحزاب الموجودة في الساحة، بل من الصعب أن تقييم حزبا متطابقا مع الأحزاب القائمة. وعندما وضعت محكمة الأحزاب قواعد للتميز، أدى ذلك إلى الموافقة على العديد من الأحزاب، حتى تدخلت الدولة وجعلت حكم محكمة الأحزاب قرارا سياسيا يصدر من النظام ويعلن من المحكمة. وفي المحاولة الثالثة لحزب الوسط، قررت اللجنة عدم تميز الحزب، وطعن في القرار أمام محكمة الأحزاب ذات التشكيل الخاص، وهي محكمة من درجة واحدة ولا يجوز الطعن فيها. وإذا بتقرير مفوض الدولة يرى أن الحزب متميز، ويعرض التقرير على المحكمة، ويصبح أمام المحكمة إما مخالفة التقرير وهو أمر غير مستحب قضائيا، أو مخالفة إرادة النظام الحاكم وهو أيضا أمر غير مستحب لأسباب كثيرة لها علاقة بمدى تغلغل النظام في السلطة القضائية، وللطبيعة الخاصة لهذه المحكمة. وهنا بدأ فصل جديد من فصول المواجهة مع التيار الإسلامي، نرى أن له دلالة مهمة في المستقبل المنظور. فالنظام يحاول وضع وصياغة حالة قانونية محددة، يضع فيها الإسلاميين، وتؤدي لعزلهم سياسيا. والوسط يستخدم كحالة تجرب عليها الأساليب المختلفة لمنع وصوله للترخيص القانوني. وهنا يصبح الوسط مستهدفا، وكذلك كل التيارات الإسلامية الأخرى. والنظام يرى أن التيارات الإسلامية تمثل حالة واحدة، تؤثر على بعضها البعض، وتؤدي إلى نتائج متوازية عبر الجماعات المختلفة، ومهما كان الاختلاف بينها. وتلك في الواقع مسألة مهمة، يجب النظر لها. فقد رأى البعض إمكانية الموافقة على حزب الوسط، بوصفه مشروعا سياسيا ومعتدلا، ولا يمثل خطرا على النظام الحاكم، لأنه في بدايته. ولكن النظام نظر للأمر بطريقة مختلفة، حيث رأى أن وجود أحزاب مدنية ذات مرجعية إسلامية، يعد أمرا يؤسس لوضع لا يمكن التحكم فيه بعد ذلك. فالنظام يرى وجوب رفض وجود مثل هذه الأحزاب من حيث المبدأ، وأن الموافقة على حزب من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، يعني الموافقة على غيره من الأحزاب ذات نفس التوجه في المستقبل. والفارق هنا بين الرؤى، يكمن في تصور المستقبل، فالنظام يرى في دخول الحالة الإسلامية في المجال السياسي الرسمي أو القانوني، خطرا داهما عليه. ولا يفرق النظام بين من يدخل من الإسلاميين إلى مجال العمل الحزبي. فهو يرى أن كل تلك التيارات تمثل خطرا على النظام. كما يرى أن دخول أي فصيل منها إلى مجال الأحزاب الرسمية، سيؤدي في النهاية إلى دخول تيارات أخرى وحصولها على أحزاب بنفس الطريقة. ويبدو هنا أن النظام يريد أن يكون متسقا مع نفسه، في رفض كل الحركات الإسلامية، ومنعها من تشكيل أحزاب، ولكن الصورة تشير أيضا إلى رؤية النظام للترابط بين الفصائل الإسلامية، من حيث مضمون رسالتها السياسية، مع ما بها من تنوع. لهذا يتصور أن منحه للمشروعية لحزب له مرجعية إسلامية، يؤدي إلى منح المشروعية لكل الفصائل التي تقوم على المرجعية الإسلامية في خطابها السياسي. وكأن الترخيص هنا ليس لحزب، بل لتيار عريض، بكل ما فيه من تنويعات. وهنا يبرز موقف النظام الحاكم، والذي يريد منع التيار الإسلامي من ممارسة العمل السياسي عن طريق القانون. ولكن القانون لا ينفعه في معظم الحالات، لأن القانون يقوم على قواعد عادلة، مهما كان هذا القانون مفصلا على رغبة الحاكم. ولهذا يحتاج تطبيق القانون على بعض الألعاب غير القانونية، مثل إجبار المؤسسين الأقباط على سحب توكيلاتهم. وهو أمر يدل على أن النظام لم يجد مخرجا لإثبات تهمة الحزب الديني على حزب الوسط، إلا بجعل كل مؤسسيه مسلمين. وناهيناعن تلك المجازفة، والتي تثبت لنا أن النظام لا يعرف إلا مصلحته فقط، فقد وضع النظام شرطا على الحزب المدني ذي المرجعية الإسلامية حتى يقبل، بأن يقبل بعض الأقباط الانضمام له، وكأنها محاولة لشق الصف الوطني، بجعل الأقباط هم العائق الوحيد أمام قيام حزب إسلامي. نقول ناهينا عن هذا، فالنظام يضحي بكل شيء إلا بقائه، ولكن الأهم من ذلك، هو الطريقة التي تستخدم بها ورقة الأقباط في الحياة السياسية المصرية، بجعل الأقباط رهائن النظام المستبد الفاسد، من خلال تخويفهم من التيار الإسلامي، حتى يجبر القبطي على تأييد النظام رغم استبداده وفساده، ويجبر أيضا على تأييده رغم أنه السبب الرئيسي في المشكلات التي يعاني منها الأقباط في مصر. والخلاصة أننا أمام محاولة لعزل كل الحركات الإسلامية، ويأخذ الوسط كنموذج لتلك الأحزاب التي يحاول النظام منعها من المشروعية القانونية. فإذا كان الوسط هو محاولة لتحويل الحركات الإسلامية لأحزاب سياسية طبقا للقانون القائم، فإن النظام يحاول جعله نموذجا لاستئصال الحركات الإسلامية من الحياة السياسية المصرية [email protected]